يعتبر الأستاذ الراحل بابكر بدري رائد تحرير المرأة السودانية بإعتباره أول من أسس ورعي تعليم البنات (النظامي) حيث كان تعليم البنات قبله محصوراً في بعض الأسر من بنات شيوخ الخلاوي وقتذاك . الأستاذ الراحل /محمد ورديّ هو رائد التنوير المعرفي والثقافي والتبشير بذلك الوعي الجديد والغريب أيضاً علي مفاهيم وثقافة المجتمع السوداني وقتها وذلك من خلال الكلمات والألحان والموسيقي التي إنتقاها بعناية ودراية وعلم ومنهجية لتصب في هذه الوجهة ، وسار علي ذات الطريق الذي رسم خطاه (خاله) المناضل الفنان الراحل/ خليل فرح والذي أصبحت (عزة) في عصره رمزاً للوطن بأسره ، واثباً فوق (عتبة) مضامين أغاني الحقيبة والتي كانت تصوًر المراءة ك (قارورة) ومجالاً للتباري في تعداد مفاتنها والوصف الحسي والجسدي المبتزل . و أغاني الحقيبة هي إمتداد تاريخي لأغاني وقصائد الغزل العربي البدوي المنداحة اليهم من الثقافة العربية الصحراوية ونظرتها لل (حريم) فأغاني الحقيبة تنضح بالغزل الحسي والوصف الجسديّ . علي نسق : كأن مشيتها من بيت جارتها مر السحاب لا ريث ولاعجل فما عادت القيم الجمالية حتي الوصفي منها مواكبة لهذا الجيل فالتغني والتغزل في المرأة (الكسولة ، السمينة ، المثقلة بالحلي والذهب ) صار مثاراً للتندر والضحك !! الأستاذ الراحل/ محمد ورديّ سليل ثقافة عريقة تمجّد وتبجّل المراءة في حراكها الأنساني/ الأجتماعي مع الرجل ، فالبيئة والتراث النوبي يحترم المرأة العاملة ومشاركتها للرجل في الزراعة والحصاد وكل ضروب الحياة . إضافة لثقافته المكتسبة من خلال ميوله الفكرية التقدمية وإنتمائه الباكر لأول حزب يفتح عضويتة للمرأة السودانية ، وناضل معها كتف بكتف حتي انتزعت حقوقها المدنية حق الأجر المتساوي للعمل المتساوي وحق الإنتخاب والترشيح والعمل في السلك القضائي كل تلك الخلفيات والمرجعيات التراثية والفكرية والثقافية ، قادت فكره الفني والأبداعي لرسم تلك اللوحة الزاهية الجميلة للمرأة السودانية وتجلت تلك الصورة الباهرة السطوع في كلمات وألحان وموسيقي وابداع الرائع الجميل/ ورديّ . ففي رائعته التي غنّاها في منتصف ستينات القرن الماضي : (سودانية تهوي عاشق ود بلد في عيونا المفاتن شي ما ليه حد الأغنية سياحة فنية ابداعية في ربوع الوطن الكبير. بتاريخه وجغرافيته الغني بتعدد ثقافاته ومناخاته و سماحة وطيبة أهله وجمالهم والتي بالضرورة المرأة/ الحبيبة جزء لايتجزاء من هذا الفيض الجمالي الأثر . تتجلي روعة الأغنية في أنها نقلة نوعية في مسار الأغنية السودانية ونقلتها من (تعداد مفاتن جسد المرأة) الي التغني بجمال ومفاتن وجمال الوطن والتغزل في سماحة أهله و مسلطة الضوء علي (تعدد) الألحان والأيقاع والموسيقي والرقص في مختلف أقاليم الوطن مع (الوحدة) والتي هنا هي المرأة/ السودانية التي تهوي عاشق ودبلد. السمبلاية ثورة الأغنية العاطفية ورديّ في ثنائيته الخالدة مع شاعر الشعب الأستاذ الراحل/ محجوب شريف لهما الرحمة أعادا تأسيس او دوزنا مخيلة ووجدان الشعب السوداني علي أسس جديدة للعلاقة بين الرجل والمرأة او العلاقة العاطفية بينهما والتي أساسها حب الجزء من حب الكل او العكس صحيح ، فأغنيات : جميلة ومستحيلة ، أحبك أنا مجنونك ،و وردة صبيّة هي ترسيخ لتلك المعاني والمفاهيم في المخيلة والوجدان السوداني ، وصارت المرأة هي الوطن /القضية وهذا شرف باذخ للمرأة السودانية ،وإرث مجيد في مسيرتها القاصدة للتحرر والإنعتاق . الأغنيات السابقة كانت (انتقالية) فرغم غناها بالمفاهيم الجديدة التي ذكرناها إلا انها لم تتخلي عن القديم فنجد جمال العيون ...الخ ، اما الأغنية الثورة فهي : السنبلاية : يوم ما عرفتك اخترتك سعيد البال لا جيتك قبيلة ولا رجيتك مال ولا مسحور ويوم ما كنتَ في عيني أجمل من بنات الحور لاحظ يوم ماعرفتك !! لم يقل او لم يقولا : يوم ماشفتك !! تجاوزت الأغنية مفاهيم الحب الكلاسيكي (نظرة/بسمة فلقاء) الي مستوي (المعرفة) وهي أعلي درجات الوعي الأنساني ، فالنظرة الأبداعية تخطت المظهر الي عمق الجوهر . (لا جيتك قبيلة ولا رجيتك مال ) .... ولا مسحور ولاكنت في عيني أجمل من بنات الحور !! تجاوز وبوعي تام لكل ماهو سائد في الغناء التقليدي ،فما عاد مسحوراً بجمال وسحر المرأة كأنثي (female) انتقلت الأغنية بنظرتها للمرأة كمرأة لها قضية ولها دور مكمل ومناصف تماماً للرجل في المجتمع (gender) مع ملاحظة أن تاريخ الأغنية سابق لمجمل القوانين والمفاهيم الخاصة بمسألة الجندر وإتفاقيات (سيداو) !! مع ملاحظة الحضور الشفيف والكثيف للمراءة السودانية في معظم أغنياته وأناشيده الوطنية جنباً الي جنب مع الرجل السوداني تبجيلاً وتمجيداً لدورهما المشترك في بناء المستقبل/الحلم، وعلي سبيل المثال : (يا راية منسوجة من شموخ النساء وكبرياء الرجال) (عرس السودان للأستاذ/ محمد الفيتوري) (بناتك عيونن صفاهن سماي وهيبة رجالك يتسند قفاي ) (وطنَّأ للأستاذ/ محجوب شريف) اللهم ارحم ورديّ والمحجوب بقدر ما أعطيا هذا الشعب من فيض روحهما السمحة الجميلة ، وبقدر ما وطّنا وكّرسا قيم الخير والحرية والعدالة والسلام ، فقد كان جميلان يحبان الجمال .اللهم وفق بنات وأبناء الشعب السوداني لأستلهام ارثهما الثقافي/الأبداعي الزاخر، واجعل اللهم فنهما قنديلاً ينير لهن/لهم عتمة الدياجر في دروب سيرهن/سيرهم القاصد نحو الحرية والتقدم والسلام والإزدهار .... اللهم آآميين . عثمان عبدالله الحصاحيصا [email protected]