ما دعاني لعقد هذه المقارنة هو ندوة أمس بمنطقة واشنطن دي سي، التي قدمها الأستاذ صلاح شعيب لمحاورة الكاتب الامدرماني الفذ منعم الجزولي حول إصدارته الأولى "حكاوي زقاق النسوان"، التي إتسمت بغيرها من الندوات في المنطقة، بأريحيتها وعبق نكهتها الأمدرمانية الخالصة الصادقة التي تلامس الوجدان، وكثرة عدد الحضور الذين ضاقت بهم القاعة رغم وساعتها، والذين استمتعوا غاية الاستمتاع بهذه الندوة الفريدة من نوعها، والتي كان بطلاها مثقفين أمدرمانيين، هما مقدم الندوة وضيف الندوة. والمقصود بالمثقف الأمدرماني هو المتشبع بالثقافة الأمدرمانية، وليس التحيز الجهوي للتفرقة بين أجزاء الوطن، فكل أجزائه لنا وطنٌ فلتدم لنا أنت أيها الوطنُ. قد يكون المثقف الأمدرماني من أي جهةٍ ما من أرض الوطن، وليس بالضرورة أن يكون أمدرمانياً من ناحية الموطن الأصغر، ولكنه متأثراً بالثقافة الأمدرمانية والتي من أنبل صفاتها الحس الوطني، الصدق، التواضع والبُعد عن الإبتذال والأنا الزائفة وتورم الشخصية، وأمدرمان لم تأخذ مكانتها في الوجدان السوداني والأغنية السودانية عبطاً، وحتى الذين أنشدوا وتغنوا لأمدرمان لم يكونوا أمدرمانيين من حيث الموطن، ولكنهم نهلوا وتشبعوا بالثقافة الأمدرمانية السمحاء. أما المثقف غير الأمدرماني، تجده في غاية الإبتذال، يتلصق بشكل لزج بالمشاهير من المثقفين، ولا يجد سانحة إلا وذكر معرفتهم به، ويحتقر ما دونهم بغاية التنطع والسطحية، ويظن أنه بهذا الفعل المبتذل السمج سيرفع من مقامه، ويعده في قائمة مفكري السودان، وتجده يظن واهماً بكل سطحية وتورماً للشخصية - أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورمٌ - بأنه أجود المثقفين السودانيين، حتى بلغ بأحدهم بكل ما أوتي من سطحية وتورم شخصية بأن يسخر بكل بجاحة من دور المهندسين والأطباء في بناء الثقافة، وهو الذي يحتطب آناء الليل والنهار من أدوات الهندسة التي سهلت له النهل من أبواب الثقافة، فعلى سبيل المثال لا الحصر وبديهياً : وفرت له المطبعة لطباعة الكتب، والكمبيوتر والإنترنت وقوقل الذي يحتطب منه، ثم يقول بكل بجاحة ما دورهم في بناء الثقافة؟! لعمري بأن هذا هو الجهل يمشي على قدمين، وتجده أيضاً متدني في الحس الوطني فهو مشغولٌ ببناء الشهرة الزائفة المبتذله عن أمور الوطن، هذه الصفات أعلاه إن وُجد واحد في المائة منها في أي مثقف تنسف جميع فكره، فما بالك بتوفر كاملها فيه، وتجعله مكروهاً من الجماهير. المثقف الأمدرماني هدفه نسج الألفة والمحبة بينه وبين الجماهير، وليس الإبتذال الفج، وهذا هو البونُ الشاسعُ مابين المثقف الأمدرماني من غيره من المتثاقفين. النذير حجازي اكتوبر 2016 [email protected]