هناك حديث كثيف يدور في الساحة السودانية منذ فترة من الزمن، مصدره الإعلام الحكومي المباشر والغير مباشر، يحاول إيصال رسائل سلبية الي الشعب السوداني، تحمل في طياتها (تحذير غليظ) للمواطنيين والمعارضين الذين ثارت ثورتهم ضد الظلم والتهميش، وهي (فزوات سورنة السودان) إذا ما إنفضت البيوت من ساكنيها والمؤسسات من موظفيها وإنتفضت الشوارع هاتفة بالحرية والديمقراطية والسلام العادل. فما يقوله النظام هو لا بديل للمؤتمر الوطني بمنطق او دون منطق لأنه (غول) خالد ومخلد بمفهوم قادة النظام الإنقاذي، ومن يفكر في تغييره فانه عميل إسرائيلي وملحد وشيوعي وسيجر البلاد الي الفوضى ومصيره مواجهة الرصاص، وهذا الحديث المحبط يؤكد إصرار المؤتمر الوطني علي مواصلة سياسات الفتك بشعبنا والتهديد بممارسة (الحركة الإسلامية - داعش السودان) عبر الحروب بكل انواعها واشكالها. مجرد القول (بسورنة السودان) هو خروج رسمي عن مجرى المنطق والدخول الي اكواخ الخيال في حالة مرضية مزمنة تشل خلايا العقل. فالوضع الذي جعل سوريا تثور ثم تدور عليها الدوائر وتتخذها الثيران الدولية العظمى ملعب لتصفية حساباب وترتيب اوراق إقليمية بالطبع ليست كالاوضاع في السودان. التركيبة السياسية والإجتماعية والثقافية لشعبنا تختلف اختلاف كلي عن التركيبة السورية، كما تختلف اوضاع الحكومتين داخليا وخارجيا، وقلنا في مقال بعنوان (أنتم ثوار ولستم عملاء) أن الرئيس السوري تمكن من صنع علاقة إستراتيجية مع النظام الروسي الذي يقود حلف (وارسو) ذو العداوة التاريخية مع حلف (الناتو) بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية، والبشير لا يملك اوراق دولية رابحة تمكنه من إيجاد تحالف دولي يسند فرص دخوله في صراع طويل الأمد مع الشعب السوداني، وتحالفه مع دول عاصفة الحزم هو حلف مرحلي مدفوع العجر، وعلي مستواه الداخلي فقد خرج من حرب ضروس في اليمن كلفت مليارات الدولارات، وتحتاج الدول المكونة لعاصفة الحزم الي مراجعة تجربتهم قبل التفكير في خوض حروب آخرى. العوامل الداخلية والخارجية ومواقف الدول العظمى حول قضايا السودان تلك التي يقف بينها النظام حائرا، لا يستطيع النظام توفيق وضعه المتراجع ولا حلول له لمسايرتها حسب مقتضيات الواقع، هي في جانب آخر تصب في مصلحة المعارضة والشعب السوداني، إذا ما وظفتها القوى السياسية بشكل جيد وبدبلماسية واعية، فاننا سنشاهد تغيرات وتحولات سريعة في مواقف تلك الدول لصالح التغيير في السودان. البيئة السياسية في بلادنا رغم تداخل فصولها وتشابكها إلا انها باتت صالحة اكثر من أي وقت سابق لإحداث التغيير والمضي الي دولة الحرية والعدالة والديمقراطية. فالنظام يسير خطوات الي الوراء ويفقد جماهيره، وقوته التي يهدد بها المعارضة لم تعد قوة الأمس، بينما تتقدم المعارضة اميال الي الأمام وتكسب ثقت الجماهير نسبة لمواقفها المتوافقة مع سقف الطموح الشعبي، وتماسكها ظهر في خط خطابها الموحد الي حد كبير، خاصة في مسائل الحرب والسلام والتحول الديمقراطي ودولة المواطنة بلا تمييز، ورفض الحوارات الجانبية التي لا تستوفي شروط الحوار المتكافئ الذي يقود الي حلول شاملة لمجمل القضايا الإنسانية والسياسية والثقافية والإقتصادية. لقد تبلورت كل هذه المواقف في معارك العصيان المدني الذي اربك حسابات المؤتمر الوطني وجعله يهدد المعارضة بالتصفية وتضيق هوامش الحريات، وشن حملات إعتقالات واسعة ثم إنكار وجود معتقلين في السجون. هذا التخبط يشير الي ضعف النظام وقلت حيلته، وما علي شعبنا إلا مواصلة حراكه الثوري، فلا توجد دوافع ومبررات لخطاب التخويف بتحول السودان الي سوريا آخرى، والإعتقاد بحدوث مثل هذه الأساطير واحدة من اهداف الإعلام الإنقاذي الذي يريدنا أن ننكس عن ثورتنا المنتصرة، وتفويت هذه الفرصة يكون بتكثيف التنوير وسط المجتمع. السودان دولة وصلت الي مرحلة بعيدة جدا في الإنهيار السياسي والإقتصادي وانتشر الفساد المالي والإداري، وفي كل رقعة من هذا الوطن نجد (البؤس يمشي علي قدمين)، والحزن لن يفارقنا إلا إن خطونا خطوات جادة نحو السعادة، وسعادة هذا الشعب لا تتحقق إلا بتحقيق السلام وبناء ديمقراطية محصنة بالقانون وتحقيق العدالة الإجتماعية وتوفير المأكل والمشرب والملبس والمسكن للمواطنيين، وإسترداد الحقوق السياسية والمدنية للفرد والجماعة. هذه هي المهمة التي تقع علينا جميعا ولا بد من الدفاع عنها من قبل الجميع، والمسؤلية الوطنية (اخلاق) نتطوع لحملها دون أن يجبرنا احد علي فعل ذلك، فقط حبنا لهذا الوطن يدفعنا دفعا نحو تبني مواقف وطنية مختلفة. الآن امامنا هدف التغيير والتحرر من الحكم الدكتاتوري القائم، والبحث عن بديل يمثل الإرادة الجماهيرية ويحقق التطلعات المنشودة، والتفكير خارج هذه الأطر هو تضيع للوقت ولن يخدم الوطن وحلم المواطن. ايها الثوار المناضليين قوموا الي ثوتكم أنتم المنتصرين. سعد محمد عبدالله [email protected]