الصور التي تداولتها وسائط الإعلام الإلكترونية أمس حول وفد من مؤسسات الزراعة المختلفة وأولها إدارة وقاية النباتات والتي أظهرت حرق فسائل النخيل المصابة بمرض البيوض الفطري مثار الجدل التي استوردتها شركة أمطار من الإمارات، تفتح بابا قد طرقه الكثير من المهتمين بالشأن الزراعي بجوانبه المختلفة من انتاج وحماية وتطوير ورعاية. الحقيقة الواجب ذكرها هنا وقد تكون غائبة عن الكثيرين وفيه تعمدت بعض الجهات التستر خلفها، هي أن شركة "أمطار" يرأس مجلس ادارتها مواطن سوداني وهو وزير الزراعة الحالي، وبالطبع الشاهد والمتداول خاصة فيما يخص اتهامات أمطار أنها شركة أجنبية وهنا لا تعنينا بالضبط ماذا كانت في الأصل من ناحية هويتها وأعمالها القديمة بقدر ما يعنينا ما هو وضعها الآن وماذا تفعل بنا؟ حتى ندرك أين ومن نتهم؟ فالمتهم الأول هو وزير الزراعة وليس ذلك المواطن المستثمر الإماراتي، فهو شريك أصيل في أمطار كما علمنا مع الشريك الأكبر وهو حكومة السودان ممثلة في وزارة الزراعة. وهمه كمستثمر بالطبع هو الربح من خلال الزراعة وهو عمل مشروع وفق قوانين البلد المضيف. والمسؤولية تقع على عاتق وزير الزراعة رئيس مجلس رئاسة شركة أمطار اذا تم حرق النخيل أو لم يتم ذلك. فالصور التي تداولتها الوسائط أمس لم تقنعني أنا بحكم عدم الثقة المتوارث في مؤسسات النظام على مر تاريخ حكم الاسلامووين للسودان. وأتمنى أن اكون غير موفق في ظني حتى أكون آمنا على نخيلنا واهله. وسؤال فني آخر يجب أن نضعه في الأساس وبحكم تجربتي في الإمارات، خاصة في النخيل ومزارعها، هل مرض البيوض المصنف من أخطر الأمراض على النخيل، ولماذا لم يقضي على نخيل دولة الامارات؟ وهي تعتبر من الدول المنتجة والمصدرة للتمور؟ ما يجب ان نخاف ونحذر منه في نخيل التمر من دولة الإمارات بل كافة دول الخليج العربي هو آفة (سوسة النخيل الحمراء) وليس المرض الفطري المثير للجدل. واذا كان هنالك مرض بيوض فعلا بالامارات -وأنا اشك في أن هذا المرض موجودا- فلماذا لم يهلك نخيلهم كما أهلك مزارع التمور بدولة المغرب وهجر أهلها بحثا عن مصدرا آخر للرزق، وهذا المرض مصنف على حسب علمي لدى وزارة البيئة والمناخ الإمارتية بA1 ويمنع دخوله بتاتا للدولة بل تعتبر المنطقة التي يظهر فيها هي منطقة عزل وتحاط وتباد كل نخيلها. علما أن كافة العمليات التقنية في المكافحة للآفات والأمراض لأشجار النخيل التي شاركت في تنفيذها بحكم عملي من قبل كانت ضد (سوسة النخيل الحمراء) وحشرة (الدوباس) والعناكب (المغبرة) كما يطلق عليها هناك، وليس ضد مرض البيوض أو أى مرض فطري آخر، بل تنفق الدولة ما يزيد عن 200 مليون درهم من ميزانيتها سنويا للسيطرة على تلك الآفات وبعض الحشرات ذات الأهمية الثانوية. من أين قدمت شتول أمطار؟ سؤال مطلوب الإجابة عليه، علما بأن وزارتنا الزراعية قالت إنها من مدينة العين بالإمارات.. يعني فنيا لدينا كمتخصصين أن أشتال النخيل والمتكاثرة نسيجيا بمعنى انها لم تآت من الحقل نزعت من قعر الأمهات اىانها من تربية نسيج لأمهات في أطباق (بتري دش) بالمعمل. إما ان تكون الأمهات أو الحقل مصاب بالفطر، او إما أن الفسائل نفسها بحكم الوراثة، ثانية انها جيل جديد لديه القابلية للإصابة بممرضات الفطر، واما ثالثة أن الفسائل نفسها جاءت من خارج الإمارات عبر المطار أو الموانىء العديدة ورفضت زراعتها بالدولة ليتم نفيها ودفنها بأراضي الشمال السوداني، وتعتبر هذه جريمة تضاف لجرائم الأمن الحيوي الكثيرة التي نفذتها أيادي النظام الحاكم مثلها وتصدير إناث الضان للخارج وزراعة القطن المحور وراثيا وتصدير الكركردى للصين ببذوره وغيره من طرق التدمير الممنهج للإقتصاد الزراعي للبلاد. كما اسلفت فإن حرق اشتال النخيل لا يلغي المسؤولية في السماح لخروجها بل وتسفيرها إلى موقع الزراعة في الشمالية قبل إتمام عملية الفحص واستخراج إذن السلامة من الأمراض والآفات بإدارة الحجر الصحي بمطار الخرطوم. ومن قبل وليست الأولى ولا الثانية أن يكون الإستثمار عبئا على البلاد والإقتصاد بدلا عن داعم له. فشركة انبات المصرية الأصل وسودانية الرئاسة، عبر وزير الزراعة حينها أ .صديق المدعوم بالمتعافي الوالي الأسبق قبل أكثر من ست سنوات وتزامن دخولها مع اخطر آفة للطماطم (توتا ابسليوتا) إلى البلاد في مشروعها بمنطقة الكرياب شرق النيل ليس بالأمر الهين والمنسي. وليس منسي أيضا بل نسأل بين الأعوام 2000 و2003 م أين ذهب استثمار وزارة الزراعة الولايئة في مشروع النخيل النسيجي مع الشركة الفرنسية لإنتاج ملايين الأشجار كما ادعت؟ وأصبح ذلك المشروع خرابا بشمبات إلى الآن بعد انسحاب الشركة الفرنسية. إعادة مراجعة سياسيات الإستثمار وخضوعها لمراقبة الأجهزة الفنية والجامعات والمراكز البحثية واجب الخيرين والخريجين والأكاديميين وليس كما يفعل النظام عادة وهو يستعين في التلاعب بالقوانين والأمن الحيوي بالشراكة بين المؤسسات الوطنية المملوكة للشعب وبين مسميات لأشخاص وشركات من خارج البلاد لم تنفع أرض بلدانها. الضغط وبذل الجهد من المهندسين الزراعيين وهم بالآلاف لإنتزاع جسم إتحاد المهندسين الزراعيين من أيادى المنتفعين وعضوية المؤتمر الوطني الذي شغلوا مناصبه بالتعيين الحزبي وحولوه إلى جهاز يتاجر بالأراضي الزراعية والسكنية مستقلا أشواق الخريجيين في التخصص وتطلعاتهم المشروعة للزراعة والإنتاج التجاري وتطبيق ما درسوه بالجامعات، ليكون جهاز فعال يخدم المهندس والزراعة معا ويرفع من مستوى الدور المهني له. التفاتة مهمة مطلوبة لإدخال أيادينا في صلب الشأن الزراعي كمهمة وطنية تقع على عاتق المختصين وليس بعيدا عن تجارب المبيدات المنتهية الصلاحية، التي تتنادي بها أصوات وطنية كثيرة وآثارها القاتلة على سكان مشروع الجزيرة. وليس بعيدا بيع أصول نفس المشروع وخصخصة كثير من إداراته وفشلها المستمر ابتداء من تنظيف الترع وليس إنتهاء بفشل الحصاد والتقاوي وديون المتعثرين للبنك الزراعي. ما يحدث للشأن الزراعي بالبلاد لا ينحصر حكرا على شركة استجلبت شتلات مريضة إنما هي سياسات عامة فاشلة بل مدمرة للبلاد تتطلب ثورة على القائمين على أمر تلك المؤسسات ونظامهم السياسي وألا تقف تلك المهمة على حرق نخيل أو اعدام مبيدات أو كذبة سياسية ك(النهضة الزراعية) التي كونت وقامت الدنيا ولم تجلسها بوزير ومكاتب ومداولات وورش، لم نر (أردبا) لحصادها حتى يومنا هذا. [email protected]