في اتفاقات السلام الكبرى يأخذ قائد المعارضة أو قائد التمرد أو قائد الحركة الإنفصالية -أيا كان نوع النزاع- يأخذ منصب الرجل الثاني .يدخل قصر الرئاسة حسب قوة حركته وتمثيله على الأرض أو حسب عدد مؤيدو قضيته.بدخوله يرتب لإستيعاب الذين حاربوا معه ويعمل على تحقيق مطلوبات الإتفاق . هذا ما فعلته الحركة الشعبية لتحرير السودان في إتفاق السلام الشامل (نيفاشا) في 2005 .الحركة الشعبية نالت بموجب الإتفاق منصب النائب الأول وثلث مقاعد حكومة السودان الكبير وكل حكم الجنوب ونصف ايرادات البترول. في السبعينات كان الإخوان المسلمون قلة قليلة في المعارضة. إسْتَقْوا بحزب الأمة في المعارضة المسلحة في ليبيا حتى1976 ثم وقعوا مصالحة مع نميري في 1977 .دخلوا إلى اروقة السلطة ومن يومها وهم يرضعون من ثدي السلطة وعافية السودان حتى تضخموا بصورة تنذر بإنفجار قادم. هذا اتاح لهم بناء جماعتهم الصغيرة إلى حزب سياسي تَقَوَّى بغفلة غيره وانقض على السلطة بليل. وهوليل تطاول سنين بدأ فجرها يلوح متيحا فرصا طيبة لمرحلة جديدة. فرصة نرجو ألا يهدرها مثاليو المعارضة وإقصائيو السلطة. تردد المعرضة وتشتتها أدى إلى ضعفها .وهو ضعف أغرى الحزب الحاكم للإستئثار بمنصب الرئيس ونائبه ورئيس الوزراء بالإضافة إلى الوزراء والولاة والمعتمدين ومحافظ بنك السودان وقيادة الجيش والشرطة والأمن وغالبية اعضاء البرلمان. وقعت الإنقاذ في اخطاء كثيرة وفادحة وهي مسئولة عنها فلا شيئ يضيع سدىً.الإنقاذ ليست كلها سوءا وإن كثرت سيئاتها .المعارضة تستطيع تحويل كثير من هذه السيئات إلى حسنات.أعمال تنفع السودان وتحسب لصالحها . لكن المعارضة تشارك بمثاليتها الحزب الحاكم في خطأ تفويت الفرص وإهدار السوانح . كما يقف الحاكم على قلب رجل واحد تحتاج قوى المعارضة ان تتفق على شخص واحد. يمكن للمعارضة ان تتوحد وتقدم من يمثلها وتدخله للقصر وتزوده بكل خبرات الإتفاقات التي نقضها النظام وتقويه بكل تجاربها وقواعدها وتمضي قدما لكسب اراض جديدة . لنقل مثلا ان القوى المعرضة السلمية والمسلحة والمعارضة غير المنظمة والأفراد وكل من لايؤيد الحزب الحاكم .لنفرض انهم اتفقوا على المشاركة في الحكم وتقديم شخصية قوية ذكية متفانية مخلصة للقضية تجد قبول الأغلبية. لنقل مثلا ان الجميع اتفقوا على تقديم رجل حزب المؤتمر السوداني القوى ابراهيم الشيخ .الشيخ شخص شجاع وقوي معارض للسلطة حزبي ملتزم إداري محنك ديمقراطي اتاح قيادة الحزب لغيره ثري لا يحتاج إلى ان مال عام وربما عمل بلا مرتب كما ويمكنه ان يعيد اموال كثيرة نهبها الفاسدين من اموال من الشعب بعين قوية. أو لتتفق المعارضة على أي شخص ليكون الرجل الثاني في حكومة توافق قومي. حينها ستحقق المعارضة من داخل دهاليز السلطة اكثر بكثير مما ظلت تحاول تحقيقه قرابة ثلث قرن وهي خارجها. لكن بعض فصائل المعارضة لا تريد ان تستغل المتاح وتفعّله كأفضل ما يكون لتتيح لنفسها عمليا غير المتاح حاليا. بعض فصائل المعارضة تخدم خصومها بأكثر مما يخدمون انفسهم . تطرح هذه الفصائل اهداف مثالية لا تخدم إلا اصحاب الفكر الإقصائي في الحزب الحاكم. هؤلاء يتشبثون بالسلطة بقوة .كل يوم هم في السلطة هو يوم مربح لهم.يحققون الكثير بإقصاء الآخرين. ينتهزون فرص جهل البعض وزعل البعض وحرد البعض وغفلة البعض لتحقيق مكاسب عديدة مادية وغيرمادية . يستغلون أي ظرف يزيدهم ثراء.يحدث ذلك حتى داخل المنظمومة الحاكمة نفسها و داخل الحزب وحتى داخل الدائرة الحاكمة الضيقة. لكنهم يستفيدون اكثرمن مثالية المعارضة وطرحها اللاعقلاني. كيف يفاوض فرد أو جماعة أو حزب أو حتى عصابة قابضة بقوة على السلطة وبيديها كل مفاصل الدولة تستغل كل مواردالدولة وثرواتها الظاهرة والباطنة وتستغل اسم السودان في جلب الودائع المليارية لأعمالها التجارية وتضمن لأبنائها وبناتها ومحسوبيها واقاربها وهتافيها المناصب والوظائف والمال والمنح والعلاقات التي تذلل لهم الصعوبات وتمنحهم الكثير من المزايا الأخرى كيف يترك هذا الفرد أو العصابة كل ذلك النعيم الدنيوي ليدخل السجون أوعلى الأقل ليقف امام المحاكم ؟ مُعَرِّضَا كل ما يراه انجازات تعب فيها سنينا عددا للهدم ؟ ثم ماهو المقابل؟ ليشارك مع آخرين في سلطة يملكها كلها بالفعل ؟ يحتاج السودان إلى حلول واقعية .ما تطرحه بعض قوى المعارضة افكار مثالية . المثالية تحليق وراء طموحات ضخمة قد تشحذ الإرادة لكنها لا تحقق الأحلام .المثالية تخرج الحلم من الممكن لتدخله في باب المستحيل. لكن الواقعية هي قبول المتاح وتنميته وتطويره لتقديم الأعمال الجيده التي تحفّز بدورها للقيام بالمزيد من الأعمال . حينها قد تحقق المعارضة اكثر مما حلمت به. المهم البداية المدروسة والصبرعليها والمثابرة في تطويرها. السلطة مفسدة والسودان لا يحتمل اخطاء شخصية تقود لعقوبات جديدة قد تكون أشد قسوة. العقوبات الحالية افقدت السودان الكثير. أدت لتأخره بينما الدول الأخرى تمضي قُدُمَاً. اثارها تشغلنا بتصحيحها بدلا من التركيز على التقدم.هنالك فقراء وايتام ومستضعفين ومرضى. تلوح الآن في الأفق القريب فرصة واعدة بسلام عادل وحقيقي. نرجو ان لا يهدرالحزب الحاكم والمعارضة هذه السانحة المواتية لتحقيق السلام في السودان. القبول بالفريق بكري حسن صالح رئيسا للوزراء بداية واقعية لمرحلة جديدة. بكري قادم من بيئة تستند على خبرة آلاف الأعوام في الحكم.وحديثا قدمت الإمام المهدي ونميري عليهما رحمة الله. يجمع بين المؤسسة العسكرية التي فرضت نفسها بحكم الواقع كما ظلت تفعل دائما في السودان وفي الكثير من دول العالم. وبين موافقة حزب حاكم ظل قابض على السلطة فترة طويلة.الموافقة على بكري حسن صالح رئيس لوزراء السودان تفكير عقلاني بشرط أن يحقق السلام وأن يحكم فينا بالعدل وأن يسلمنا لأقرب إنتخابات حرة نزيه تتيح فرص متكافئة للجميع دون محاباة للحزب الحاكم.نرجو له التوفيق في مهامه الصعبة. ونسأل الله ان يوفقنا في أن نَعِيَنُهُ بالنصائح ونُقَوِّمهُ بالأقلام. والحمدلله رب العالمين [email protected]