منذ أن عشرات السنين نشب صراع بين المثقف السوداني الذي يحاول جاهدا في العمل علي تقديم انتاجه الفكري للمجتمع ومجموعات آخرى بوليسية تجلس علي كراسي الحكم ولا تفهم غير لغة البنادق، وكان علي قرطاس التاريخ صفحات تحمل اسماء شخصيات وطنية ومفكرين عانوا الظلم والتهميش وعدم الكثير منهم دون ذنب، فقط لأنهم كانوا ذوي طرح فكري متحرر من قيود الحكام الذين يريدون بولسة العقول وتجميدها وشيطنة كل من يخالف سياسات وإن كانت سياساتها لا تخدم المصلحة الوطنية ولا تطور العقول، ولنا في اعدام عبدالخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ ومحمود محمد طه وغيرهم في عهد النظام المايوي النميروي مثال واضح لصراع المثقف مع السلطة الرجعية التي لا ترى الحقائق الكونية ولا تعرف مضامين ما يطرحه المثقفين إلا من حيث تريد الرؤية والمعرفة، وانقضى ذلك العهد بخروج الشعب السوداني من انفاق الخوف الي فضاء الإجهار بالثورة ومناهضة الإستبداد، ولكن لم تستمر الديمقراطية لذات الاسباب التي جاء بها نظام مايو الي السلطة، فكان الإنقلاب الإنقاذي الذي قاده عمر البشير مدعوما بفلول تنظيم الحركة الإسلامية بتدبير وقيادة من الراحل د/حسن الترابي، ومنذ ذلك اليوم دخل السودانيين في صراع جديد وهو الأخطر والأعمق من سابقاته، لأن الإنقاذيين استخدموا فيه كل الأسلحة الفتاكة لمحاربة العقل والعقلاء، ونصبوا المشانق علي الطريق العام وقضائهم سلط القانون كالسيف علي رقاب الجميع، وإذا اردنا أن نحصي عدد المثقفين الذين دخلو السجون الإنقاذية والذين قتلو بسبب رأيهم وفكرهم من كل فئات المجتمع لإحتجنا قرن من الزمان لنعرف العدد، وليست هذه مبالغة في القول لكن هذا القرن وحده الذي يكفينا لتسجيل الذين قضي عليهم جورا من قبل قضاء الطغاة. وما يسوقنا الي الحديث عن انتهاكات النظام لحقوق الإنسان في السودان وبل العمل علي مناهضته بكل الوسائل هو حلمنا الأبدي بوطن حر ديمقراطي، تكون فيه الحرية الكاملة للفكر حتي ينتج الإنسان ما يخدم تقدم البلاد، لكن لا يبدو لدى النظام الدكتاتوري الحاكم أي استعداد لقبول الرأي والرأي الآخر، وهذا بالطبع سوف يؤدي الي سقوط النظام واستمرار الفكر لأن الفكر لا يعرف الحدود في تدفقه ولا يرتبط بزمن ومكان، وكل المقالات والكتب والروايات القيمة التي حظرها المؤتمر الوطني بقانونه الضيق لن تضيع بمفهوم حظرها وعدم السماح لمنتجيها بدخول السودان او نصب المشانق لهم لن يجعلهم في سلة الصمت، فالحراك البشري منذ ظهوره علي سطح الكرة الأرضية ظل يعتمد في تطوره الطبيعي علي العقل المكتشف والمبتكر لسائر العلوم والمعارف، وفي الدول المتقدمة التي تحترم العقل لا توجد قوانين مقيدة للحرية الفكرة ولا يوجد صراع بين الحاكم والمفكر، كل هذا يحدث في دول تحكمها العقول الإرهابية التي لا تؤمن بحقوق وحريات الإنسان وتسعى لتسيره وفقا لمنطق البندقية اطماء الإيدلوجيات المفسدة للجو السياسي والثقافي وسط الشعوب كالمشروع الحضاري الإنقاذي القائم علي الأسلمة السياسية وفرض الهوية العربية لمجتمع متنوع عرقيا الأمر الذي شجع مسألة انفصال شعب الجنوب وفتح الفضاء امام بروز جدليات انفصالية آخرى في مناطق متعددة، ومن الأصلح والأنفع لكل مواطني السودان ... العمل الجماعي لتأسيس مشروع وطني جديد بقيام تحالف وطني يضم كل حركات التغيير ومجموعات المجتمع المدني والمثقفين من الأرياف والمدن لمناهضة هذا الواقع، وكانت هناك أطرحة استراتيجية ومهمة طرحها الأستاذ ياسر عرمان واطلعت عليها في العام المنصرم مضمونها دعوة لبناء تحالف جديد للحقوق المدنية والسياسية يجمع كافة شرائح المجتمع السوداني ويؤسس لحراك ثوري متكامل يقود الي التغيير والتحرر ويضع مشروع واضح لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة السودانية ورد الحقوق الي المجتمع بحقيق العدالة بحق كل مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية وايضا محاسبة كل من شارك في تدمير الثقافة وهدم معالم العلم والحضارة سوا ببناء السدود في الشمال او ببيع المدارس والجامعات وفصل الطلاب ومحاكمتهم تعسفيا. كانت رؤية ياسر عرمان في هذا الصدد مخاطبة للواقع السوداني بطرح افكار جديدة تساهم في اخراج السودان من ازماته وتراعي مستقبله اللآتي، وهذا هو المخرج الأمثل ارجح نجاحه إذا وجد الإهتمام الكافي بالحوار البناء بين مثقفي بلادنا الوطنيين والمشغولين بهموم السودان ومعانات شعبه في كل الجهات، وختاما اتقدم بالتحية لشعبنا الأبي ولطلابنا الشرفاء علي رأسهم محمد بقاري وعاصم عمر وعروة وعماد الصادق وكل الشباب الذين يقفون خلف جدران السجن ينتظرون محاكمتهم من قبل المؤتمر الوطني وقضائه المسيس فقط لأنهم ذوي فكر ورأي مخالف للنظام ولن تسقط قضيتهم بمجرد الحكم عليهم بالسجن المؤبد او الإعدام والشاهد العصري علي ذلك تلك الأحكام القضائية الصادرة بحق معتقلي النيل الأزرق والمحكوم عليهم بين الإعدام والمؤبدة، وسيأتي يوم تخرج فيه جماهير السودان وتعلن ميلاد صباح جديد لبلادنا. سعد محمد عبدالله القاهرة [email protected]