الأحداث السودانية اصبحت تترى على نحو كثيف، ومتسارع للدرجة التى لا يمكن أن يكتفى المراقب بالتركيز على موضوع واحد. فى وقت يشعر فيه بأن كل موضوع يستحق التوقف عنده والتعليق عليه وفى ذات الوقت. يشرفنى أن أقول بأنى أنتمى لأهل هذا الأقليم المسمى "بجبال النوبة" بشكل أو آخر ولا داع أن أجتر التاريخ. وفى نفس الوقت لا يهمنى أن يقال عنى "جلابى" مهمش من المركز. مثل كثير من أهل "المركز" الذين اصبحوا مهمشين. والحقيقة هى أن هذا "التعريف" اصبح يفتقد "لبريقه" ولزخمه. بعد أن اصبحت الأعذار والمبررات تساق بطرق عديدة لإخراج "المتعاونين" مع ذلك "المركز" من أبناء "الهامش" فى وقت اصبح كثيرون منهم هم الذين يقودون النظام مثلما يقودون عمليات القتل والقمع. لا تبعا ومستغلين كما كان يروج فى وقت من الأوقات. للأسف تبرر مواقفهم ويعذرون حتى لو ظهر منهم "قبح" يفوق الذى يقال عن المركزيين. لقد صدق ذلك "الكاتب" المعروف حينما خاطب شباب من "المهمشين" ذات لقاء قائلا. " لماذا ترفضون من تعتبرونه منتميا – جغرافيا – للمركز إذا كان يقف الى جانب قضايا المهمشين ويدافع عنها بإخلاص"؟ الشاهد فى الأمر أنا لا أخشى من تلك "التهمة" التى اصبحت ترمى فى وجه كل من ينتمى الى ذلك المركز "جغرافيا"، لكى يمتنع من الإدلاء بالحقيقة كما يراها. وأن يتحفظ من التعليق على الأحداث الوطنية الهامة التى تؤثر على مسار الوطن وتؤخر من عجلة التغيير. يمزقنى الحزن والألم وأنا أتابع المهددات والمخاطر والتجاذبات التى تواجه مشروع "السودان الجديد". ولقد كنت من ضمن الذين إقتنعوا فكريا بهذا المشروع وأنفعلوا معه وجدانيا وغنوا له ودافعوا عنه بالرأى والقلم. للأسف اصبح ألان "إفشال" هذا المشروع لا يهم عدد من الذين دافعوا عنه ذات يوم "بالسلاح" وكانوا مستعدين للتضحية من أجله بأرواحهم. يا ايها الرفاق .. "النوبة" عنصر اصيل فى النسيج السودانى وسهمهم مقدر فى مشروع "السودان الجديد". لا ينكره غير جاحد، إذا كان ذلك قبل إنفصال الجنوب أوبعد إنفصاله. لكن الأمانة تقول أن أقليم "جبال النوبة" ليس وحده "الحركة الشعبية"، بل هو جزء هام ومؤثر فى تلك الحركة. وشخصى الضعيف لا أدافع عن اسماء أو اشخاص من أى طرف من الأطراف، نحن وهم زائلون – جميعا - مهما بلغنا من عمر على وجه هذه الأرض. صاحب الرؤية والمشروع نفسه، قد ذهب الى ربه يرحمه الله. وهو الذى عدد بالسانه جميع "الثقافات" السودانية وأعترف بها وقال أن مشروع السودان الجديد يضم جميع هذه الثقافات دون تمييز أو عنصرية أو هيمنة. لذلك فأنا أدافع عن هذه "الرؤية" وعن بقاء "المشروع" معافى وقويا حتى يحقق نجاحه وأن يصل الى غاياته. ومن أجل ذلك لابد من نكران الذات والبعد عن التفكير فى مكاسب شخصية وذاتية. والإلتزام بالديمقراطية والمؤسسية، حتى لو لم يلتزم بها البعض . وعلينا أن نعرف بأن "الثورات" أحيانا لا تتمكن من الإلتزام بتلك "المؤسسية" على نحو مثالى وكما يلتزم بها فى الدول الديمقراطية المستقرة. إذا كانت الإنظمة مثل "النظام" الذى يحكم السودان الآن لا يلتزم بالمؤسسية منذ أن جثم على صدر الوطن. بل لا يلتزم بتعهداته ومواثيقه التى يوقع عليها مع الآخرين. وأنا هنا لا اؤيد ممارسات ذلك النظام أو أدعو لإعتباره "نموذجا" يحتذى. لكن هو يعرف فى لغة السياسة بأنه "نظام" يحكم دولة، بينما تعرف حركات المقاومة بأنها حركات "متمردة" مهما كانت أخلاقية ومثالية. أيها الرفاق .. أعلم أن البعض هدفه نبيل وصادق ومخلص على الرغم من إفتنقادهم للرؤية العميقة ومالآت المستقبل والنهائيات، إذا هم واصلوا السير فى الطريق الذى سلكوه. وبعض آخر لا يهمه من الأمر شيئا حتى لو سقط المشروع وأنهد المعبد على رؤوسس الجميع على طريقة "شمشون الجبار" على وعلى أعدائى. وهنالك نفر مهما قل عددهم نظرتهم للأمور "تنحصر" فقط فى زاوية المصالح والمكاسب الشخصية والمادية التى تحققت ذات يوم ثم توقفت. علينا أن نعترف جميع هذه الأنماط موجودة ويضاف اليهم من يريد الأصطدياد فى الماء العكر – تصريحات الطيب مصطفى وأمين حسن عمر وأبراهيم محمود – نموذجا. المثل السودانى يقول "بعدما لبنت ما تديها للطير". ومعناه معروف ولا يحتاج الى شرح. والذى اقصده أن "النظام" العنصرى الدموى الإسلاموى الذى سعدت قياداته غير "الوطنية" بالذى يدور فى الحركة الشعبية هذه الأيام. أن "نظامهم" فى حقيقة الأمر فى اضعف أوقاته وأكاد أرى سقوطه اسرع مما يتصور أى إنسان. إضافة الى ذلك فهو يواجه ضغوطا اشد مما كان عليه الحال قبل أن يصدر "اوباما" قراره برفع "مشروط" للعقوبات تنفذ بعد 6 اشهر، مضى نصفها. لا تغرهم دعوة رئيس جهاز الأمن والمخابرات الى مبنى "السى. آى . آيه". ومن قبله دعوة رئيس البرلمان الى الكونجرس الأمريكى التى سمع خلالها عن برلمانه وتقاعسه من الدفاع عن حقوق المواطنين، ما لم يقله مالك فى الخمر. على سبيل المثال وقبل يومين أدلى مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بتصريح إنتقد فيه النظام. سبب لهم إزعاجا، وجعلهم يندهشون ولا يصدقوا انه صدر من مسئول أممى. وقبل أن يسمعوا نفيا أو تكذيبا له – كما خيل اليهم وتوقعوا - أدلى الأمين العام "شخصيا" بتصريح اشد واقوى من ذلك سوف يصيبهم بالإحباط والذهول. حيث إتهم "السودان" بإرتكاب أعمل العنف ضد المدنيين. وقال الأمين العام " إن قوات الحكومة السودانية هى المصدر الرئيسى لإنعدام الأمن والجريمة فى إقليم دارفور". وأكد على إستمرار تشرد ما يزيد على 2.6 مليون شخص. وهذا منحى جديد، لم يجروء علي قول مثله، الأمين السابق "بانكى أمون" طيلة فترة ولايته. قبل ذلك صرح القيادى فى الحركة الإسلامية "الجميعابى" قائلا. "آن أوان أن ترجع الحرية للشعب السودانى .. طه ونافلع أكلوا خريفهم ومن أتى بعدهم كان اقل منهم". واضاف الجميعابى "الوطنى فشل فى الإصلاح لأنه لم يكن مهيأ له". والايام حبلى بالكثير من المفاجاءات غير الساره للنظام. فإذا كان هنالك "هامش" حقيقة، يعانى من مظالم تاريخية ومن إهمال الدولة السودانية ومن عدم تمتعه بتنمية متوازنة وبمشاركة حقيقة فى الحكم. هل ينشغل نفر من أبناء ذلك "الهامش" بتخوين "رفاقهم" الذين لازالوا ممسكين بجمر القضية ولم يتنازلوا عن مناصرتها والدفاع عنها. وكأنهم لا يتابعون مظاهرات "الفرح" والسرور وسط قيادات "نظام" العنصرية والإبادة والفساد الحقيقى. وإذا كانت السياسة هى فن الممكن، فهل الأفضل المواصلة فى ذلك الطريق الموحش الوعر الذى يفرق ويؤزم ، أم أن يعمل كل مخلص "للمشروع" فى لم الصفوف ورتق الفتق، مهما كلف الأمر، إستعدادا لتحقيق "التغيير" المنشود الذى عمل له الأجداد والأباء. وضحوا بدمائهم الغالية. وهذا هدف لا يمكن أن يتحقق الا بالتمسك بالمبادئ والثوابت المعروفة فى مشروع "السودان الجديد". الذى يرفض الجهوية والقبلية ويؤدى الى قيام دولة فيدرالية ديمقراطية حديثة تسع الجميع. هل ذلك هو الأفضل أم أن نعود للجهوية وللأثنية البغيضة وللعنصرية، فنضيع كل شئ، ونجعل أجيال المستقبل تلعننا على الإستمرار فى ضياع الفرص وإهدارها؟ لابد أن اقول هنا .. لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ 100 % ولا يوجد مشروع سياسى طالما هو إنتاج بشرى أن يمضى نحو غاياته دون أن تقابله مطبات وعثرات. والمؤسف حقيقة أن كثير مما يقال هو من نسيج خيال "البعض" .. ومن "تصديقهم" لإدعاءات وإشاعات العملاء والمغرضين رجالا ونساء الذين باعوا قضية "المهمشين" فى السودان، بثمن بخس وبدريهمات معدودة. إذا كان أولئك "المهمشون" من "الأطراف" أو كانوا من "المهمشين" المحسوبين - جغرافيا - على المركز. مرة أخرى "النظام" الموجود فى السودان اليوم نظام دموى عنصرى يتاجر بالدين من أجل الدنيا. يعمل لبقائه وعلى قدم وساق وفى تناغم وإتفاق تام "مجرمون" يقتلون السودانيين من أى جهة كانت. طالما شكلوا خطرا على النظام ولم يرضخوا أو ينصاعوا لأجندته. ولم يقبلوا بالدنئية وبالفتات وبعدم المساواة فى وطنهم. من بين أولئك "القتلة" من ينتمى للمركز ومنهم من ينتمى "للهامش". أخيرا .. تاسفت كثيرا وأحزننى خبر موت الشيخ المسيحى/ يونان غدرا فى حادثة كنيسة "المسالمة". ذلك الحى الذى تعلمت فى مدرسته "المسالمة" الأولية "ب" أن أخط الخط لأول مرة فى حياتى ونهلت من ثقافة التسامح والتعائش الدينى والإجتماعى المشترك فى ذلك المكان، الذى كان متفردا فى كل شئ. سلام وصداقة وقيم سودانية وحب وفن ورياضة وجمال. تاج السر حسين – [email protected]