قال تعالى: «وجعلنا من الماء كل شيء حي» صدق الله العظيم.. إذن الماء هو سر الحياة، فلا حياة بلا ماء.. وحين يفقد الإنسان الماء، ما الذي يبقى له.. وحين لا يجده فما الذي يمكن أن يجده... هل يجد اللقمة الهنية والفرش الوثير والراحة والدعة.. هب أنه وجدها كلها، فماذا تعني له حين لا يجد الماء.. المؤكد أن حياته ستبقى بلا معنى.. ووجوده سيكون بلا قيمة، هذا إن بقي على قيد الحياة حتى يجد الماء.. الماء هو أولى الأولويات وأهم الاحتياجات الضرورية على الإطلاق.. به نحيا وبعدمه نموت... قطع الأعناق ولا انقطاع المياه... من تعاسة العاصمة وساكنيها أنها في كثير من نواحيها تعاني هذه الأيام أزمة مزدوجة بتحالف انقطاع الكهرباء المصحوب بانقطاع للمياه أيضاً، ولك أن تتخيل مدى التعاسة والبؤس الذي يكابده من يفتقد لهاتين الخدمتين المهمتين وخاصة الماء سر الحياة، رغم وفرة المياه التي تكفي سكان العاصمة بل وتفيض، ومع ذلك يشكو الناس العطش والحسك، وتصير رائحتهم (طير طير)، بينما تقف هيئة مياه الخرطوم عاجزة وحائرة أمام أزمة شح المياه وانعدامها وخاصة في هذا الجو الخانق، وكأني بها وهي في هذا الموقف البائس تجسد فعلياً النكتة التي تروى عن أحد المتشاعرين حين حاول أن يقرض شعراً بالعامية، فذهب ليلاً إلى شاطئ النيل ليستلهم منه ما يعينه على إنتاج القريض علَّ «الليل والنيل والقمر» يسعفونه، وبعد تأمل وتدبر واستغراق في التفكير، لم يجد ما يقرضه سوى أن يقول متحيراً «يا نيل يا طويل يا ملولو.. بالليل دا ماشي وين»، والحال من بعضو، فالهيئة أيضاً لا تجد ما تقوله تبريراً لشح المياه وانعدامها في عاصمة يشقها نهران ونيل، غير ما تستبطنه من مياه جوفية، ورغم هذه الوفرة المائية تقف عاجزة وحائرة «زي إبل الرحيل شايلة السُقا وعطشانة»، وما يكشف عجز هذه الهيئة وحيرتها أمام مشكلة المياه، أنها مع كل أزمة جديدة لها سبب ومبرر جديد، مرة بسبب الطمي في مواسم فيضان النيل، تردد مع الراحل مصطفى سيد أحمد «يفيض النيل نحيض نحنا، يظل حال البلد واقف تقع محنة»، ومرة بسبب الشبكة المهترئة، ولم تستطع على مرّ السنوات أن تتخلص من هذه «الشبكة» بكسر الشين، ويظل المواطنون العطاشى يرددون «اللي شبكنا يخلصنا»، وهي ترد على طريقة المجادعات «الداير الشِبْك يشبك شبكتو معانا».. إذن الماء موجود وبوفرة، أجراه الله على هذه الأرض ولا يحتاج الأمر هنا سوى إلى الجهة التنفيذية والإدارية والفنية المؤهلة والكفوءة التي تجريه عبر المواسير بلا انقطاع أو (تكدير)، والمحنة تقع عندما لا توجد مثل هذه الجهة، والأزمة تستفحل أيضاً عندما تكون خدمة حيوية كالماء الذي لا حياة بدونه لا تجد التمويل اللازم وتقبع في مؤخرة الاهتمامات، والكارثة تحل كذلك عندما يوسد أي أمر لغير صاحبه المؤهل المقتدر في الصحة في التعليم ال.. ال.... إلخ، وتلك هي القضية. [email protected]