عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلافة سيدنا آدم و دولة الخلافة
نشر في الراكوبة يوم 31 - 12 - 2016

هذا المقال سيكون غريبا في تركيبه فالطبيعي أن تكون المقدمة دائما قصيرة و متن الموضوع طويل,هذا ستكون مقدمته أطول من متنه.
من أكبر المشكلات التي وقع فيها المسلمون هي مشكلة التوافق علي الفهم الصحيح للإسلام و رسالته و قد وقع الفهم الخاطيء في المفهوم الاصطلاحي لكلمتين وردتا لكلمتي الخلافة و الاسلام و كذلك في فهم صيرورة التأريخ بالاضافة لتأريخ الدعوة الاسلامية بدءا من عصر الرسول صلي الله عليه و سلم عطفا علي تاريخ الخلفاء الراشدين و من لف لفهم من عمر بن عبد العزيز و نور الدين محمود زنكي ثم العصور السيئة التي تلتهم.
القرآن الكريم إبتداء لم يؤل تأويلا جيدا إبتداء و لكن ما وصل إليه الفقهاء الاوائل قبل مئات السنين ؛مقارنة بأحوال ذلك الزمان كان مناسبا و افضل كثيرا مما وصل إليه الآخرون من حيث ضبط حركة الفرد و تسيير شؤون المجتمع المسلم و ما بداخله من الأقليات, إلا ان المقارنة اليوم تبين لنا تخلفا في أغلب المجتمعات المسلمة عن اللحاق بركب الحضارة و التقدم و توفير الحد اللأدني من الكرامة البشرية لأفراد تلك المجتمعات نتيجة للأمية الفكرية و الدينية و التناحر المذهبي و القبلي و الفساد.
بدا الخلط في فهم رسالة الاسلام بالتأويل الخاطئ في قصة سيدنا آدم لكلمة (خليفة) فكما بينت في مقالات سابقة (بعنوان أصل الإنسان و سر الوجود) أن لا تضاد بين بين مبدا الخلق في الاديان و النظرة العامة في نظرية التطور أن الإنسان لم يخلق فجأة و أن المادة الأولية لخلقه كانت (الطين) و قد وصل العلم لهذا في أحدث التعديلات التي طرات علي نظرية النشوء, القول بأن الله خلق تمثالا من الطين ثم نفخ فيه من روحة نظرة خاطئة تماما بنص القرآن إذا تمعنا في النصوص القرآنية الثابتة , من المعروف في علم اللغة العربية أن أحد إستخدامات حرف (من ) هو التبعيض فعندما يقول القرآن أن الانسان خلق من طين فلا يعني هذا أنه خلق من طين حصرا و هناك أمثلة لهذا في قصة ملكة سبا عندما قال القرآن أنها أوتيت من كل شئ ولا يعني هذا أوتيت كل شئ, كذلك في قصة الطوفان , عندما قال تعالي لسيدنا نوح أن يسلك في السفينة من كل زوجين , لا يعني هذا ان سفينة نوح قد حملت زوجا من كل دابة من دواب الارض فهذا مستحيل , إدخال المعجزات كثيرا مع إنكارنا لها في التفسير يضر كثيرا بمعاني القرآن العظيم.
هناك نص واحد يشبه في تركيبه تصور المفسرين الاوائل لخلق سيدنا آدم و ينفي ما تصوروه, قال تعالي
وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(49) آل عمران
و هناك نص آخر يشبهه فيه تكرار لنفس المعني, قال تعالي
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ(110) المائدة
إذن فلم يقل الله تعالي بأنه خلق من الطين (كهيئة الانسان) ثم نفخ فيه الروح و القرآن الكريم (متشابه) و قد إختلف المفسرون كعادتهم فقال أكثرهم أنها تعني لا يعلم مراده إلا الله تعالي و قال البعض منهم اي يشبه بعضه بعضا و لا يتناقض فيما بينه و لذا قال إبن كثير شيخ المفسرين أن افضل التفسير تفسير القرآن بالقرآن, اضيف إلي ذلك أن المشابهة ايضا تعني تشابه المعاني الغامضة فيه مع معلومات أخري يكشف عنها العلم البشري في كل حين مما يؤدي إلي إجلاء الغموض.
لا يعقل أن ينزل الله تعالي إلينا كتابا بلغتنا ثم يجعل بعضه غامضا لا يعلم مراده إلا هو !!!
لا نستطيع ان نقول بان نظرية التطور صحيحة كلها فقد أهملت الجانب الميتافزيقي و جانب الصانع الذكي الذي خلق فسوي و الذي قدر فهدي فهي نظرية مادية تماما ولدت في عصر الانفكاك من سيطرة الكنيسة التي إعتمدت علي الطغيان الفكري و السياسي فانفلت العلماء من إسارها و رموا الدين بين ظهرانيهم تماما و حصروا الدين في الكنيسة, في نظرية التطور ثغرات أخري حتي في إطارها المادي.
فيما يلي أمثلة للتخبط الذى وقع فيه المفسرون في تأويلهم لبعض النصوص القرآنية و هي كثيرة جدا نكتفي ببعضها, قال تعالي
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2)الإنسان
هذه الاية شرحها قد يطول جدا و سنحاول الإختصار , الآية تتحدث عن خلق الإنسان الذى تم في (الماضي) و عناصره التي إشتملت علي نطفة مكونة من أخلاط متعددة +الابتلاء و النتيجة جعله سميعا بصيرا .
الفمسرون قالوا أن الله خلق الانسان و زوده بالسمع و البصر ليبتليه في الدنيا و لكن الحقيقة غير ذلك , فقد وجدنا في القرآن أن هناك معنييين من نفس المصدر (بلي) فهناك الابتلاء و هو الاختبار ثم الاختيار و هناك الإبلاء و هو فتن الانسان لإستخراج الخير أو الشر من افعاله, الابتلاء بهذا المعني يحل معضلة فلسفية الا و هي ان الله أوضح في كتابه بأنه أحسن الخالقين و أنه أحسن كل شئ خلقه و أنه أتقن كل شئ و لكننا نجد في الطبيعة تشوهات و طفرات سيئة إذن فهذه المخرجات هي نتاج الاختبار و الاختيار, أما السميع فله معني آخر في القرآن و هو تلقي المعلومات أما البصيرة فهي غير البصر و هي تحليل المعلومات و الوصول لافضل النتائج ,حتي أن أهلنا الكرام يقولون للمعالج الشعبي الخاص بكسور العظام (البصير), إذا فمعني الاية ان خلق الانسان تعرض لعملية إختبار و إختيار طويلة الامد عبر النطف و الارحام إلي أن وصل إلي ماهو فيه من قدرات و كلمة بصيرا ايضا تعني القدرات الفائقة للحس و التي عرفت عند بعض اصحاب القدرات الغريبة.
أما أقوي القرائن (اللغوية) فهي خطل التفسير القديم بأن الفاء في( فجعلناه) هي فاء السببية, فقد راجعنا علم النحو و إتضح بأن فاء السببية لا تدخل علي (الماضى) بل تدخل علي (المضارع) فقط , إذن فهي فاء عطف.
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ(9) السجدة
هذه الايات فيها مراحل خلق الانسان بترتيب متتابع بدءا من الطين عبر الارحام إلي أن إكتمل خلقه و صار ذو قلب معنوي(افئدة) و صار ذو سمع و بصر يفصل بينها حرف (ثم) الذي يفيد التراخي و الترتيب الزمني مرحلة بعد مرحلة , فلنر كيف تخبط الرازي في تفسير هذه الايات تقديما و تأخيرا .
التفسير الأول ظاهر لأن آدم كان من طين ونسله من سلالة من ماء مهين هو النطفة، وعلى التفسير الثاني هو أن أصله من الطين، ثم يوجد من ذلك الأصل سلالة هي من ماء مهين، فإن قال قائل التفسير الثاني غير صحيح لأن قوله: {بدأ خلق الإنسان... ثم جعل نسله} دليل على أن جعل النسل بعد خلق الإنسان من طين فنقول لا بل التفسير الثاني أقرب إلى الترتيب اللفظي فإنه تعالى بدأ بذكر الأمر من الابتداء في خلق الإنسان فقال بدأه من طين ثم جعله سلالة ثم سواه ونفخ فيه من روحه وعلى ما ذكرتم يبعد أن يقال: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ} عائد إلى آدم أيضاً لأن كلمة ثم للتراخي فتكون التسوية بعد جعل النسل من سلالة، وذلك بعد خلق آدم.
أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ(23) الملك
هذه الآيات تشير بوضوح إلي إنشاء الانسان من مخلوق بدائي يمشي مكبا علي وجهه و من المعلوم في اللغة العربية أن الإنشاء دائما عملية طويلة و معقدة, فصل المفسرين الآية الاولي عن الثانية فضل المعني.
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ التين(5)
التين و الزيتون ذات معني مثاني الاول المتبادر إلي الذهن هو القسم بالتين و الزيتون لكن مفسرين آخرين قالوا بأن السورة في سياقها العام تشير إلي أمكنة فالتين و الزيتون هي القدس و ما جاورها (الشام) ,طور سينين هو جبل الطور حيث تلقي موسي عليه السلام التوراة, البلد الامين هو مكة,هذا التفسير هو الاصوب.
خلق الانسان في أحسن تقويم ثم رده أسفل سافلين ,يشير الي حادثة شهيرة و هي مسخ اليهود قردة وخنازير لما عتوا عن أمر ربهم في السبت, ليس في القرآن كلمة مزيدة أو في غير موضعها, قال المفسرون أن أسفل سافين هي أرذل العمر و هذا ليس بصحيح أولا لان (رددناه) أتت بصيغة الماضي لحدث قديم اما ارذل العمر فعملية متكررة إلي قيام الساعة فأتت بصيغة المضارع المبني للمجهول (يرد) ,اسفل هو القرد و سافلين هو الخنزير, المعني العام أن الله تعالي أقسم بهذه المواقع لعظمها و للإشارة لحدث عظيم هو ان الله الذي رقي الانسان و جعله في أحسن تقويم هو نفسه الذي عكس إتجاه التقويم إلي الاسفل ثم الاسفل و قد حدثت تلك الحادثة في الشام في زمن داود عليه السلام. واختلف أهل التفسير في تعيين هذه القرية: أي قرية هي؟ فقيل أيلة، وقيل طبرية، وقيل مدين بين أيلة والطور، وقيل إيليا، وقيل قرية من قرى ساحل الشام بين مدين وعينون.
نستطيع مما سبق ان نخلص إلي أن سيدنا آدم عليه السلام لم يكن أول البشر و قد خرج من رحم مثله مثل المسيح عليه السلام ثم إصطفاه الله و جعله أول مكلف (إن الله اصفي ) (إن مثل عيسي عند الله ).
المتمعن لتعليق الملائكة علي خلق آدم يدل علي أنه وجد من وسط بشر آخرين يفسدون في الارض و يسفكون الدماء حيث أن كلمة خليفة في كل آيي القرآن تعني بشرا يخلفون بشرا أما (الخلافة ) و هي موضوع هذا المقال فآمر آخر , هي ليست بخلافة الله في الارض فلا أحد يستطيع ان يخلف الله حتي في نفسه ناهيك عن أن يخلفه في الارض, أما القول بان آدم قصد بإصطفائه ان تكون ذريته خليفة لنوع آخر من البشر فقول مردود ايضا فمازال بالارض شعوب و قبائل مختلفة ليس بينها تجانس ظاهري اللهم إلا في انها تمثل (النوع البشري) و مازال البشر يفسدون في الارض و يسفكون الدماء.
قرينة أخري من القرآن أن كلمة طين دائما تقترن بخلق البشر بصفة عامة أما عندما يكون الحديث في القرآن عن خلق آدم أو ذريته أو باقي البشر فإن خلقهم يقترن بالتراب و هناك فرق بين المعنيين إذا سلمنا بعملية النشوء الطويلة أ (الإنشاء) كما أوضحها القرآن .
الطين هو أصل الحياة عندما نشأت إبتداء منذ بلايين السنين, أما التراب فقد نمت عليه النباتات التي أكلنا منها أو من الحيوان الذي إقتات عليها و هكذا إنقطعت الصلة بيننا و بين الطين الاول, لا توجد في القرآن كلمة توضع عبثا.
إذن فما المقصود بخليفة ؟
نهاية رحلة( تطوير) الانسان كانت بداية رحلة (تطوير) المجتمعات البشرية ماديا و روحيا بادوات أخري.
المتتبع لمسيرة الدين بدءا من سيدنا آدم إلي صفوة الخلق أجمعين محمد صلي الله عليه و سلم يجد أن أدوات دين التوحيد كانت بصفة عامة هي الاتي:- اللغة (و علم آدم الاسماء كلها) ,الذرية حيث يلاحظ ترداد كلمة ذرية آدم و ذرية بعضها من بعض ووصايا الانبياء لذرياتهم, إستمرار نهج الابتلاء و هو الاختبار ثم الاختيار بإهلاك من ينحرف من ذرية آدم ,إستمرار بعث الانبياء, المعجزات الالهية.
قبل الدخول في معني خليفة القرآني فهناك معني آخر لخليفة درج علي ألسنة المسلمين بعد إنتقال الرسول إلي الرفيق الاعلي,كان الهدف من بعثة الرسول الكريم صفوة الخلق واضحا جليا, تطهير دين الله و هو واحد ممما علق به من شوائب, مد الناس علي إختلاف مشاربهم بكتاب جامع لا يمكن تحريفه و لا تنقضي عجائبه مرن صالح لكل مكان و زمان, جعل الرسول الكريم أوضح مثال لانسان الكمال و الدفاع عن الدعوة و ليس إكراه الناس علي الدين, بعث الرسول في وقت بدأ الناس فيه يخرجون من ظلمات الجهل إلي نور المعرفة فتوقفت المعجزات التي كانت رسائل للعقل البدائي,كان الهدف هو البلاغ و إزاحة أي عراقيل في طريقه.
بعد إنتقال الرسول الكريم إلي الرفيق الاعلى ظهر مصطلح خليفة عند المسلمين بعد إقامة أول دولة في تاريخ الإسلام, كان الهدف منها الحفاظ علي أنموذجه الإسلام المثالي بحسابات ذلك الزمان من حيث التطبيق, و كان الخلفاء اقرب للمثال في إتباعهم لمنهج النبوة ثم بدأ التدهور من بعدهم يدب في أوصال المثال, من يشتاقون لذلك النموذج لا يفهمون دعوة المصطفي و لا صيرورة الزمان و لا صيرورة الاسلام في سيره مع تحسين السلوك البشري بدءا من ذرية آدم.
فقوم نوح كانوا من ذرية آدم فضل أغلبهم فشاءت الارادة الالهية أن تطهرهم من المفسدين بكارثة الطوفان الرهيبة ليكونوا سلفا و مثلا و قد قال القرآن فيهم (و إن كنا لمبتلين) اي تم إختبارهم و إختيار أفضلهم لحمل مشعل الدين , و اقوام أخري من ذرية نوح تم تطبيق نفس القانون عليهم و تنجو اقلية لتحمل المشعل و تحكي للأجيال اللاحقة بما حدث و لباقي شعوب الارض,سيدنا إبراهيم عليه السلام اب الانبياء لم يشذ عن القاعدة عندما طلب من الله أن يجعل ذريته أئمة من بعده رد عليه سبحانه (لا ينال عهدي الظالمين),بنوإسرائيل فضلهم الله علي العالمين ثم سحب منهم العهد و أعطي لذرية إسماعيل التي خوطبت ب (و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم), سيدنا محمد نفسه ولد له عدد من الابناء ثم توفاهم الله جميعا كي لا يكون في الاسلام ملك عضوض علي وراثة النبوة.
مما سبق يتضح أن رسالة الاسلام هي دعوة متجددة تمشي مع صيرورة الزمان و لم يكن للذرية فيها إلا دور الوعاء الناقل و دور تجسيد الخير و الشر ثم إنتصار الخير و تناقل تلك الاخبارتعليما ووعظا, بالنسبة للمجتمعات البشرية في تفاعلها مع الدين فهي تختلف صعودا و هبوطا وكما أوضح القرآن الكريم أن الدعوة إلي الله تكون بالحكمة و الموعظة الحسنة ,الشر في العالم في الوقت الراهن و الكفر بدين الله شئ طبيعي و كذلك إختلاف الناس في مذاهبهم و مللهم, خلافة الله في الارض لا تكون بالتطبيق الشكلي أو الإستغلالي او الجبري للدين , ستكون بعباد الله الصالحين و هم لم يأتوا بعد , المجتمعات البشرية كلها في صراعها بين الايمان و الكفر, الروحانية و المادية,الغلو و الاعتدال, الظلم و العدل, المعرفة و الجهل هي سائرة نحو تتميم مبدأ الخلافة عندما يصل الانسان لمعرفة كيفية تنظيم شؤونه علي الارض مع تمسكه بقيم السماء و روحانيتها و حينها ستكون رسالة سيدنا آدم قد إكتملت ,حينها ينطبق معني الاية( و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون) و قول الانجيل (اقترب ملكوت السموات), أما الآن فعلينا كمسلمين ان نتعلم إدارة التنوع و تقبل الآخر و أن نكون خير مثال للآخرين ليحذوا حذونا و كما علينا أن نتعلم من الآخرين حسن تدبير شؤون حياتنا الارضية.
الخلاصة هي أن كلمة (خليفة) تعني بشرا يخلفون بشرا آخرين من نفس النوع حسب مفهوم المشابهة في الايات القرآنية الدالة علي ذلك, سيدنا آدم هو من نفس نوع الانسان الذي وجد في الارض عند إصطفائه و لذا علق الملائكة بأن اسلافه يفسدون في الارض و يسفكون الدماء,عملية الخلافة لم تنته بعد و هي مستمرة إلي أن يصل المجتمع الانساني لمرحلة (العباد الصالحين) و كيف نصلها الآن قد عم الجهل الروحي و المادي و القتال كل ارجاء العالم و حتي المسلمون اليوم بصفة عامة أكثرهم بعيدين كل البعد عن فهم الدين و تطبيقه تطبيقا صحيحا, من يظنون أن عودة المسيح الثانية ليساعد في تتميم رسالة الخلافة لا اصل لها في القرآن فليقارنوا آية ( و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون) مع آية (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ).
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.