لم يقنعنى شيء بأن الإنسان - مهما علا شأنه أو إنخفض - بلا قيمة تذكر أكثر من ذلك الكاتب الذى نعى -عبر صحيفة - صديقه الذى مات دون أن يراه منذ فترة. وعندما بلغه أن الصديق حى يرزق، وأن الدم لازال يواصل رحلته عبر عروقه وشرايينه، أعاده للحياة بنفس البساطة والسهولة فى اليوم التالى على ذات الصحيفة، وعبر نفس القلم، وربما ذات الكيبورد، ولكن بسطور أقل من التى الحقه فيها بربه ! وكأن والدته ماجابهت آلام الطلق يوماً ، ولا شكى ثديها كثرة الحليب وثقله عليها ! إنها لأمة تحفى بالموت وتدني من قدر الحياة ولو بسطر . ثم زميله الآخر الذى كتب قبله - وفى ذات الصحيفة- أنه طفق ذات يوم يفرغ من ذاكرة هاتفه أرقام جميع من مات من أصدقائه ومعارفه ، حتى حسبت أن ذاكرة الهاتف شكت له توجعها و انينها والغثيان الذى بات يلازمها من حمل أرقام تفوح منها رائحة الحنوط ! ماالذى أقسى من أن يكون المرءُ الذى ( ولد فعاش وأنتج ، اصاب وخاب ، لازمه النجاح أو اصطحبه الإخفاق فى حله وترحاله، أحب وكره، صادق وعادى)، مجرد سطر أو حتى رقم ؟!! حقا إن الحياة لفراغ عريض تقرره وتنهيه شهادتان، إحداهما للميلاد ،والثانية لإعلان الفناء. فلم الكدر ؟ أليس ذلك أدعى أن نملأ ذلك الفراغ بما نحب ونرضى، طالما أن كبسة ذر كفيلة أن تلغى لنا أثرا ! فالحرف يحيينا ... ويهلكنا رقم . محمود، ، ، [email protected]