في هذا المبحث كان من الضروري البدء من أساس الخلق و هو الطين كما أشير إليه في المقال السابق ثم السير قدما و هو المنهج المعتاد ,و لكنني وجدت أن من المستحسن مناقشة قصة سيدنا آدم أولا لأن لها القول الفصل في تحديد السير في جدلية خلق أدم في جنة سماوية من عدمها و من نصوص القرآن الكريم الكتاب السماوي الوحيد الثابت مع التعزيز بأي بينات أخري من السنة المدونة و التوراة. التوراة تعرضت لكثير من التبديل لاسباب كثيرة ليس هذا مكانها لكن الملاحظ أن الاسفار الاولي ربما لم تتعرض لكثير من التغيير بسبب أنها تتحدث عن أحداث ذات وقع قوي علي الذاكرة و بعيدة عن الغرض البشري لهذا يمكن الاستعانة بها بغرض المقارنة أو التعضيد . من الملاحظ أن أهل الكتاب أثروا كثيرا في العقيدة الاسلامية من حيث أنهم أهل آخر رسالة سماوية ولوجودهم الجغرافي حول المنطقة العربية ,و منهم من ساكن العرب كما رأينا في طوائف اليهود التي ذخر بذكرها القرآن الكريم و التأريخ الاسلامي و قد تسلل كثير من فكرهم التشريعي و التأويلي إلي كتابات المفسرين و مدوني الفكر الإسلامي في ما يسمي بالإسرائيليات. قال تعالي : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة 30-39 (ِإنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ . وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ)طه/118-119 ) طه /120 (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)الاعراف/20 (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) طه/121 (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) الاعراف/27 (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) الاعراف /26 (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ) ص/77 لنبدأ بتأويل كلمة خليفة بالقرآن : (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يونس)/14 (خلائف في الأرض) (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ الاعراف)/69 (خلفاء قوم نوح الذين كانوا في الأرض) (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ الاعراف )/74 (خلفاء و بوأكم في الأرض) المعني واضح بشر يخلفون بشر آخرين(في الارض) و يحلون مكانهم مع اندثار السابقين و لا تعني الكلمة باي حال من الأحوال أن الإنسان خليفة الله في الارض وهذا كبر و غرور من الإنسان لا معني له,آدم ليس أول البشر و لكنه أول إنسان. الملائكة بنص الاية لا تعلم الغيب و إنما ردت بحكم ما رأته من أسلاف ذلك المخلوق القادم ,أنهم يسفكون الدماء و يفسدون في الارض, إبرازا لفضل هذا المخلوق (آدم) أب الجنس البشري إمتحن الله الملائكة بأن يطلقوا أسماء علي بعض الموجودات التي تحيط بآدم فعجزوا و إستطاع آدم . ورد في التوراة سفر التكوين( 2: 19-20) الآتي: "وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها... فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية". "بعد أن أسكن الله آدم في الجنة، أراد أن يثبت للملائكة تفوقه عليهم، فجمع حيوانات الأرض وعرضها عليهم زوجاً زوجاً لينبئوه بأسمائها، ولكنهم عجزوا. فعرضها على آدم بعد أن علمه أسماءها وحياً، فسماها آدم بأسمائها". (الهاجاده). نلاحظ من سياق القصة القرآنية و المعصية التي وقع فيها آدم الآتي: أن لا آدم و لا الملائكة, لا أحد منهم يعلم الغيب فآدم أخبر بما يعلمه فقط من الأسماء و قد خاطبه الله و الشيطان بأشياء يعلمها آدم و يخشاها و يتمني تجنبها أو يتمني الحصول عليهافي عالمه الأرضي, لو كان آدم في عالم سماوي لماعرف عن هذه الاشياء. وفر الله لآدم كل شئ: الزوجة و لم تكن محرمة عليه, الطعام و الشراب و المأوي الآمن و الظل, الملاحظ أن كل هذه الأشياء كانت و مازالت هم الانسان الاول لكن وجودها كلها مجتمعة في القصة تدل علي الضنك الذي كان يعيشه الإنسان الأول. الشيطان خاطب آدم أولا عالما بما يجيش به صدره و ممنيه بشجرة الخلد و ملك لا يبلي, الخوف من الموت هو وسواس كل إنسان و لكن ما قصة الملك الذي لا يبلي؟ الاغلب أن آدم كان رئيس قبيلة من البشر و كان دائما خائفا علي زوال ملكه والشيطان دائما يعرف نقاط ضعف البشر القلبية لذا خاطبه الشيطان حصرا في البداية. ثم إن آدم لما سكن في الجنة و إستكان و رأي الملائكة إرتقت مطامعه,عرضنا في مقال سابق أن الملائكة كائنات لاتري بالعين المجردة لكن الله يجعلهم علي صورة جميلة تدركها أعيننا. وسوس الشيطان لآدم و زوجه التي لم تكن محرمة عليه بان الله نهاهما عن الشجرة المحرمة لئلا يتحولا إلي ملكين او يكونا من الخالدين, الشجرة خلافا لكثير من الاقوال لم تكن شجرة المعرفة اللهم إلا مجازا فقد كانت شجرة فتنة فقط,كانت شجرة ذات ثمار عادية و لكن لما أكلا منها و لم يحدث تغيير في هيئتهما عرفا أنهما إرتكبا خطأ كبيرا و ظلا يغطيان أنفسهما بورق الشجر خجلا و خوفا من الله. التوراة تكوين (8:3) : وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. وجب أن نبحث في القرآن عن معني كلمة بدا أو بدت لهما سوءاتهما (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ) يوسف/35 (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) الزمر /47 بدا في القرآن تعني إنكشاف الحقيقة فكرا و ليس نظرا بالعين. فلنبحث عن معني سوءة (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) المائدة /31 إذن السوءة هي ما يشين الانسان ظهوره و هي معني واسع قد يشمل العورة و لكن بحسب السياق,ورد في السياق (سوءاتهما) و ليس (سوأتيهما) إذن الآية لا تتحدث عن عورتيهما,السوءات علي سبيل المثال هن : عدم تقوي الله,معصية الله بالاكل من الشجرة, عدم السماع لنصيحة الله بالحذر من الشيطان ,معصية الله بالسماع لوسوسة الشيطان, الطمع, جحود نعم الله,تصديق وسوسة الشيطان. فلنبحث عن معني اللباس: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) الاعراف/ 26 (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) النبأ/10 (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ )الانعام/9 (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ۚ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) ق/15 إذن اللباس هو الغطاء ماديا كان أم معنويا و لباس الليل سمي كذلك لسببين الاول بسبب غطاء الظلام و الثاني بسبب غطاء النوم الذي يفصل العقل الواعي. و الآيات أعلاه تدل علي هذا المعني أن اللباس المقصود في هذا السياق هو لباس التقوي و هو أهم من اللباس الذي يغطي الجسد,لم يرد في القرآن أن الله منع آدم من نكاح زوجته أو أن الشيطان أغواه ليقع علي زوجته ,الشيطان نزع من آدم و زوجه لباس التقوي و هي الخشية من الله وقال تعالي بأن آدم عصي ربه فغوي أي ضل و خاب. الله تعالي أخبر آدم و زوجه من بعد الهبوط (فإما يأتينكم مني هدي) هدي و لم يقل (يأتينكما) و هذه قرينة بأن المعني يشمل آدم و ذريته و قد ورد ذكر ذلك في الاية 26 من سورة الاعراف التي شدد فيها الله تعالي علي لباس التقوي و أنهي الآية ب (وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) و تلك قرينة بأن نزول آيات الله قد تتابع بعد خروج آدم و زوجه من الجنة و زيادة نسله والملاحظ أن فرض اللباس الجسماني بدأ بعد تكاثر النسل و صاروا أزواجا و زوجات يسوء بعضهم رؤية عورات بعض و لم تك هناك من آية تفرض اللباس علي آدم و حواء إبتداء. التوراة تكوين( 2: 25): وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ. بقيت كلمة واحدة هي من ضمن ما سبب اللبس في فهم قصة آدم القرآنية هي كلمه أهبطوا, الهبوط في القرآن لا يعني فقط الهبوط من السماء إلي الأرض, كما في سورة البقرة فهو يعني التحرك من مكان إلي آخر ما في الاية 61من سورة البقرة (أهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم),أهبطوا منها هنا تعني أخرجوا منها ,و جميعا ضمير راجع لآدم و ذريته . بقي معرفة معني فاخرج منها فإنك رجيم للشيطان و هو كائن خلق من لهب النار (و الجان خلقناه من من قبل من نار السموم) كلمة (من قبل) تشير إلي حقيقة علمية, أن كوكب الأرض كان في البداية كرة غازية ثم سائلة ملتهبة. الخروج للشيطان لم يكن خروجا من الجنة فهو كائن لا يحتاج إلي ما يحتاج اليه آدم من حاجات بشرية و إنما خروجا من مكانته وسط الملأ الاعلي و الملائكة,إستخدم الله لآدم و ذريته كلمة الهبوط و للشيطان الخروج و الرجم,كلمة رجم في القرآن لها معني آخر لا يقتصر علي الرجم بالحجارة ومنها النبذ و الطرد. قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ) هود/91) فنجد القوم قد خافوا رهط شعيب أي عشيرته وقبيلته، فمنعهم ذلك بان يخرجوه من قريتهم ولكن في الآية ( 88 من سورة الأعراف ) هددوه بالخيار إما بالرجوع في ملتهم أو طرده ولم يكن رهطه وخوفهم في سياق الآية (91 من سورة هود ) إن يمنعهم من طرده كما جاء في سياق هذه الآية والتي هي البرهان الثاني على إن الرجم يعني الطرد أو بالأصح إخراجه من قريته (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ) ألأعراف /88 (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا )مريم/46 بقيت عقدة واحدة ,من اين أتت حواء و ماقصة الآيات التي ورد فيها ذكر أن الله خلقنا من نفس واحدة و خلق منها زوجها و ما قصة الضلع الذي خلقت منه؟ فلندلف إلي الآيات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)النساء/1 (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ) الزمر/6 ملاحظة(الآيتان 189-190 من سورة الأعراف تفندان أن النفس الواحدة و زوجها ليسا آدم و زوجه و كلمة ثم في الآية 6 من سورة الزمر تفيد التراخي أي حدوث الحدث بعد مدة) جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء. زاد ابن إسحاق (بتخريجه) (اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم)!!! راجعت سيرة ابن اسحاق في سير أعلام النبلاء للذهبي فلم أجده ثقة و لم يعتد به لا أحمد بن حنبل و لا الإمام مالك و اتهم بالتدليس. للامام ورد في التوراة تكوين( 22-23 ) فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلَأَ مَكَانَهَا لَحْما.ًبَنَى الرَّبُّ الإِلَهُ لضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَم فَقَالَ آدَمُ: «هَذِهِ الْآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ. الملاحظ أن القرآن الكريم لم يتعرض لقصة الضلع و يبدو أنها مجازية حيث أن حديث الرسول الاعظم إن صح فقد كانت عبارته أكثر حذرا إذ قال (من ضلع أعوج) ولم يقل ضلع آدم الشئ الذي يفتح الباب لفهم مجازي تأويلي ,أن منطق المرأة الذي نراه أعوجا هو جزء اصيل من تركيبتها و إن لم نفهمه فسيؤدي هذا الي الشقاق و الفراق و الله أعلم. إذن كيف نفهم ألآيتين القرآنيتين أعلاه من سورتي النساء و الزمر؟ فلنلجأ للقرآن, قال تعالي (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ )ق /7 (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ )الشعراء /7 إذن (زوجها) تعني نوع أو صنف ,الآية الاولي تدل علي أصناف النباتات و فيها أسرار كثيرة منها مد الارض (القارة الام بانجيا التي تفرعت منها باقي القارات), ألقينا فيها رواسي(الجبال النيزكية المحتوية علي المعادن) و أن النباتات كانت أول الخلق السائد . الآية الثانية تدل علي مطلق الانواع نباتا أم حيوانا و كلمة كريم تدل علي خصوبة الانواع و قابليتها للتكاثر. أي أن التزاوج في ذرية آدم في البداية كان داخليا أذ أخرج الله نوع البشر الحالي من أبناء و بنات آدم فقط لضروروة النقاء العرقي. )Inbred Reproduction) الآيات التالية تعزز هذا المعني: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)189-190/الاعراف واضح من الآية أنها ليست في آدم و إنما في ذريته(نوعه) فآدم لم يكن مشركا مطلقا. فتأمل و ما يعضد هذا المعني حديث الرسول صلي الله عليه و سلم(موقوفا) ذكر الطبري في تاريخه عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله ص قال : كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر حتى ولد له ابنان يقال لهما قابيل وهابيل وكان قابيل صاحب زرع وكان هابيل صاحب ضرع , وكان قابيل أكبرهما وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل وإن هابيل طلب أن ينكح اخت قابيل فأبى عليه وقال : هي أختي ولدت معي وهي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوجها , فأمره أبوه أن يزوجها هابيل. و في التوراة تكوين 1:6-4 يقول، "وحدث لما أبتدأ الناس يكثرون علي الأرض، وولد لهم بنات، أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات. فاتخذوا لأنفسه نساء من كل ما اختاروا. فقال الرب "لا يدين روحي في الأنسان الي الأبد لزيغانه، هو بشر. وتكون أيامه مئة وعشرين سنة" الاغلب أن ذرية آدم كان ممنوعا عليها الزواج من خارج قبيلة ادم و لكن في النهاية بعد زيادة عددهم تكاثربعضهم مع مع الجنس الأقل رقيا و الذي يفترض أن يخلفوه , اظهرت اخر دراسة علمية قام بها عالم الجينات سفانته بابو ان شعب النياندرتال، والذي كان العلماء يعتبرونه جنسا متخلفا عن الانسان البشري وانقرض منذ اكثر من 30 الف سنة، اظهرت ان هذا العرق لم ينقرض اذ انه تزاوج مع الانسان البشري والمعروف باسم هومو سيبيانز. وحسب سفانته بابو، الذي يعمل في مركز ماكس بلانك لدراسات النشوء البيولوجية في مدينة لابزيغ الالمانية، فان قسم من سكان القارتين الاوروبية والاسيوية يحملون الجينات الخاصة بشعب النياندرتال، حيث ان بين 2 و4 بالمئة من الجينوم البشري، اي خارطة المعلومات الجينية في جسم الانسان، تأتي من جينات النياندرتال. هذا يعني ان هذا العرق لم ينقرض تماما، بل ان ثمة اناس يعيشون الان ويحملون الجينات الخاصة بشعب النياندرتال, و هذا يقودنا للحذر مع المعارف البشرية المحدودة و النسبية و لا نستعجل في الحكم الا بعد إستقصاء و تروي. أما آخر الكلام فقوله تعالي: آل عمران/59(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ورد ذكر آدم في القرآن 25 و كذلك عيسي ذكر 25 مرة و يالها من إشارة!!!!!!! أورد المفسرون أوجه شبه لاصلة لها بالمعني البسيط وهو: كلاهما ولد من غير أب و لكنهما ولدا من إمرأتين بشريتين من تراب و معني (عند الله) تعني عند الخالق لأن الآية تتحدث عن خلقهما فقط لا عن أي شئ آخر. (إنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) آل عمران/33 آية واضحة لا تقبل اللبس ,الاصطفاء كان من وسط بشر آخرين ,كلمة العالمين تفهم من السياق ف( العالمين) في قصة سيدنا لوط عليه السلام تعني فقط ضيوفه من خارج قريته,أما في فاتحة سورة الفاتحة (الحمدلله رب العالمين) فمعناها أكثر شمولا حسب كلام المفسرين بل و حتي يشمل كائنات عاقلة غير البشر. في المقال القادم سنواصل مع قصة قطعة الطين و عن الفرق بينها و بين التراب , كتبت مقالي هذا بعد إجتهاد من آخرين و من شخصي الضعيف و اقول في كل تأويل كتبته أو إستنبطته من داخل أو خارج القرآن ( الله أعلم) وأترك الحكم لأولي الالباب لكن الخلاصة الواضحة :آدم لم يخلق و لم يهبط من جنة سماوية وهو ليس بأول البشر لكنه أول إنسان و هو ليس بخليفة الله في الأرض و حواء لم تخلق من ضلع آدم و الخالق أولا و آخرا هو الله سبحانه و تعالي واجب الوجوب المستغني بذاته و القادر علي كل شئ,المسيح عليه السلام كان قادرا بإذن الله علي أن يصنع من الطين طيرا و ينفخ فيه الروح فكيف بالله نفسه لكن الله لم يفعل ذلك في قصة خلق سيدنا آدم لعدم وجود ضروروة اصلا,كانت العبرة من فتنة الشجرة أن يتعلم آدم شيئا جديدا غير اللغة و هو التقوي لباس نفس المؤمن و أن يتعلم عاقبة إتباع الشيطان . [email protected]