بسم الله الرحمن الرحيم كان القيادي الاتحادي البارز المرحوم الشريف زين العابدين الهندي طيب الله ثراه ..قد يئس من حال البلاد ربما منذ نتائج الانتخابات ..وكان قبوله بالعمل مع السيد الصادق المهدي في حكومة ائتلافية ربما انصياعاً في الغالب لرغبات زعيم الحزب ورئيسه السيد محمد عثمان الميرغني..فقد غلب في بداية التكوين المقربون من المرشد والامام ...وعند سؤاله عن عدم وقوفه في وجه المسار الذي يقوده السيد الصادق المهدي رغم عدم رضاه..روي أنه قال والعهدة على الرواه..أنه لا يستطيع أن يعبس في وجه ٍ ابتسم له من قبل... فهذا يحتاج مقابلته بوجه أسد!! ولعله لا يغيب عن واعية معاصري تلكم الفترة ..مبلغ اليأس الذي وصل من الأوضاع سواء أكانت في حزبه أو البلاد عموماً..وقد استغلت عبارته اليائسة من أوضاع الديمقراطية ( لو ختفا كلب ما في زول حيقول ليه جر) من الطرفين نظاماً ومعارضة كل حسب هواه..فالانقلابيون رأوه دليلاً على بؤس الوضع..والمعارضون تمهيداً للانقلاب خاصة بعد تقاربه من النظام لاحقاً. المهم في الأمر أنه كان قد وصل إلى قناعة بأن الأوضاع تحتاج إلى ثورة. في الدولة وفي الحزب.. لكنه وهو الصوفي والشاعر الرقيق المرهف..والخطيب المفوه جزل الألفاظ ..ما كانت دواخله لتتحمل الحديث عن ثورة بالمفهوم الراديكالي خاصة في سنه تلك..فاجترح تسمية دعا بها في التحضير لمؤتمر حزبه العام والذي عاجله الانقلاب بضربة قاضية ..وأسماها بالثورة الانسيابية..كانت تلاقي استحساناً عند مؤيديه في حزبه..لكنها كانت مثار سخرية خاصة عند قبائل اليسار والجبهجية..وأذكر زميل عمل كان قيادياً وقتها في الحزب الشيوعي بكسلا..كان يقول ..للثورة أدواتها..فما هي أدوات الثورة الانسيابية هذه ؟ وهكذا كان أهل بيزنطة يتجادلون ..أذكور الملائكة أم إناث ..حتى أتتهم سنابك خيل الغزاة.. الشاهد في الأمر أن الزمان قد دار دورته وعادت بلادنا إلى نفس المربع من جديد ..وإن كانت في الواقع لم تغادره مطلقاً عند ذوي النظرة الثاقبة..فالأزمات عند الأزمنة الآسنة توائم..ووصل نفر كريم من مفكري وأكاديميي وصحافيي بلادنا ..إلى نفس التشخيص ربما واختصرها تعبيرهم بأن البلاد في ( أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية )..وإن نوافذ التغيير يجب أن تفتح..لكنهم ما أن يفتحوا نافذة ..يجدون ريحاً صرصراً ..فيغلقونها ويفتحون أخرى ..فيرون زلزالاً.. ولا أقول دماً ..فالدماء مبذولة ومسترخصة وهم أذكياء أفئدة لا ينتظرونها في العاصمة لتسمى نزيفاً..فأشبهت حالهم حال الزعيم الراحل ..يريدونها بلا خسائر..كما يقلب المرء مرآة ذات وجهين على منضدته..لكن ..هل هذه هي حقيقة الأوضاع ؟ أكاد أجزم أن فيهم أنفسهم من يرون غير ذلك ..ولكنه حل الأماني الطيبات..أن تتقدم للديكتاتور بطلب بالتنازل ..كمن يطلب الغراب أن يكون دليل قوم..فلا وصلوا ولا وصل الغراب..وها هي الردود السالبة تطل برأسها..فشركة المساهمة الخبيثة ..لن يرضى كل شركائها بتسويد رئيس مجلس إدارتها..وإلقائهم من نافذة القطار..ولا المكون ذو الشوكة بالذي يرضى..لكن القول الذي لا بد منه هو سؤال المخاوف..أحقاً هي من حملة السلاح من المعارضين لكي تكون البلاد مثل خرائب بعض دول ما اصطلح عليها بدول الربيع العربي؟ أم من النظام وقواه التي سلحها حتى أسنانها؟ الكاسب لا يقتل. خاصة إن ألزم نفسه بقانون ...لكن الخاسر هو من ينزع إليه..والخاسر من الثورة هو تيار يأبى ما وصل إليه الغنوشي..المحظوظ برؤية تجربتهم قبل تطبيقها في بلاده..لذلك ..فلئن كانت البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية.. فالتيار في أزمة أخلاقية ..ودينية ..وهذا ما لا يتأتى إفهامه دون أن تدق أجراس التغيير في (صناقيرهم). [email protected]