في اليوم التالي إجتمع الدرق ليناقش الإشكالية مع الجنرال والذي أبعد نفسه عن الدرق الآن بشكل مؤثر. لقد كان هناك شعور بأنه يمكن معالجة الأمر وإعادة الجنرال إلى مكانه فأرسلت مجموعة من الضباط عالية الرتب بقيادة الجنرال (قيزاو) لمقابلة (عندوم) . في ذلك الإجتماع أكد لهم (عندوم) أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يلعب دور دمية مثل الجنرال المصري (نجيب) ، بينما يمسك الدرق بمقاليد السلطة. عليه : أصبح الدرق قلقا بشكل واضح بعناد الجنرال فأرسل إليه المحترم (رأس إيمرو) للتدخل في الأمر . بالرغم من الجهود الطيبة التي بذلها (إيمرو) ، إلا أن الجنرال أصر على أن لا يعمل تحت إمرته ضباط صغار عمل على تربيتهم ، خاصة تحت ضباط مستودعات الأسلحة ، في إشارة واضحة لمنقستو ، مضيفا بأنهم إن كانوا يريدون أن أعمل معهم فعليهم أن يسّرحوا الجنود المجتمعين ويعينوا أشخاصا للمجلس العسكري بإختياري ، فإذا ما وافقوا على هذه الفكرة دعني أعرف ثم إنصرف. من جهته شرح (رأس إيمرو) لمنقستو موقف الجنرال الذي نقل بدوره الأمر إلى أعضاء الدرق. كان أعضاء الدرق غير قادرين على إبتلاع فكرة الجنرال فتم رفضها . في أثناء ذلك بدأ الجنرال في التحريض ضد الدرق خاصة بين جنود الفرقة الثالثة الذين يثق فيهم وأتصل بالقادة زاعما أنهم أقالوه وأنه لم يعد يعمل معهم. كذلك أعد الجنرال تلغرافا يحث فيه كل الوحدات على التمرد ضد الدرق ، لكن قبل أن يوزع التلغراف وقع في أيدي منقستو وهنا بدأت المقاصد التآمرية للجنرال واضحة لمنقستو. الإجتماع الحاسم في هيدار (14) : في ذلك اليوم الحاسم دعي إلى إجتماع عاجل فعج المجمع بالنشاط وشوهد الجنود بالأسلحة الثقيلة والخفيفة في كل مكان وأمتلأت القاعة بممثلين الوفود الذين كانوا على إدراك بأجندة الإجتماع. على المنصة جلس منقستو على اليمين وأتنافو على اليسار ، فيما بقي كرسي (امان عندوم) شاغرا وشاهدا على نهاية حياته السياسية. تحدث منقستو للمدعوين قائلا : إننا سوف نناقش بعض القضايا العميقة وهذا سبب دعوتكم من الأقاليم لإعطائنا أصواتكم ، ثم واصل قائلا : إن الرجل الذي وثقنا فيه وقررنا أن يقودنا توقف عن المجيء إلى مكتبه بزعم المرض ، لكن سرعان ما أكتشفنا أن الأمر أكثر من مرض وبالرغم من رسل السلام الذين أرسلوا إليه ، إلا أنه رفض بشكل عنيد العمل معنا . في الواقع فإنه بدأ بالتحريض ضدنا مع ضباط معينين في الجيش وتفاصيل المؤامرة هي بين أيدينا واليوم فإن هذا الإجتماع العاجل هو لكيفية التعامل مع هذه المشكلة وحلها فورا. في الواقع فإن معظم أعضاء الدرق كانت معرفتهم محدودة من أن التنافر بين الجنرال ومنقستو قد بلغ هذه المرحلة ، غير أنهم قرروا أن يلزموا الصمت. أخرين رأوا بأنه يجب البحث عن حل سلمي لتجنب خطر محدق ، بينما رأى البعض بأنه يجب أن يسجن الجنرال وأن تكشف نشاطاته التآمرية للعامة. من جهة أخرى لم يقبل بعض أعضاء الدرق مزاعم منقستو عن خيانة الجنرال وأقترحوا الذهاب إلى منزله والتحدث إليه مرة أخرى. عند هذه المرحلة إغتاظ منقستو وبدأت شفاهه وخدوده في الإهتزاز بضراوة ورد قائلا : أنا لا أعرف لماذا تشكون ولا تصدقون ما أوردته لكم الآن ؟ فكل شيء مسنود بدليل حقيقي ويمكن أن نقدم لكم المعلومات بالتفصيل إن كان ضروريا . لقد كان منقستو واثقا من لغته وتصرفه ، ثم واصل حديثه : الآن لدى الكولونيل (تسفاي وولدي – سيلاسي) شيئا يود أن يقدمه لكم ، لذا عليكم الإستماع بدقة وإبداء أرائكم في الموضوع . تحرك (تسفاي) نحو المنصة حاملا شريطا مسجلا ومعلومات تجّرم الجنرال . قال منقستو أن ما ستستمعون إليه هي محادثة تلفونية بين الجنرال و (قيزاو) . بما أن لدينا محادثات أخرى مثل هذه للجنرال مع قادة عسكريين أخرين تجرمه ، فإننا سوف نقدمها في الوقت المناسب إن لزم الأمر . على الشريط أجرى الجنرال (قيزاو) مكالمة مع الجنرال وبعد الترحيب المعتاد ، طلب قيزاو من الجنرال أن يغير موقفه ويعود إلى العمل فرد الجنرال : مع من أعمل ؟ كيف أقود البلاد مع جنود ورقباء عاديين ؟ بما أنني إقترحت فكرة مالم يقبلوها فإنني غير راغب في العمل معهم وحينما سئل أكثر عن هذه الفكرة ، قال أنها تقوم على حل الدرق وإنشاء مجلس عسكري تحت إمرته ، به قادة عسكريون أكثر كفاءة وتعليما . رد الجنرال (قيزاو) بإستحالة تطبيق الفكرة من أجل مصلحة الحركة وفقا لمنقستو ونصح الجنرال بالعودة لأداء واجباته ومحاولة تحسين الوضع الحالي تحت قيادته . هنا رد الجنرال الغاضب (يا شباب .. لقد رفضتم الإستماع إلى ما أقوله لكم ومن ثم فإنني لم أعد قادرا على العمل مع هؤلاء الرعاع الذين لم يعرفوا بعد تنظيف مؤخرتهم) . عند هذا المقطع أوقف الكولونيل (تسفاي) شريط التسجيل وعاد إلى موقعه . قطع الصمت الذي عمّ القاعة همهمات غاضبة وشجبت وجوه الأعضاء بشكل واضح جراء إهانة الجنرال وبدأ منقستو في فحص ردود أفعال الأعضاء. لقد نجح في إثارة غضب الجميع على إمتداد القاعة. لقد جسدت عبارة (لم يعرفوا بعد تنظيف مؤخرتهم) مدى الإزدراء الذي يكنه عندوم لأعضاء الدرق. لقد أغاظت هذه اللغة جميع الحضور في القاعة وبلغة القيصر فإن (زهر النرد قد ألقي) من الآن فصاعدا. الحل النهائي : بدأ منقستو غاضبا وحزينا للمشاعر التي أثيرت في القاعة وشرع في صياغة قضيته ضد الجنرال فتحدث قائلا : إنه بعد الفشل في إقناعه بدأ الجنرال التآمر بتدبير إنقلاب مع ضباط برتب عالية . لقد كانت خطته التحريضية تهدف إلى إطلاق سرح وزراء الإمبراطور وإعادتهم مرة أخرى إلى السلطة بعد أن عانى شعبنا منهم وضحى قرونا للتخلص منهم. إن لدينا الدليل بين أيدينا ويمكن أن نقدمه لكم . في ذلك الوقت سيطر الغضب والدهشة على الحضور في القاعة وواصل منقستو حديثه قائلا : إننا في حالة خيانة للدولة . لقد إشتكى الجنود دائما من أننا نطعم سجناء الأمبراطور في السجون. الآن بدأ أعضاء معينون في الدرق الحديث عن ضرورة التخلص من الذين إضطهدوا الشعب الإثيوبي بشكل دائم . أخرين أشاروا إلى أنه إذا لم ننفذ ضربتنا الآن فإننا سننتهي وأننا في حاجة إلى إجراء حاسم لوضع حد للحركة الخطيرة التي تعمل ضدنا. لقد مال القرار إلى ضرورة إجراء حاسم ضد الوزراء المسجونين . يعتقد المؤلف أن منقستو أخبر الجنود القلقين بأن هذه المسألة ليست في أجندتنا الحالية وأننا سوف نبحثها في الوقت المناسب. عوضا عن ذلك إنتقل إلى إنتقاء الأراء التي في صالح القرار النهائي. لقد رأى بأن الدرق يمكن أن ينهي هذا الخطر المحدق بإتخاذ قرار سريع وحاسم ضد المتهمين ولإجراء ذلك فتح منقستو باب التصويت . في الواقع لم يعارض أحد قرار التخلص من المتهمين ، عدا (بيرهانو باي) الذي نصح بضرورة حل الأمر بالوسائل القانونية ، غير أن أحدا لم يؤيده في رأيه . بعدها أمر الجنود بعدم مغادرة المجمع وإمتد الإجتماع إلى وقت الغداء. لقد حلّ الخوف بالجميع وأنقاد أعضاء الدرق إلى رغبة منقستو لتفتح أبواب الجميع واسعة. طلب منقستو من الذين يؤيدون إعدام أعضاء معينين من النظام القديم رفع أيديهم ومع ملاحظته لأغلبية المؤيدين ، طلب منقستو من (قيتاشو) إحضار قائمة السجناء . في تلك اللحظة أعلن أن الجنرال (امان عندوم) رفض أن يستسلم وأن منزله محاصر ثم طلب بسرعة من الكولونيل (دانيال اسفاو) متابعة إستسلامه أو التخلص منه. لقد تقرر بأن يحسم أمر كل سجين بعد الغداء. بعد الغداء جاء منقستو إلى القاعة ومعه ملف سميك للسجناء وقال بأنه سوف يطلع على الأسماء والجرائم المعروفة ثم تقرر الأغلبية في أمرهم. كان أول من أذيع رئيس الوزراء السابق (هابتي وولد) وعدد لا يحصى من الجرائم التي زعم أنه ارتكبها . كان منقستو يضع علامة الموت بجانب كل إسم يقرر إعدامه بالتصويت. كان (17) من الذين تقرر إعدامهم من الجنرالات. بهذه الطريقة جرى قراءة (250) إسم ، حكم على (53) منهم بالإعدام بما في ذلك بعض أعضاء الدرق. قبل أن تنفذ أحكام الإعدام جاء الكولونيل (دانيال) ليعلن أن الجنرال (عندوم) قد إنتحر ، ليضيف منقستو بأن الجنرال قاوم إعتقاله فجرى هدم بيته بدبابة ثم أقدم على الإنتحار . في تلك اللحظة منح الجنود راحة حتى الساعة العاشرة مساء . عند العودة جرى إستدعاء أربعة قادة ليشهدوا القرارات الحاسمة للدرق ثم غادروا الإجتماع . في منتصف الليل جاء (قيتاشو) إلى قاعة الإجتماع ليوضح كيف تم تنفيذ الإعدامات الموجزة للضباط السابقين. مع هذه الإعدامات الإجرامية إنتهى النظام السابق. لقد إمتد ذلك الإجتماع حتى الساعة الواحدة صباحا وجرى إعداد بيان عن الإعدامات ليقرأ في صباح اليوم التالي وأمر الجنود بمراقبة ردود أفعال الرأي العام ثم صرفوا . يرى المؤلف أنه حتى إن كان هناك بعض ضباط الدرق أيدوا إعدام الضباط السابقين ، إلا أن 80% من أعضاء الدرق لم يصوتوا لهذا القرار المخيف . بمعنى أخر فإن كل هؤلاء الرجال كانت تتحكم فيهم ظروف غير منطقية وتصرفوا في جو من الخوف والتردد والقلق. لقد أعدم ال (60) ضابطا بأغلبية بسيطة ، أعطيت في الغالب بواسطة جنود غاضبين وقلقين ، غير أن أعضاء الدرق – كما يرى المؤلف – يتحملون المسئولية القانونية والأخلاقية عن جرائم الإعدامات الموجزة للضباط المسجونين فقد شاركوا جميعا في هذا العمل الوحشي ويجب أن يتحملوا نتائج قرارتهم الخاطئة.لقد رسّخت هذه الأفعال الإجرامية من قاعدة السلطة الباطشة لمنقستو داخل وخارج الدرق ودشنت الإستبداد والهمجية والكذب في إستخدام وتعدي سلطة الدولة في إثيوبيا الحديثة. لقد أصبح الإستخدام الإستبدادي لسلطة الدولة ذو الطابع القمعي المخيف في حل مشاكل الدولة ، أصبح أمرا طبيعيا. إن إراقة الدماء المتعمد خارج القانون والمرتكز على العقيدة الفكرية كان تتويجا ل (17) عام من ديكتاتورية الدرق والكثير من الجرائم التي تلت ذلك. [email protected] ---------------------- * شغل فكري سيلاسي منصب رئيس الوزراء الإثيوبي في الفترة ما بين 10 نوفمبر إلى 8 نوفمبر 1989 . المصدر : http://www.zehabesha.com/fikreselass...-60-officials/