كان السواد الاعظم من ابناء شعبنا يعلم ان الذين راهنوا على جدوا الحوار مع عصابة المؤتمر الوطنى سيصبحون بعد غد نادمين كما قال الفرزدق ندمت ندامة الكسعى لما غدت منى مطلقة نوار وكانت جنتى فخرجت منها كأدم حين لج به الصرار وعلى الرغم من رجاحة الحدس الشعبى الا ان البعض لم ينجح فى اسيتعاب الدروس حتى الان وما يزال يصنف الكيزان الى بطيخ لبه احمر واخر ابيض. والانكى من ذلك ان عبرية بعض المثقفين السودانيين قد توصلت الى اكتشاف نادر وهو ان للدين دور كبير لذا وجب الا يقصى من الحياة العامة. وهل نجحت سلطة ما فى دولة ما فى العالم الواسع فى ان تطرد الدين من الحياة العامة؟ الدين الاسلامى دخل السودانى منذ عدة قرون وحينها لم تك اسرة حسن البنا, مؤسس حركة الاخوان المسلمين, موجودة على خريطة العالم. ومنذ دخول الاسلام الى السودان اصبح المسلمين يمارسون حياتهم الخاصة والعامة وفقا للشريعة الاسلامية فهم يرددون الشهادة ويصلون صباح مساء ويصومون ويزكون ويحجون الى مكة وياكلون الحلال ويرغبون عن الحرام وينكح رجالهم النساء ويتبايعون ويحرمون على انفسهم الميتة والدم ولحم الخنزير والميسر ويورثون ابناءهم وبناتهم وزوجاتهم ويفعلون كل ذلك وفقا لشريعة الاسلام. وقبل ان يدخل الكيزان الدين فى الصراع السياسى كان السودانيون يمارسون تلك الشريعة وغيرها حتى قبل ان تكون هنالك دولة سودانية ولو كان الناس مننتظرون لمجئ الكيزان لما قامت للاسلام قائمة فى بلادنا الحبيبة. ولما هاجر السودانيون زرافات الى بلاد العالم المختلفة واجهتم مكاسب كثيرة وعنت كذلك لكنهم لم يجدوا ابدا دولة تمنعم من التدين فى الحياة العامة والخاصة. ففى الغرب مثلا تدعم الدول المساجد ويدعم بعضها برامج تعليم القران واللغة العربية وتعترف بعقود الزواج التى تتم وفقا للشريعة الاسلامية وتسمح للمسلمين وجمعياتهم بفحص الطعام الحلال وغير ذلك لقد كتب العالمان حسين عسكرى وشهرزاد رحمان من جامعة جورج واشنطن بحوثا ووضعا على اثرها ما اسمياه المؤشر الاسلامى الاقتصادى وهو مؤشر يحتوى على اثنى عشرة محكا وكل منها يحتوى على عدد من الفروع. والمحكات الرئيسية هى الفرص والحرية الاقتصادية العدالة في جميع جوانب إدارة الاقتصاد مثل حقوق الملكية وقدسية العقود المعاملة المثلى للعمال وتشمل خلق فرص العمل والمساواة فى التنافس على الوظائف الانفاق على التعليم العالى بالنسبة الى الناتج المحلى الاجمالى القضاء على الفقر والمساعدات وتوفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية، لا اكتناز الثروات توزيع افضل للدخل والثروة بنية تحتية اجتماعية أفضل وتوفير الخدمات الاجتماعية من خلال الضرائب والرعاية الاجتماعية معايير اخلاقية عالية مثل الصدق والثقة فى التجارة وفي جميع المعاملات الاقتصادية اى فساد أقل نظام مالي اسلامي يشمل اولا: تقاسم المخاطر في مقابل عقود الديون أي نظام مالي داعم ويقضى على المضاربة , وثانيا: نظام فيه ممارسات مالية تشمل إلغاء سعر الفائدة الممارسات المالية التي تشمل إلغاء الفائدة نشاط تجارى كبير بالنسبة الى الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع المساعدات للدول الاخرى ودرجة عالية من الحفاظ على البيئة والاسواق المراقبة والمشرف عليها بيقظة عالية أي فعالية فى الحالة العامة لتحقيق الازدهار التجارى وكذلك الازدهار الاقتصادى العام وتاسيسا على المبادئ اعلاه اختبر الباحثان 208 دولة من بينها 56 دولة اسلامية ولم يك مدهشا ان تحتل الدول الغربية وهى ايرلندا والدنمارك ولكسمبورج والسويد وبريطانيا المراكز الخمسة الاولى لكن المؤلم ان تحتل الدول الاسلامية المراكز الاخيرة والاستثناء الاول هو ماليزيا فى المركز رقم 33 والثانى هو الكويت فى المركز 42. واذا بحثنا عن السودان فاننا سنجده قد احتل المركز رقم 190 قبل توقو والصومال وسيراليون وبالمثل هنالك مبادى عالمية للحكم الرشيد منها الشفافية وحكم القانون والمساءلة وغيرها وحين اخضعت الدول الاسلامية لهذه المعايير جاءت كذلك فى المراكز الاخيرة. والمشكلة ليست فى الاسلام فقد استشهد حسين وشهرزاد فى بحثهما بالقران والسنة واقتبسا من دراسات قام بها علماء مسلمون. الاسلام به مبادئ عامة مثل العدل والاحسان والمساواة والنزاهة والطهارة وسموها لا مجال لدحضه وهى مطبقة فى معطم دول العالم. المشكلة هى فى الممارسة والممارسة يقوم بها بشر. والفرق هو ان البشر فى الدولة العلمانية ,او المدنية, ممارساتهم وقراراتهم ليست مقدسة وهى تخضع للمساءلة والتحسين والالغاء من قبل الشعب مباشرة او عبر نوابه اما فى حالة الدولة الدينية فان معارضة الحاكم هى معارضة الخالق عز وجل والغاء قرارات الحاكم لا تعنى انك تخالفه الراى بل تعنى انك فى صدام مع ربك والحاكم لا يقبل احتمال ان يعاقبك الرب او يعفو عنك انما ينفذ فيك هو بنفسه ما يعتقد انه ارادة الرب الدولة بدساتيرها ونظمها وقوانينها ولوائحها وبرامجها وخططها هى من صنع البشر لذلك نجد ان على بن ابى طالب لم يكفر معارضية الذى اشهروا فى وجهها سيوفهم بل مات فقيرا وهو ابن عم رسول الله ونجد ان عمر بن الخطاب كان يتضور جوعا لكنه لا يظهر ذلك حتى يطمئن الى ان الفقير قد شبع اما عمر البشير فانه يشبع اولا ثم يدلف الى صالة البلياردو فى قصره الكبير الانيق واذا مل من اللعب فانه يرفع الهاتف ليسال احد افراد اسرته عن نسبة الزيادة فى المليارات المنهوبة من اموال الشعب. ان القراءة الهادئة للتاريخ الاسلامى تعلمنا ان الانسان هو انسان وهو معرض للخطأ وسوء التقدير سواء كان بوذيا او يهوديا او مسلما. وقد قتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين الاربعة فى وقت كان السواد الاعظم من اهل مكة والمدينة هم من الصحابة العارفين بامور الدين ومنذ ذلك الحين اصبح القتل والتعذيب والاضطهاد والسجن سمات ملازمة لكل الدول والامارات التى سمت نفسها اسلامية الا تكفينا صور القتل اليومى الذى طال مئات الالاف من ابناء شعبنا؟ الا تكفينا قصص الاغتصابات وجلد النساء واهانتهن؟ الا نتعظ من تشريد الاسلاميين لنا وزجهم للالاف فى بيوت الاشباح واستخدام الاغتصاب والمحاربة فى الرزق واغتيال الشخصية كوسائل لحسم الخلافات السياسية؟ متى نعى الدرس؟ وكما حدث كثيرا يقوم الكيزان هذا الايام بلعبة تبادل الادوار, فهيئة العلماء ومجمع الفقه وهيئة الدفاع عن العقيدة ومجاهدى الدفاع الشعبى مناط بها التشدد اما البرلمان والكتاب والصحفيين فهم اهل اللين. هى محض لعبة سخيفة: طرف يدعى مناصرة المرأة واخر يدعى مناصرة الدين والكوزة القيادية المخضرمة تناصر الفريق الاخير, يا للبؤس الطريق الى اقامة دولة مدنية ديمقراطية ليس سهلا لكن ثماره لذة. ولاننا ندرك الهدف جيدا فان الصعاب ستهون فى سبيل تحقيقه. ظل الفيل خداع يدعى الفضيلة والعدل والنزاهة فلا تغرس رمحك فيه كما يقول اهل السودان, اطعن الفيل نفسه - محمد مهاجر [email protected]