نهار الأول من أمس دخل علي الزميل الحبيب عمر الكردفاني وبلا أي مقدمات ولا « إحم ولا دستور » ، تلا على مسامعي بيت الشعر الذي يقرأ « الناس مرقدها النهود وأنت مرقدك الخوي .. لو كنت تدري ما النهود لطويت الأرض طي » ، ثم قال رغم أن أمه من الخوي ووالده من النهود الا أنه لا يعرف قائل هذا الشعر الجميل ، قلت في عجالة قائلها هو محمد أحمد المحجوب ، وعندما انتبهت للخطأ الذي وقعت فيه للمرة الثانية كان الكردفاني قد غادر .. خطئي الأول كنت قد قارفته قبل عدة سنوات ، جاء ذلك في وارد احتفائي برسالة بعث بها الي قارئ من تلك النواحي أتى فيها على ذكر النهود والخوي ، فقلت من بين ما قلت إن السياسي المعتق ورئيس الوزراء الأسبق والأديب والشاعرالعملاق محمد أحمد المحجوب « رحمه الله » ، كتب في كردفان شعراً جميلاً وتلك حقيقة ، الا أنني كما يقولون « جيت أكحلها عميتها » ، اذ نسبت خطأ « الناس مرقدها النهود وأنت مرقدك الخوى » للمحجوب ، الا أن قارئ آخر بادر لتنبيهي للخطأ مع ايراده لاسم الشاعر الحقيقي لتلك الأبيات .. لا أعرف لماذا وقعت أمس الأول في ذات الخطأ بنسبة هذه الأبيات للمحجوب ، المهم أن صاحب القصيدة على ذمة ذاك القارئ الذي صححني هو الشاعر والأديب والسياسي المعروف والعضو البارز في الحركة الوطنية السودانية، ومؤتمر الخريجين ، ثم وزير الاستعلامات والعمل في حكومة أكتوبر الاولى« 1964» ، ووزير الحكومات المحلية في أول حكومة لمايو « 1969» ، المرحوم خلف الله بابكر ، أما مناسبتها فهي ان المحجوب عندما كان يعمل قاضيا لمديرية كردفان في اوائل الخمسينيات ،زار مدينة النهود في مهمة رسمية ، وقضى ليلة بمنطقة « الخوي » وحيدا إلا من خفير الاستراحة الحكومية الذي لم يكن يتحدث العربية ، وكانت تجربة صعبة بالنسبة للمحجوب الذي كان يعشق السمر والحديث وقول الشعر ، فحكاها عند عودته الى الابيض لصديقه خلف الله بابكر الذي كان يعمل وقتها مديرا لصحة المديرية،وكان قد زار النهود في مهمة رسمية ايضا بعد زيارة المحجوب بفترة قصيرة، ولكنه لم يتعرض لما تعرض له المحجوب من مشقة السفر والمبيت بالخوي وحيدا ، فكتب قصيدته المشهورة التي يداعب فيها المحجوب : الناس مرقدها النهود وأنت مرقدك الخوي كيف احتملت وانت يا محجوب شاعرنا الأبي بل أنت من عبد الجمال وروضه الحصن العصي ما بين ساعات الأصيل وبين ساعات العشي يحنو عليك سميرك الرجل الخفير الأعجمي ولنحن في دنيا النهود سميرنا الصوت الشجي غني وعربد وانتشي ثم انتشي والله حي .. الخ القصيدة .. الصحافة