، رجل بنما القوي والقابض على زمام السلطة منذ عام 1968 حتى مصرعه عام 1981 ، من يكون ؟ ولماذا جرى التخلص منه في نهاية الأمر ؟ هنا محاولة للإقتراب من السيرة . ينحدر عمر توريخوس من أصول إسبانية ، حاملا من الإرث الأندلسي إسما عربيا مثل كثير من العائلات التي كانت قد أسلمت ثم عادت وتنصرت مرة أخرى . في مدينة (سانتياغو دي فيراقوس) ولد توريخوس إبن لأب معلم له من الأبناء عشرا . حينما شبّ عن الطوق أرسله الأب إلى المدرسة لينتظم في السلك التعليمي. حينما أكمل المرحلة الثانوية حظي بمنحة دراسية في أكاديمية (سان سلفادور) العسكرية . أكمل توريخوس دراسته بنجاح فعين بالقوات المسلحة البنمية أو ما يعرف ب (الحرس الوطني) برتبة ملازم ثان . كان ذلك في العام 1952. بعد أربعة سنوات متواصلة من العمل الجاد والمثابرة جرى ترقيته إلى رتبة نقيب ثم رائد . كان توريخوس عسكريا صارما ومنضبطا وله طموحاته الخاصة . إزاء جديته في العمل جرى إرساله إلى جورجيابالولاياتالمتحدة عام 1965 ليتلقى تدريبا عسكريا في معهد العالم الغربي للتعاون الأمني ، ليعود إلى بلاده ويعين في العام التالي مسئولا تنفيذيا للحرس الوطني ثم ليرقى إلى رتبة عميد . في عام 1968 جرى إرساله إلى السلفادور لكي يعمل كملحق عسكري في سفارة بلاده ، في مهمة كان قصدها الإبعاد أكثر من التكليف ، بسبب مزاعم عن تورطه في التلاعب بالإنتخابات. في نفس العام دبر رفيقاه في الخدمه (خوزيه همبرتو راموس) و (بوريس مارتينيز) إنقلابا ناجحا ضد الرئيس (إرياس) المنتخب لتوه رئيسا للبلاد وتكون مجلس عسكري ترأسه كل من مارتينيز وتوريخوس فيما عين الأخير قائدا للحرس الوطني . بهذه الكيفية أصبحت الصحافة والتشريعات وكل الأحزاب السياسية تحت قبضة الحكم الجديد الذي أرسى نظاما عسكريا متشددا . لكن سرعان ما كشف توريخوس عن نواياه وتطلعاته للسلطة فأرسل رفيقاه (راموس) و(مارتينيز) إلى المنفى في العام التالي (1969) في مكافأة غير منظورة وأنفرد بالسلطة . في الواقع فإن توريخوس لم يسمّ رئيسا شرعيا لبنما بل كان رئيسا للبلاد بحكم الأمر الواقع . بعدها أحكم توريخوس قبضته على مقاليد الأمور وسنّ دستورا جديدا قيّد فيه من الكثير من الحريات وأصبح يتصرف كيف يشاء وقد بدأ ذلك جليا في تغييره وتبديله لروؤساء بنما الذين كانوا أشبه بقطع الشطرنج فخلال فترة رئاسته عرفت البلاد روؤساء عده أمثال (خوزيه ماريا) ، (لاكاس)، (أرستيدس) حيث كان توريخوس هو الثابت والأخرون هم المتحول. مع أنه أعلن تقاعده وتخليه عن السلطة في العام 1978 لصالح مناصره (ارستيدس) ، إلا أنه كان لا يزال ممسكا بخيوط اللعبة. في عام 1979 أسس توريخوس الحزب الثوري الديمقراطي بأفكار إشتراكية مبهمة ممزوجة بمباديء يسارية ويمينية . مع أنه جرى تصنيفه بأنه يساري ، إلا أنه في الواقع لم يكن كذلك فهو لم يصل بيساريته إلى مرحلة (فيدل) أو (الليندي) . برغم ديكتاتوريته إلا أنه كان متعاطفا مع الفلاحين والفقراء ، إذ طرح خططا إصلاحية ليستفيدوا منها فمنح حقوق الأرض للمزارعين وحدّ من نفوذ ملاك الأرض ، بنى المدارس لصالح الفقراء والمعدمين وفتح فرصا واسعة من العمل لتلك الفئات ، مما خلق له شعبية واسعة بين تلك القطاعات ، مما حفّزه ليطلق على نفسه القابا تفخيمية مثل (القائد الأعلى للثورة البنمية). برغم قتامة الصورة فإنه يحسب لتوريخوس أنه حقق إنجازا كبيرا لبنما حينما فتح خط التفاوض مع الولاياتالمتحدة بغرض إعادة السيادة البنمية لقناة بنما فكان أن دخل عام 1977 في مفاوضات طويلة مع الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) لهذا الغرض والذي كلل بنجاح بإبرام إتفاقية تقضي بأن توؤل ملكية القناة إلى بنما بحلول العام 2000 . لقد كان ذلك إنجازا كبيرا رفع من أسهمه في الداخل والخارج. لقد كان توريخوس مدركا لحساسية موقع بنما الجغرافي القريب من الولاياتالمتحدة وبالتالي لم يك راغبا في أن يتخذ موقفا عدائيا ضدها مثلما لم ينحاز إليها بكلياته ، مفضلا أن يمسك بالعصا من الوسط . مع أن توريخوس لم يشكل حالة مزعجة للأمريكيين إلا أن الساسة الأمريكيون كانوا يرغبون في رئيس يكون طيعا بين أيديهم ، خاصة وأن توريخوس إكتسب هالة وطنية بعد إنجازه إتفاقية القناة . عندها بدأوا يبحثون عن البديل فوجدوه في شخص (مانويل نوريغا) الذي كان متعاونا مع الأمريكيين ومتماهيا مع رغباتهم لأبعد حد . عليه فإن أغلب الروايات ترجح أن رجال المخابرات الأمريكية دسوا قنبلة في طائرته بمساعدة عملاء لتنفجر ويلقى حتفه في 31 يوليو 1981 وهو ما ذهب إليه رجل الأعمال الأمريكي (جون بيركينز) ، مع أن هنك رواية تفيد بأن سوء الأحوال الجوية هو السبب في تحطم الطائرة . لكن يبقى أن عهد عمر توريخوس قد إنطوى مخلفا وراءه حزنا عميقا بين الطبقات الفقيرة ، ليأتي (نورييغا) لاحقا وتلك قصة أخرى ! [email protected]