ليست الحكومة وحدها من يتوهم في الشعب ريالةً تسيل على الصدور وسذاجة في العقول, بل كذلك سيد الصادق المهدي الإمام يرى ما لا تراه الحكومة في هذا الشعب الصابر على همين..سيد الصادق الذي يقول خطابه ان قواعده يمثله الشعب عن بكرة أبيه لا الأنصار فحسب الأمة جمعاء لا حزب الأمة, كما الوطني الذي قطع من قبل بأن عضويته تشمل كل من نطق ب(لا إله إلا الله) ولعل قرار رفع العقوبات الاخير يجُبُّ فرضية الوطني تلك في أجواء التقارب مع امريكا التي يتنسمون تباشيرها ويتنشقون أريج بركاتها , و يمكن قراءة خطاب المهدي حسب سياقه اللفظي بمعناه القريب انه عاد لدعم أو إرساء الإسلام المعتدل ومحاربة التطرف , ما يعني فصل الدين عن الدولة وفي هذا إستلاف لبعض الإشتراطات الامريكية مقابل رفع العقوبات وهي معطيات يقول بها الخطاب الرسمي وقد نزع العباءة وخرج الى المنابر الإعلامية حليق اللحية بعد أن يمم وجهه شطر البيت الأبيض الحلال. المهدي في متاهته يحتاج تحديث حالة خطابه ..إذ ما عاد الدين من أدوات الإستقطاب الجماهيري لأمةٍ خاضت في سراب العاطفة تلك سنينا عددا ما بين حزبه وحزب الله سابقاً وقد تحول اليوم إلى حزب الدولار..كذلك يمكن قراءة خطاب المهدي في سياقه البعيد وهو يغازل المطلوبات الامريكية وإشتراطاتها للخرطوم, وان تباينت المصطلحات بيد ان المعنى واحد وان تعددت المباني والطوابق فللاعراب ألحاناً عكس الفرِنجة بلسان لا يركن للمحسنات اللفظية والمجاز, عليه فان تحقيق الدين المعتدل هو محض كنية للسيد (مكافحة التطرف) لاغيره وقس على ذلك... وبمتابعة المنهج التفكيكي في التحليل قد لا نحتاج عناء جهد في قراءة خطاب المهدي والحزب الحاكم معاً وكلاهما وجهان لعملة واحدة لولا إختلاف طريقة (لف العمامة) ولكليهما (إستايل) يخصه, ولا نرى تباين في (الحَنَك) المهدي وهو جالس بمقره بقاهرة المعز طيلة أسباب خروجه الاخير عكف على إعادة قراءة المشهد السياسي فتقارب مع ذاك وتباعدت خطاه عن هذا مستزيدا من كنانة العقل الامريكي وملامح خارطته السياسية للمنطقة العربية وضمنها السودان وكل ما فعل التقاطه سهما منه وكأه خطابه ولا غرابة والمهدي يعود اليوم في ثياب الناصحينا , ومعروف عنه شخصية توفيقية بغير ما فجور في الخصام نائياً عن كل الميل لجهة بعينها, مفضلاً الإحتفاظ بمسافات متساوية بينه وكل الأطراف بالملعب السياسي, وهو أمرٌ كما تعلمون من ضروب الأحلام ونسج الخيال ومغالطة لسُنة الحياة التي تقوم على الإختلاف تعضده المقولة المستهلكة (إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية) ولولاه لهُدمت بيع وصلوات ولفسد الرأى واستبد في نسقه الأحادي ولعل المهدي يرى في السياسة سروجاً على ظهور جياده العربية الأصيلة ,خلافا لما ترفضه أمثالنا الشعبية ويعبر عنه شاعرنا القدال .. ليك دَرِب ولا دَربين ..مسَّاك الدروب ضهَّاب/ ليك قَلِب ولا بالين.. وسواي القلوب كضاب/ ليك ضَهَر ولا سرجين .. ركَّاب السروج وقَّاع/ شِق يا ولدي بحر التِيه بتدردَّر وتتودَّر. لذلك فسيد الصادق وقَّاع وهو من أوقع ديمقراطية لم تتفيأ البلاد ظلالها طويلا ذات شاي مغربية بداره ضمته ونسيب سلطةٍ ومصاهرة وعراب إنقلاب أودى بالبلاد إلى بحر التِيه الذي هي فيه طيلة عقود ثلاث مضت مضاضةً وفرقةً بين المكونات الوطنية والتي لم تجد سوى السلاح خياراً في طِلاب حقوق سليبة , ويمكن القول بأن الصادق عاد مستعرضا قواعده الجماهيرية ولسان حاله يردد أنا أكثر منكم مالاً وولدا كما جاء محتقباً أرشيف خطابه (نِحنا قبيل شِن قلنا؟) ..الراديكالية ونبذ التطرف وتحقيق العدالة الإجتماعية وعدالة قسمة الثروة والسلطة ووقف الحرب ومكافحة الإرهاب وهلمجرا ..هوذا ما إحتقبه المهدي في رحلة عودته, وهي (كوبي آند بيست) للمطلوبات الامريكية, ولعله لم يجاهر بأن صانع القرار الامريكي قد إستند على كل ما ذهب إليه, لذلك فالمهدي لا يزال ممسكاً بالعصا من موضع وسطٍ يتأرجح بفضله كيفما شاء وشاءت المرحلة, وهو بذلك مع حكومة الخرطوم ومع البيت الأبيض مضحياً برفقاء المعارضة, رافضاً منهاجها التغيير بالقوة مبرراً بأن التغيير بالقوة يعني تبديل ديكتاتور بديكتاتور آخر. ..شق يا ولدي بحر التيه/ بتدردر وتتودر. [email protected]