أحياناً تأتيك لحظات من التجلي ..يكون فيها ذهنك صافياً لدرجة أنه يربط بين أحداث وأفكار شتى ..فتجد نفسك فجأة أمام حل لمعضلة طالما شغلت بالك ..تكاد تصيح حينها كما أرشميدس ..(وجدتها ..وجدتها ).. كنت في (السوبر ماركت ) لشراء حاجيات الأسبوع ..حانت مني التفاتة لأرى شاب وشابة يبدو أنهما حديثي الزواج ..ما تقولي لي عرفتي كيف ..فلا زال ينظر إليها بأعجاب ..يلتفت ليستشيرها في كل شيء ..ولا زال يبادلها الضحكات ..أييييه دنيا ..المهم ما علينا ..كانا يقفان أمام أرفف (الأندومي) ..أيوة والله الاندومي الواحدة دي ..ونظراتهما تشع (بالقلوب قلوب) بتاعة الواتس .. ينتقيان بفرح ما يفضلانه من النكهات المختلفة للاندومي ..وهما يحملان سلة صغيرة فيها مارتديلا ..وكيس بطاطس جاهز للتحمير ...وعدد لا بأس به من الشوكولاتة وعصائر مختلفة ...تم اختيار أنواع الاندومي ..ومن ثم تقدما الى الكاشير تصحبهما نظراتي وكلماتي التي وقفت في حلقي ..يا جماعة ما نسيتوا شيء؟؟ كنت أنا ضمن مجموعة من القواعد من النساء والرجال ..ننتظر السيد الجزار لكي يقضي طلباتنا من (لحمة حمراء عليك الله أفرمها لي) ..ولحمة فخدة ..ومافي سجك بلدي ؟؟ ..في هذه اللحظة بالذات ..تذكرت أنني قرأت أن السيد مهاتير كان قد أقلقه معدل الطلاق العالي في بلاده ..فأصدر قراراً بموجبه تمنح إجازة لكل متقدم للزواج وادخاله دورة تدريبية يتعلم فيها أساسيات الحياة الزوجية ومفهوم المشاركة ..لا أدري إن كان هذا الخبر صحيحاً أم انه مجرد ..(ونسة ..وكلام وتساب) ..أياً كان ..فقد أصابتنا عدوى الطلاق لأتفه الأسباب ..وارتفع معدله خاصة بين الشباب فأصبحنا قبل أن نسمع بنبأ الزواج ..يفاجأنا خبر الطلاق .....المهم لا أريد أن أطيل عليكم ..لكني في تلك اللحظة بالذات ..والزوجين الشابين يخطوان الى خارج المتجر ..وأنا أنقل بصري بين الاندومي والجزار ..برقت في ذهني فكرة أن فتيات هذا الجيل ..لا يشترين (العدة) ولا تدخل في اهتمامهن عند التجهيز للزواج. هل دار بذهن أحدكم ..أن العدة لها دور أساسي في الحفاظ على النسيج الاجتماعي ؟؟ هل كانت البيوت قديماً خالية من الخلافات ؟؟ هل كان يسكنها ملائكة مثلاً؟؟ الأمر كله يكمن في سر صغير ..كانت تمارسه النساء قديماً ..يحدث خلاف ما ..يثور أحدهما في وجه الآخر ..يتأزم الوضع ..تبلغ القلوب الحناجر ..تصرخ هي (أنا ماشة بيت أبوي) ..يرد هو (قطر عجيب يودي ما يجيب) ..تذهب صديقتنا الى (الفضية) مباشرة وتبدأ في (لم العدة) ..الغريبة أنها تكون حريصة عليها ..لا فنجان يكسر ..ولا صحن يتحطم ..تجدها تأخذ وقتاً طويلاً في ترتيب العدة ..طويلاً الى درجة أن زوجها تهدأ نفسه ..ويبدأ في تصور البيت بدون (عدة) وست العدة ..والأولاد ..ومن ثم تأتي الى ذاكرته سنوات العشرة ..فيلين جانبه ..ويأتي اليها معتذراً ..ويتم إعادة الفناجين الى الرف ..والصحون كذلك ..ويا دار ما دخلك شر. طوال الوقت كان الرجال يتذمرون من كميات (العدة) التي تقضي المرأة عمرها في جمعها ..وهم لا يعلمون حجم تأثيرها في الحفاظ على ترابط الأسرة ..والحيلولة دون هدم النسيج الاجتماعي ..أها يا بناتي ..أسمعن كلامي أني لكن من الناصحات ..ما ضروري تكوني بتعرفي تطبخي ..لكن المهم ..انك تسعي (العدة). الجريدة