خلال عقد كامل من الزمان تتفتح الأزاهير فتنهل (الفراشات الملونة) من رحيقها و ينتشر أريجها الفواح بين أرجاء حاضرة البلاد و المدن الكبرى خلال الفترة الممتدة من منتصف السيتينات حتى منتصف السبعينات حيث أخذ المشهد الثقافي يتوهج في السودان و إن إعتورته بعض العثرات ؛؛؛؛؛ أنار (تجمع الأدباء و الكتاب الطليعيين أبادماك) العتمة التي إكتنفت مخطوطات الأدب فظلت حبيسة الأضابير و الأدراج الى أن تولى (أبادماك) رعاية الأدباء فسطح ضوء المسرح الجامعي و أحدث رعشة في مفاصل المشهد الثقافي بعروضه الجادة التي شملت مسرح (العبث) فشهدنا عروضاً للعديد من المسرحيات العالمية ( سمك عسير الهضم و المغنية الصلعاء و الكراسي و في إنتظار غودو ) !!؟.... { لا أحد يأتي لا أحد يذهب لا شئ يحدث } !!!... و تبوأ الفن السابع مقعده في الصدارة بتأسيس (نادي السينما السوداني) بجهود فردية و من نافلة القول الإشارة الى أن هذا النشاط الثقافي لم يدعم من قبل الدولة !!؟.... على الرغم من إستحداث وزارة للثقافة وقد قدم عروضاً لمشاهير السينما العالمية من روسيا و اليابان و فرنسا و غيرهم عبر ما أُطلق عليها وقتها (السينما الجديدة) و كذلك زينت الملفات الثقافية الصحف اليومية التي تصدرها مؤسستا الأيام و الصحافة عقب التأميم الشامل لأدوات الإنتاج الذي شمل الصحف أيضاً !!؟... (الأيام) وتصدر عنها "مجلة السودان الجديد" و (الصحافة) و يصدر عنها "الرأي العام" و كان لكل واحدة من هذه الإصدارات ملفها الثقافي الخاص بها درجت هذه الملفات الأدبية على الصدور أسبوعياً ملحقة بكل صحيفة من الصحف الأربع و يتبادل الإشراف عليها رموز الأدباء أمثال (النور عثمان أبكر و يوسف عايدابي و خالد المبارك و عبد الله جلاب) وغيرهم و كنت أنا أتولى الإشراف على الملف الثقافي لمجلة السودان الجديد التي تصدرعن مؤسسة الأيام كانت بحق مرحلة خصبة ضجت إحتشاداً بفني القول و المسرح و السينما سمق خلالها الشعر الحر و لامست قامته عنان السماء و لحق به فن السرد و تزي بثياب الهجنة و كاد يوازي الفن السابع في تنوعه !!؟... * * * ظلت الملفات الثقافية ترفد خارطة الأدب بسيل من المبدعين في شتى ضروبه و أجناسه مع ظهور مناهج جديدة في النقد كمنهج البنيوية و كتابة ما يسمى بالنص الموازي و إتسعت دائرة النقاش و الجدال حول المطروح من أعمال الأدباء و توالت النصوص الإبداعية شعراً و سرداً طاول كتابه نظائرهم من مبدعين آخرين بل و فاقتها بنكهتها السودانوية ؛؛؛؛؛؛ و تميزها بتناولها لقضايا غير مطروقة كالبحث عن الهوية و رصد التمايز العرقي و الديني والثقافي الذي يختص به المجتمع السوداني فظهرت مدرسة الغابة و الصحراء في قول الشعر و سرعان ما لحقت بها مدرسة الخرطوم في فن التشكيل و إذا كان أبرز رواد مدرسة الغابة و الصحراء محمد عبد الحي و صلاح أحمد أبراهيم و النور عثمان أبكر و غيرهم فإن إبراهيم الصلحي و شبرين و غيرهما تصدوا لإرساء مراكب مدرسة الخرطوم من خلال فن التشكيل على مرافئ خارطة الفنون الجميلة عالمياً ظلت مفردات المشهد الثقافي في ذلك العقد تتوهج و تتعدد مواقع الإستنارة و يجنح الأدباء الشباب صوب نفاج اليسار للولوج الى أكنافه حيث الرعاية و الحماية و غرس بذرة النضال ضد الصوت الواحد !!؟.... و إن للكلمة النبيلة دوي فاعل ؛؛؛؛؛ لجعل الأدب قرين القضايا الوطنية الكبرى التي تخلخل الجمود و تقاوم العسف و الجبروت و تحرض الشعوب المغيبة على الغضب من أجل التغيير سرعان ما إنضم الشباب وحداناً و ظرافات الى اليسار و لا سيما كتاب فني الشعر و السرد و لم يمض طويل وقت حتى كاد معظمهم يخرجون من معطفه * * * صار الملف الثقافي بمجلة (السودان الجديد) الذي أحظى بالإشراف عليه مشرع الأبواب يستقبل الرياح الرخية المحملة بأريج أوان الدعاش من كل الإتجاهات و المناحي لإستقطاب أدباء الأقاليم و روابطهم الأدبية مثل رابطة سنار الأدبية و كذلك جمعية مدني الثقافية و لعل الأولى كان لها الحيز الأوسع في نشر القصص القصيرة ذات النكهة الخاصة و بذلك رفد فارساها (نبيل غالي و مبارك الصادق) بإسهاماتهما في إثراء مواده بالجديد و المتجدد و من الجانب الآخر عبر الدراسات النقدية كان للناقد (عبد القدوس الخاتم) القدح المعلى بمقالاته الرصينة في الأدب المقارن بين (موسم الهجرة الى الشمال) و مسرحية (الدرس) كلا البطلين يقتلان حبيبتيهما عشقاً !!؟... و كذلك عرضه لكتاب (أرنست هيمنغواي) (مائدة باريس) و ظل الكاتب و الدبلوماسي الراحل (عبد الهادي الصديق) صاحب (نقوش عل قبر الخليل) يغمر الملف بهداياه الباذخة و لعل شاعر الفرح المعبأ في زجاجات نسيج وحده سلوكاً و نظماً (حسن أبو كدوك) قد أجزل العطاء و فاض و زين صفحات الملحق بقصائده المعمدة بنزيف أشواق الحالمين !!!... و توالت أسماء المبدعين الشباب من المدن الكبيرة و القري النائية تتخلل أعمال رموز الأدب بأجناسه المغايرة و نصوصه المتجاوزة للمعهود و السائد و تزيد الملف رديفاً من المتلقيين لا سيما و أن قضايا الأدب و مناهجه النقدية المستحدثة الآخذة دائرتها في التنوع قد بدأت تثير إهتمامات القراء بأعتبارها المفتاح السحري لتفكيك النصوص الجديدة العميق الأغوار و فهمها وفقاً لمقولة أن التقويم الأدبي أصبح نصاً موازياً للعمل المُبْدَع !!؟.... [email protected]