هل هناك فرق بين المغترب والمهاجر واللاجيء؟.. طبعا!.. اظن ان هناك فروقا جوهرية.. مع العلم أن واحدا من الناس من الممكن ان تكون منطبقة عليه أكثر من صفة او التلاتة صفات كلها معا ولكن يعرف الفرد بالظاهر أو المعلن منها. المغترب بالمعنى الكلاسيكي هو الشخص الذي غادر البلاد للعمل بالخارج بعقد عمل أو منتدب أو عمرة وزوغة (النتيجة واحدة) والهدف تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية في الاساس.. وغالبا ما تطلق هذه الصفة على العاملين بدول مجلس التعاون الخليجي وقديما أيضا ليبيا واليمن. المهاجر شخص غادر البلاد( لاسباب اقتصادية او مركب عدة اسباب اخرى) بهدف الاستيطان الدائم في بلاد أخرى ونيل جنسيتها ان كان متاحا.. وتطلق صفة المهاجر في الغالب على الوافدين إلى أوربا الغربية وأمريكا واستراليا. واللاجيء هو الشخص الذي غادر بلاده بشكل موقت أو دائم لسبب اساسي هو الاضطهاد أو التضييق السياسي. وهناك ثلاثة أنواع من اللجوء السياسي ( اللجوء السياسي المحض/اللجوء الاجتماعي/اللجوء العقائدي) وكلها تقع في خانة اللجوء السياسي حسب اتفاقية جنيفا وقانون الاتحاد الأوروبي المتعلق بالشأن. وقد يكون اللجوء بوابة للهجرة كون الكثير من اللاجئين في الحقيقة هم مهاجرين اقتصاديين ويتواجدون في ذات مناطق الهجرة الغربية (اوروبا/امريكا/أستراليا) وبالتالي يصعب جدا تحديد المهاجر من اللاجيء الأصيل genuine refugee ومن خواص المغترب القلق الدائم ومحاولة توفير المال الضروري للعودة والإستقرار من جديد في البلد الاصل لأن الاستمرارية في العمل (تتبعه الإقامة) غير مضمونة بالذات في السنين الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية الجديدة لبلدان الاغتراب وسياسة توطين الوظائف والمهام التي اتبعتها مؤخرا تلك البلدان. ومن خواص المهاجرين الطمأنينة والفلس (قلة الحصاد المادي) كونهم جدد في الغرب ونظام الرعاية الاجتماعية يضمن لهم وأبنائهم ضروريات الحياة من معاش وصحة وتعليم دون كثير عناء (لكن فقط حد الضروريات) وإلى أمد غير محدود.. وقد يأخذون كثيرا من الوقت ليجدو طريقهم في الحياة العامة وغالبا ما يفشل الجيل الأول في الاندماج ويبقى الجيل الثاني يكابد مشقة الإنتماء حتى يحسم الامر عند الجيل الثالث. وذلك استنادا على تجارب ماثلة للمغاربة والاتراك في هولندا وبلجيكا وألمانيا .. ولكن يبقى سؤال "الهوية: من انا؟" دائما مفتوحا على كل الاحتمالات حتى عند الجيل الثالث وما بعده و إلى أمد غير معلوم. وعندنا تجربة الجزائريين في فرنسا والمغاربة في هولندا.. الآن المغاربة في هولندا هم الموضوع رقم واحد لليميني المتطرف خيرد فيلدرز وحزبه "حزب الحرية" PVV مع أن المغاربة على حافة الجيل الرابع في هولندا.. لكن لهم هويتهم الخاصة المميزة التي لا هي مغربية ولا هولندية (ملاحظة خاصة). وهناك نوع خاص من المهاجرين يسمى "جالية" وهي صفة تطلق على السودانيين المهاجرين في مصر حصريا.. وهم بدورهم يكابدون مشقة الإنتماء (الهوية) حتى في بلد مثل مصر شبه مطابقة لشريحتهم الثقافية وبالرغم من أن بعضهم في مرحلة الجيل الرابع!. وحدث العكس في السودان أن الجالية المصرية في السودان (اكبر) استطاعت الاندماج والذوبان شبه الكلي في المجتمع (اعرف أنها نقطة جدلية)!. واما اللاجئون الأصيلون "اقلية في الغرب" فمعظم وقتهم منصرف ناحية القضية التي خرجو من أجلها ( السياسة والعمل السياسي) في اتجاهات مختلفة (لا نتحدث هنا عن الفاعلية ولا نقيم فقط نؤشر الى الهم) ولذا هم الأكثر قلقا والأكثر فلسا.. وفي معظم المرات يكونون متأخرين نسبيا عن الآخرين (المهاجرين) في عملية الاندماج التقني وفي الحصاد المهني في البلد المضيف نسبة لانشغالهم المادي والمعنوي أكثر من غيرهم بقضايا وطنهم الأم ومع ذلك هم الأكثر انفتاحا على الآخر والأكثر تسامحا مع ثقافة البلد المضيف والأكثر نشاطا في مجال الحراك الاجتماعي داخل جالياتهم وابعد. وتستطيع أن شئت أن تقول هم: الضمير السياسي والثقافي للجاليات التي يعيشون بها وربما أبعد. وكل ذلك من تجربة شخصية وملاحظة عبر المعايشة. واعرف أن البعض منكم ربما عنده تجربة مختلفة وملاحظات ربما مختلفة قليلا أو كثيرا عما توصلت اليه.. ولذا أحببت أن أشرك البعض منكم فكرتي بشكل مختصر في سبيل فهم أفضل للحراك الاجتماعي خارج البلاد كما سلوك الأفراد ونزوعهم الذاتي بناءا على خلفيات دواعي خروجهم الاصيلة من البلاد وآفاق مستقبلهم في البلد المضيف وعلاقتهم بالدولة الأم "الطاردة" لهم في لحظة من لحظات حياتهم! . محمد جمال الدين [email protected]