لم ينال حدث من الأحداث حظه من التداول في مواقع التواصل الاجتماعي بنفس القدر الذي نالته مظاهرات طلاب مدارس بحري والفيديو الذي يظهر إحدى الماجدات وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة جراء تعسف الأجهزة الأمنية معهن وتخاطب الشعب بلغة ثورية لرفض مآلات الأوضاع جراء سياسات الإنقاذ الفاشلة التي أغرقت البلاد في مستنقعات الفساد ؛ تناوله الإعلام من عدة زوايا ولكني أريد أن أتناوله من زاوية أخرى ، كما أن تسارع الأحداث أدى لرسم لمحات سطحية من قبل البعض ولم يدققوا في ثناياه بعمق ويتفحصوا علامات لغته التعبيرية ليكشفوا دلالاتها البعيدة . فبتاريخ 22 نوفمبر 2016 أصدرت إدارة النشاط الطلابي خطاباً معنوناً يوجه المدارس بتخصيص حيز من البرنامج الصباحي للدعاء من أجل رفع البلاء ؛ في محاولة فاشلة لتحميل الشعب تبعات أخطاء سدنتهم واستغلال المقدس الديني لتمرير أجندتهم الحزبية الخبيثة التي تهدف لتخدير الطليعة الطلابية حتي لا تقوم بدورها الرائد في مسيرة النضال والتحرر ؛ ولكن أفحمتهم بفهمها العميق واستجابت عقولهم المتفتحة كطليعة نيرة وتفتقت قريحتهم عن موقف مغاير ورؤية مختلفة للواقع ؛ هذه الرؤية تمثل جوهر مواقف الطليعة في سعيها الحثيث نحو التقدمية وتؤكد عملها الدؤوب من أجل ذلك . إن هذا الموقف في أبسط دلالاته يشكل بداية اهتزاز لصورة نمطية جامدة رسمتها بنية ثقافية تشكلت وترسخت تاريخياً عبر تراكم خطابات تتضمن أفكار وممارسات ترتبط أيديولوجيا بالأصولية الدينية المخصبة بنزوات العساكر لتنجب سفاحاً نظام القهر في العام 1989 ومن ثم تعلن تزاوجها مع الرأسمالية الطفيلية فيما بعد . كما أنه وفي أصدق تعابيره يمثل بداية النهاية لخطاب البلاهة والتخلف الغارق فى غيبوبة الخرافة ووهم الأسطرة المرسخ لإقصاء الآخر ؛ وبما أن الخطاب يمثل صورة العقل فإنها تعني بداية هزيمة عقلية الإسلام السياسي ومن يتبنونه وتشييعهم إلى مزبلة التاريخ . كما يشكل مؤشر نمو عقل علمي ناقد قادر على تكوين رأي جمعي يؤسس لبلورة الكتلة التاريخية التي سيستند عليها البرنامج الوطني الديمقراطي التقدمي في بعده الاستراتيجي وآفاقه المستقبلية . لذلك هذا الجيل الجديد قادر على تحمل عبء بناء دولة المواطنة التي تحقق العدالة الاجتماعية كمدخل للسلم الاجتماعي ، ولكن بشرط ألا تحدث أي قطيعة معرفية شائهة تعيق المسار المتصاعد لهذه الصيرورة وتعرقل حركة التاريخ. [email protected]