ميدان المواجهة الحقيقية بين الحكومة وحركات دارفور والجبهة الثورية ليس هو ميدان القتال أو المواجهات العسكرية بل قدرات الطرفين على سرعة الوصول والتأثير في مراكز اتخاذ القرار الدولي وكسب موقف العالم . وهذا الميدان أسلحته الحقيقية هي القدرات الدبلوماسية والمهارات السياسية التي تمكن من الوصول والتأثير هناك . ميزة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب أنه يفكر خارج سياق التفكير المؤسسي الأمريكي، وهذا التفكير المؤسسي الأمريكي ظل يحتفظ لوقت طويل بمواقف راسخة وثابتة تجاه السودان تنطلق من مخطط مرسوم للمنطقة يعمل على تغذية الأزمات التي تساعد في تنفيذ مشروع إضعاف وتقسيم دول المنطقة وهو مخطط معلن ومعروف . لذلك دائما كانت القوى والجماعات المسلحة والمتمردة تجد الدعم والمساندة لأنها تمثل أدوات فاعلة لتنفيذ هذه الخطة بشكل نموذجي يبعد صناع الأزمة وأصحاب بضاعة هذا المشروع عن مسرح الجريمة ويخفي دورهم المباشر، بل يجعلهم يظهرون بدور المصلح والمشفق والمستنكر لتداعيات وآثار تلك الأزمات والحروب. ترامب ليس أفضل من الذين رسموا هذه المخططات لكنه يكتسب ميزة واحدة هي عدم انسجامه مع التفكير المؤسسي الأمريكي وبضائعه من خطط وتوجهات محددة مسبقاً . وهذه الميزة تجعل الرئيس الأمريكي الجديد يحتفظ بقابلية للنظر وإعادة النظر في مجمل السياسات الأمريكية الموجودة وإمكانية مخالفة الميول والتوجهات الأمريكية بحسابات وتقديرات جديدة لمصالحه أو مصالح الولاياتالمتحدة بحسب تصوراته . الكثيرون قد يتحفظون على هذا الزعم بافتراض أن أمريكا هي دولة مؤسسات ولا يستطيع شخص ما حتى ولو كان الرئيس الأمريكي نفسه فرض رؤى وأفكار مخالفة لتوجهات الدولة ومؤسساتها . لكننا نستطيع القول الآن إن هذا الحديث كان دقيقاً في السابق لكنه لن يكون بنفس الدقة في مرحلة ترامب الذي خاض معركته الانتخابية بمواجهة صريحة مع ثوابت كثيرة وقيم ومبادئ تأسست عليها أمريكا وحاز على المنصب برغم عبث خطابه الذي ركل به كل تلك الثوابت.. من الواضح أن ترامب ليست لديه تصورات مكتملة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة بالقدر الذي عبر فيه عن تصوراته الكاملة والتفصيلية لقضايا الداخل الأمريكي وفي أول لقاء له بزعيمي مجلس النواب والشيوخ أكد لهما أن أولويات العهد الجديد هي إصلاح القوانين المتعلقة بالصحة والهجرة والتوظيف وأن اهتمامه سينصب على قضايا داخلية يعتقد هو أن وعوده فيها وحولها هي السبب في نيله ثقة الشعب الأمريكي . وهذا لا يعني أن ترامب سيكون محايداً تجاه قضايا الشرق الأوسط أو إيران أو الموقف من السودان، لكن قناعتي بأن الرجل وبرغم شعاراته الانتخابية وموقفه من المسلمين وحديثه حول الملف النووي وحديث مستشاره للشرق الأوسط حول دارفور والمحكمة الجنائية وغير ذلك فإن كل هذا لا يعني امتلاك ترامب لفكرة محددة تجاه المنطقة بل هناك فرصة أكبر أمام السودان لكسب موقف ترامب برغم هذه التصريحات المبكرة والتي من الواضح أنها صدرت على لسان مستشاره بعد تحركات من عناصر نشطة وواصلة من قيادات الحركات المسلحة تمتلك بعض مفاتيح الوصول الى دوائر القرار الأمريكي في العهد الترامبي الجديد فوصلت ربما قبل أن تتمكن الحكومة السودانية من الوصول فهي التي تحتاج الآن لتجديد خطة وأدوات عملها حتى تنجح في فك الشفرة الأمريكية المستعصية . شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين اليوم التالي