السودان بلد شاسع المساحة؛ مترامي الأطراف تتباين تضاريسه وبيئاته بين السهول والمناطق الجبلية في الأطراف حيث الوعورة والطبيعة القاسية ، لذا يمتهن أغلب سكان السودان حرفتي الزراعة والرعي ويساهمون بإمداد العاصمة ومدن السودان الأخرى بالمحصولات والمنتجات الزارعية والحيوانية،رغم معاناتهم في الحصول علي الخدمات والعلاج والتعليم حيث يعيش أكثر من نصف سكان السودان تحت خط الفقر، مما أدي لنزوح الملايين الفي العقود الأخيرة نحو العاصمة وأواسط السودان، التي رحل إليها أهل البسطة والوفرة في الرزق أما سكان الأطراف فدينهم وإسلامهم هو الزراعة والرعي وهنا تحضرني (قصّة) الداعية ياسر سيد وحرمه الداعية عائشة محمد توم الطيب حيث ذهبا إلى منطقة نائية في شمال السودان حيث قسوة الحياة وشدتها تعد السمة البارزة لمسكن أهل البادية في تلك البقعة وبدأت عائشة في الصلاة وحيث السجود بعد الركوع هرولت إليها بدوية وقالت "سلامتك يا أختي .. شفتك وقعتي كم مرة وخفت عليك وأتيت مسرعة لمساعدتك) وبعد أن أفهمتها الداعية عائشة الأمر تبسمت وكتمت الدموع وتحدث إليها بود وإحترام وأوضحت للبدوية أن هذه الصلاة من أركان الإسلام وبعدها أفاضت في شرح صفة الصلاة وأركانها للبدوية، صفقت البدوية بيديها قائلة لها ( ده شيتاً دايرلو فياقة وأنا مشغولة!!) "أرجو تكرار قراءة القصة" ورغم ذلك استمر ياسر وزوجته في الدعوة. كلما أتذكر هذه القصة وغيرها في أطراف السودان أتعجب من فقه أئمة المساجد وعلماء الفتوى في الخرطوم خاصة، حيث تعددوا في جماعاتهم ومشاربهم وميكرفوناتهم أصبحت معروفة الشفرة وكل شفرة وصوت كل ميكرفون يدخل على المسجد المجاور ولا حياء حتى أصبح الميكرفون في السودان جزء من الدين والتحية للبروفيسور محمد أحمد العرمابي الذي قال أن هذه (فوضى) والله صادق يا عرمابي، ثم نرى إمامة المسجد والفتوى في الخرطوم أصبحت مهنة و(شغل) يقبضون مقابله رسوم ومبالغ معينة .. وقد إنجذب لذلك أغلب الحفظة القادمين من الأقاليم خاصة وأصبحو في (ترطيبة) وهذا حقهم لا نحسدهم عليه ولكن نحسدهم على مداومة الإستقرار في الخرطوم يؤدون الصلوات ويرتلون القرآن بالميكرفونات ذات الصوت العالي الندي ولا يتذكرون الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالي وأسكنه في الأطراف النائية من السودان يقاسي عنت الحياة ومشقتها في بواديه وصحاريه المقفرة لا يعرفون في ما يجري في الدنيا وأحوال العالم الذي يحيط بهم، وهم مسلمين على الفطرة، وليس من المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى أن يحاسبوا على الصلاة لأن عذرهم لم يكن بينهم من يعلمهم أمور دينهم. . وهنا الذنب يرجع إلى الدعاة وعلماء الدين لأنهم حبسوا أنفسهم في المدن وحصروا أمر الدعوة إلى الله ودين الإسلام الحق تحت مكيفات المساجد الفخمة والوثيرة في الخرطوم أو قلصوا نشاطهم الدعوي في محاضرات يلقونها في دور المؤسسات والوزارت مقابل (ظرف) يحوى حفنة من المال وكراتين الهدايا. أشدّ ما يؤرقني ويؤلمني ظهور بعض هؤلاء الدعاة في شاشات القنوات الفضائية وصفحات الجرائد في الأمور الهامشية التي لا تستحق الضجة ولا تفيد عامة المسلمين، وتتجاهل الأمور الحيوية التي تهم المواطن في معاشه وحياته اليومية بل أبعد من ذلك تتباري جماعات بعينها وتنشط في إثارة العداء والكراهية ضد من فئة الناس أو أشخاص بعينهم دون حسيب أو رقيب بأسباب ومبررات واهية ، تتبختر في المساجد والأسواق ووسائل الإعلام فاردة عضلاتها ورافعة عقيرتها مجاهرة بالقدح والشتم وقبيح القول، بل تصل بها الجرأة لتهديد والوعيد بالقتل وتطلق أحكامها بالردة والكفر على عامة الناس وخواصهم .. ونجد كل جماعة لا تعترف بالأخرى ولا تحترم إختلافها عنها حتى تتسمم الأجواء وتصبح هذه الأمور والتفاهات شغل الناس الشاغل، وقصة الداعية عائشة محمد توم ستكون قصة أرجوا منها أن توقظ عقول علماء الدين وأتمني الأ يقولوا "سيبك الدين في ناس الخرطوم محل الرئيس بينوم والطيارة بتقوم". نحن لا ننكر دور العلماء ونقدرهم ونحترمهم ولكن بصراحة ننكر عليهم عدم الإهتمام بأمر الدعوة خارج الخرطوم والمدن، لأن سكان هذه المواقع والله قد شبعوا من محاضراتكم وفتاويكم ، فهم ينعمون بتوفر الوسائط المسموعة والمقروءة وسهولة الحصول على المعلومات والله سبحانه وتعالى سوف يسألكم من أهل أطراف السودان المعزولة بكل بساطتها لا يجدون مَنْ يعلمهم حتى الصلاة "قصة عائشة والبدوية" وهم في حاجة لذلك وأنتم لكم إدارات في الدعوة إلى الإسلام لها كل ما تريد من ميزانية من مالية الدولة فيجب عليهم إستدراك أمر الإنسان ومساعدته حتي يعرف الإسلام، وأنتم محاسبون بذلك أمام الله. نقول لكم أنفضوا الغبار عن منهجكم الجامد في الدعوة وعليكم بالتجديد ومن ثم انفروا نحو أطراف السودان بعد دراسة محكمة بإستراتيجية جغرافية سكانية بعيداً عن العمل العشوائي الذي أدى إلى تدني الإسلام في الأطراف. نحن نعلم أن علماء الدين في السودان لهم دور كبير في تبصير الناس بالإسلام ولكنهم يفتقرون إلى أمرين هامين وهما؛ روح التجديد في عمل الدعوة إلى الإسلام وعدم المغامرة بالتوجه بالدعوة في مناطق الشدة وهنا وبصراحة لي ملاحظة وهي (أن حفظة القرآن من شرق السودان وغرب السودان وهم كثر يتواجدون في الخرطوم والمدن الأخرى وهم يعلمون أن أهلهم في مناطق شدة ويحتاجون لهم وهذه دعوة منا لإدارة الدعوة لمناقشة هذا الأمر) وكل هذه العوامل مجتمعة خلقت الجهل والفقر والمرض في أطراف السودان النائية وكما قال السيد عبد الرحيم حمدي ركزوا الخدمات في الأطراف وأنسوا الوسط والخرطوم (وقد أنكر ذلك) ولكنها مقولة سرت بين الناس وهي حقيقة مرة أرجوا أن يستفيد منها رجال الدين والفتوى وأقول لأئمة المساجد وعلماء الفتوى أخرجوا من الخرطوم والوسط إلى حيث سجدت عائشة وتذكروا حينما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا معاذ بن جبل إلى أهل اليمن. وعلى الله قصد السبيل،، [email protected]