عندما تزداد سنوات العمر يكون الانسان قد اكتنز مجموعة من الخبرات تجعله في مصاف النضوج والوعي المعرفي والاجتماعي ، محطات الحياة كثيرة ، المشاوير مرهقة ، الغربة اضحت كائنا يشاطرنا الحياة ، ادركت ان الانسان قد تعلم ما فيه الكفاية من الاسفار ووجع الترحال ، لكن ثمة اشياء تجبرنا على مراجعة تجربتنا بعين العقل وليس العاطفة . 2012 م تلفظ انفأسها كنت في يوم عطلة بحى ( البادية ) بالدمام في انتظار صديق المشاوير طه حمزة وهو قادم من مدنية الاحساء شرق المملكة ، انتظرته في محطة الوقود ، كنت اتوقع ان يكون بمفرده ، ترجل من السيارة و معه شخص سوداني كامل الاوصاف ، طويل القامة ، صاحب ابتسامة جميلة لا تفارق محياه ، يكسوه السمر من كل الجوانب ، بشوش الملامح التي تحمل صفات الريفي البهيج ، دار بينا السلام ، عرفته بنفسي ، سألني عن محجوب الجاك ، بشير الريشه ، الشفيع محمد عثمان ومحمد صديق ، عوض عشميك اجبته بان هؤلاء اكثر من زملاء بل هم اخوان جمعتنا جامعة الخرطوم ، كان مستعجلا بان لديه بعض الاصدقاء يجب ان يستقبلهم في شقته و انصرف . انسانيته النبيلة منذ الوهلة الاولي جعلتني اشعر بان هذا الشخص ضد فكرة ان "الانطباعات الاولية مضللة " بعد فترة من الزمن وانا اهيم للخروج من " الجريدة " اتصل بي محمد صديق دعنا لمشاهدة مباراة في " " الشامبيون ليج" كنت افرح عندما اذهب لمحمد في شقته في " ميناء الدمام " اقضي معه كل العطلة . من حسن حظي قابلت طيب الذكر وسط مجموعة من الشباب ، دار بينا حديثا كثيرا ، كان الراحل لا يتشدد في نقاشه بسيط المفردات ، يتمتع بجانب اجتماعي نقي ، يحب الخير للناس ، يناصر الفقراء ، متعدد المواهب ، يملك ارشيف من الحكاوي والقصص والصور والرسم ما بين كوستي وجامعة الخرطوم واثيوبيا وجنوب السودان ، وملعب "الجوهرة المشعة " بجدة . ثم تعمق وتعملقت صداقتنا به ، كان يطمئن علي الكل بهاتفه يسأل عن الاوضاع في العمل ، يحمل هموم الاخرين ، مبادر لفعل الخير في النشاطات الاجتماعية بالمنطقة الشرقية . في مرة من المرات اتصل بي وقال ان سوف يأتني في المنزل ثم نذهب للشباب في حي "الراكة " لعبد الحميد وود الحاج وعز الدين لان زوجته طبخت له " مفروكة البامية " وانه حريص على ان يشاركه الشباب الوجبة ، قال لا يستمتع بالاكل الا بوجود الاصدقاء وهذا الكرم لازمه طول حياته . ترجل الجميل بعيدا عنا بكل بهدوء ، اذكر قبل رحيله المر بأسبوع هاتفته ودار بينا حديث لطيف ، كنت لا اعلم ان هذا الاثير هو الاخير بيننا لاخ ترك لدينا سفر ضخم محتشد الاركان من صفات الحق والخير والجمال ، ودعته على امل ان نلتقي به قبل مغادرة الدمام ، ليتني قابلته لكي اودعه وداع الاوفياء ، رحل عنا وترك غصة وقصة لشحضية اضافت لي الكثير في وقت وجيز . * سالمين صديقي .. أرقد بسلام !! محمد الجيلي _ صحفي بجريدة اليوم السعودية [email protected]