من الطبيعي جداً أن يصدر عفوا بإطلاق سراح رجل المخابرات السابق صلاح قوش،ليس فقط لأن الحكاية من أولها إلى آخرها تشبه المسرحية،بل أن النظام احتار كيف يتعامل مع رجل الملفات المخابراتية،ومسألة التحفظ عليه في الأساس هي خوفاً منه،أكثر من أي شيء،فعندما دخل المعتقل،أثار دخوله غضب كبير بين قيادات ومؤسسات النظام،لذلك استمرار حبسه ربما يضر بالنظام أكثر مما يفيده...عندما أُقيل رجل المخابرات السابق صلاح قوش من منصبه كرئيس للجهاز،كان من البديهي ألا يُطلق حراً،كُونت له مستشارية الأمن حتى يضمنوا بقائه تحت أعينهم،المستشارية منحت لنفسها صلاحيات حول الحوار الوطني مع أحزاب المعارضة،سار الحوار كالصاروخ،تجاوبت أحزاب المعارضة جميعها مع الحوار،الضي قاده قوش بصحبة اللواء حسب الله،الحوار وصل مرحلة الاستعداد للتنازل عن الشريعة حال أجمعت الأحزاب المعارضة على..ثارت مجموعات دينية ضد الحوار الذي باع الدين بالدنيا،تدعمها قيادات سياسية بارزة،ضغطت المجموعات الدينية حتى الإطاحة باللواء حسب الله وهو ما اتضح لاحقا أنه توطئة للإطاحة بصلاح قوش..واستنادا على حجة سياسية تبناها مساعد الرئيس نافع كون المستشارية ليست جسم سياسي مخول له الحوار مع المعارضة،والمستشارية كانت تقول أن الرئيس منحها الإذن للشروع في حوار وطني مفتوح،استنادا على حجة عدم الشرعية،راح قوش في غمضة عين،وكأن شيء لم يكن..الشريعة والشرعية تنهيان دور مستشارية الأمن. بعد ذلك أصبح دور الرجل،محصورا في البرلمان الذي يخلو من الأدوار تماما،إضافة إلى أنه عضو بالحزب،فقط،وهو ما لا يتناسب مع إمكانياته ومع ما قدمه للنظام،حيث أنه كان على رأس جهاز الأمن والمخابرات وهو ما جعله لصيق بدوائر خارجية ذات وزن،وربما لأن علاقاته الخارجية وارتباطه بملفات المتشدديين والجهاديين في المنطقة الإفريقية،وتعاونه المطلق مع أجهزة الاستخبارات العالمية في هذا الشأن جعله يستشعر أنه رجل غير عادي فأصبح يتمدد داخلياً على حساب الخارج،حتى أن في عهده تشكلت دولة داخل دولة،لذلك فإن النظام الذي حبسه على خلفية تهمة انقلاب هو وضباط آخرين،احتار بعد ذلك كيف يتعامل معه،الحرية له أمر بالغ الخطورة،وحبسه يضاعف حجم الخطورة،خاصة إن لم يكن هناك تهما موجهة إليه،فالذي حدث في النهاية أن قررت السلطات أن تُطلق سراحه وتكسبه أفضل مما تخسر دولته المتمددة. الاستغناء عن قوش بصورة نهائية أمر مستبعد كلياً فليس من مصلحتهم أن يُستغنى عن من هو ممسك بكل الملفات المهمة داخليا وخارجيا،خصوصاً أن الحزب الحاكم يشهد حالة من التململ،غير أن دخول الرجل من جديد في المشهد السياسي قد يمنحه بُعدا جديداً خاصة بعد التعاطف الغريب الذي حُظي به،لكن إن خُلق للرجل منصب جديد حتى يبقى تحت النظر والمراقبة،أو تُرك حراً طليقاً،ففي الحالتين أصبح خطراً عليهم أكثر من قبل. == الجريدة