يتداول بعض مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي مقطع لإحدى السيدات الجنوبيات تتحدث فيه عن خبر تسلل بعض الجنوبيين إلى الشمال، وتقول في حديثها إن الجنوبيين لا يتسللون إلى الشمال، باعتبار أن الشمال وطنهم في الأصل، والإنسان لا يتسلل خلسة إلى وطنه، وساقت شواهد ودلائل ومعالم لا تخفى على ذي بصيرة، يدرك أن السودان هو ذلك الكل المكون من أجزاء صغيرة، كثيرة مقترنة ومتلازمة لا يمكن تجزئته أو فصل أعضائه بعضها عن بعض. طرب الكثيرون ل(شول منوت) ذلك الفتى الأبنوسي الذي تغنى بأغنيات وطنية كثيرة، وردد الكثيرون وراءه: كل أجزائه لنا وطن إذ نباهي به ونفتتن نتغنى بحسنه أبدا دونه لا يروقنا حسن... لذلك تداعي هؤلاء جميعاً وهبوا لنجدة منوت حين ألم به المرض، تدفعهم إنسانيتهم القائمة على الأخلاق والمتحررة من الجهل و العصبية، وذائقتهم الفنية الواعية و القائمة على عادات وتراث وعمران، ثابت وراسخ وعميق. لا السياسة تقوم على نظرة مغرورة متعالية عن الواقع، ومتجاوزة للتاريخ. وشول بعد أن حتمت الظروف والضرورات السياسية مغادرة الجنوبيين الشمال، لم يتوغل في عمق الجنوب بل اكتفى بمدينة سنار السلطنة الزرقاء وهي رمز آخر للسودان القديم بتنوعه وتعدده، واتخذها موطناً آخر يتغنى فيها بأغنيات عاطفية ووطنية، يعلو حتى منصات مسارح اللواء 65 دفاع جوي بسنار. ولا يخفى على كثيرين العلاقة التي تربط أهل الجنوب بالجيش الوطني، فقد وجد الكثير من أطفال الجنوب في مناطق النزاع منازل قيادات الجيش موئلا يؤوون إليه، وقدم كثيرون من هذه القيادات المأوى والمسكن والملبس والتعليم، حتى تخرج الكثير منهم في الجامعات وتقلدوا بفضل هذه القيادات مناصب رفيعة. وإن كانت السياسة مليئة بالثقوب والفتوق والأخطاء، فإن الفن وحده هو القادر على رتق هذه الفتوق وإصلاح الأخطاء، وما قام به أهل الفن والثقافة والمجتمع تجاه شول هو مقاومة طبيعية، لرياح السياسة التي تريد خنق النيل في نبعه...والنيل لا يرضى إلا بالمصب مقاماً، فهناك فقط يلقي عصا الترحال، ويستقر به النوى. وشول من الأجيال التي صودر حقها في التفاعل الإيجابي مع الحاضر، رغم أنهم لم يختاروا الماضي نبراساً هاديا لحاضرهم، لكنهم باستطاعتهم الاسهام في اختيار المستقبل من خلال فنهم وأحلامهم من أجل بناء هويات مكينة وراسخة لوطن يأبى إلا أن يكون كلاً ونظماً واحداً، رغم أنف السياسة التي أرادته أجزاءً متنافرة ومتناثرة ومتناحرة...وشول منوت فنان، والفن لا تحده حدود ولا تقف دونه حواجز. [email protected]