"أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    كشف تفاصيل القصف على فندق مارينا في بورتسودان    صور خاصة للعربية للحرائق في ميناء بورتسودان عقب هجوم بمسيرة    . إلغاء رحلات جوية عقب استهداف مطار بورتسودان بمسيرة    الناطق الرسمي للحكومة: قضية الأمة السودانية ضد دولة الإمارات لن تتوقف عند محطة المحكمة الدولية    ما هي "الخطة المستحيلة" لإيقاف لامين يامال؟ مدرب إنتر يوضح    ((منتظرين شنو أقطعوا العلاقات واطردوا سفيرهم؟؟))    تركيا تعلن استنكارها استهداف المرافق الحيوية ببورتسودان وكسلا بمسيرات المليشيا المتمردة    كيف سيواجه السودان حرب الصواريخ والمسيّرات؟!    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط سخرية الجمهور.. خبيرة تجميل سودانية تكرم صاحبة المركز الأول في امتحانات الشهادة بجلسة "مكياج"    شاهد بالفيديو.. أفراد من الدعم السريع بقيادة "لواء" يمارسون كرة القدم داخل استاد النهود بالزي الرسمي والأسلحة على ظهورهم والجمهور ينفجر بالضحكات    عبد الماجد عبد الحميد يكتب: معلومات خطيرة    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    تشفيره سهل التحرش بالأطفال.. انتقادات بريطانية لفيسبوك    ((آسيا تتكلم سعودي))    "فلاتر التجميل" في الهواتف.. أدوات قاتلة بين يديك    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    المريخ يواصل عروضه القوية ويكسب انتر نواكشوط بثنائية    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لابد من صياغة مفهوم جديد للعلاقة بين المركز والهامش
نشر في الراكوبة يوم 29 - 08 - 2015

أعلم أن هذا الطرح ومن عنوانه سوف يقابل برفض من (البعض) وسوف يسعى ذلك البعض لهدم الفكرة من جذورها بأنحراف الحوار من جوهر الموضوع الى جوانب (هامشية)، فذلك (البعض) مصالحه تضارب مع تقبل فكرة أن المركز ليس كله واحد وفيه قطاع كبير من الوطنيين الشرفاء يهمشون من (المركز) وفى ذات الوقت يهمشون من (المهمشين)، اليس ذلك أمر عجاب؟
مشكور الدكتور ابكر آدم إسماعيل بإخراجه لكتابه((جدلية المركز والهامش ... قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان)) الذى عرفت منه شخصيا وهو عالم متواضع، بأنه قد بدأ الكتابة فى ذلك السفر القيم منذ زمان بعيد ومنذ أن كان طالبا فى جامعة الخرطوم، وقد أطلعنا (مجموعة) على ذلك الكتاب وهيأنا أنفسنا للتحاور فيه معه فى منتدى ثقافى، بجوبا لكى نثمن ما هو ايجابى وذلك ما أحتواه معظم الكتاب وأن نشير الى ما هو (ناقص) وكان يستحق الإهتمام والمزيد من الإستفاضة، مثل السبب الذى يجعل نخب (الهامش) تحجم فى نقد أخطاء وسلبيات (المهمشين) التى تصل درجة الصمت عما لا يجب الصمت عليه ومثل النقاط المطروحه فى هذا المقال.
أخبرنى د. ابكر، أن ظروف عديدة حالت دون حضوره فى ذلك الوقت لمناقشة كتابه القيم.
المهم فى الأمر من خلال ذلك الكتاب تشكلت وتعمقت رؤى وأفكار جديدة، فالدكتور/ ابكر آدم اسماعيل أكاديمى وباحث ومثقف، يمكن أن يعد كتابه هذا أفضل (معبر) علمى عن إنسان الهامش وقضاياه وجذور ذلك التهميش الذى يمتد الى ما قبل ظهور الدولة السودانية (الحديثة)، وهذا المقال ليس نقدا لذلك الكتاب الذى يحتاج الى وقت أطول والنقد على غير مفهومنا السودانى لا يعنى الحديث عن الجوانب السلبية عن أى موضوع بل يعنى التوقف عن الإيجابيات والسلبيات من الزوايا المختلفة.
المهم فى الأمر أن التعرض لسيرة ذلك الكتاب كانت مهمة لأنه كان محفزا لكتابة هذا المقال، إضافة الى استعراض صور ومواقف، ربما فى وقتها لم يهتم بها شخص مثلى كما حدث بعد أطلاعى على ذلك الكتاب.
فالذى يدور الآن من صراع (خفى) وإقصاء وتهميش موجه من إنسان (الهامش) خاصة فى المنافى والمهاجر، نحو التيار (الوطنى الديمقراطى) المحسوب علي (المركز) بتصنيف جغرافى أو قبلى، يثير الكثير من علامات الإستفهام والمؤسف فى ذلك الصراع أو (الإقصاء) أنه يصل درجة (التخوين) والعمالة لأناس من (المركز) أو هم محسوبين عليه عانوا من النظام فى كل جوانبهم الحياتية، بل وصل التعذيب والتهديد درجة التصفية الجسدية، ثم بعد ذلك كله (يخونون) ويجدوا أنفسهم فى وضع مضطرين فيه للدفاع عن أنفسهم أو للإنزوا وكلاهما مر.
لا يستطيع عاقل ومثقف أن ينكر هنالك ظلم مرير أمتد لسنوات طويلة طال (الهامش) الذى اصبح تعريفه (الغالب) فى الوقت الحاضر يعنى الإنسان السودانى فى جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق ومناطق البجا، ولا يدخل فى ذلك أى (مهمش) آخر مهما كانت حالته وحجم التهميش الذى لحق به.
فى ذات الوقت اصبح تعريف (المركز) يعنى إنسان الخرطوم أو العاصمة مضافة اليه بعض المدن والقبائل السودانية، أو ما عرف بصورة عامة (أبناء) الشريط النيلى الشمالى، لا(سكان) تلك المناطق، وهذا التعريف ضرورى لكى لا يشمل أبناء (الهامش) حتى لو اقاموا فيها منذ زمن بعيد وأمتلك بعضهم السلطة والثروة بتحالفهم ووضع يدهم فى يد الإنظمة (المركزية) المتعاقبة ومن بينها أكثرها سوءا وهو النظام الحاكم اليوم فى (الخرطوم) الذى يطلق عليه بعض من المهمشين النظام (الإسلاعروبى)، وفى نفس الوقت لا يعد من ضمن (الهامش) ذلك المواطن المنحدر من تلك القبائل (النيلية) حتى لو اقام جدوده فى مدينة مثل الفاشر – مثلا - لأكثر من 50 سنة ، مع أنك فى أمريكا يمكن أن تصبح مواطنا بعد 5 سنوات ويكون من حقك بعد ذلك أن تترشح لرئاسة الجمهورية.
فى أكثر من مناسبة قلت أن أى قضية سياسية أو ثقافية هامة وضخمه تحتاج الى (شعار) أو عامل أساسى يمنحها الزخم ويجعلها تلفت الأنتباه ٌأقليميا وعالميا وتحظى بالدعم والمساندة الوجدانية قبل الماديه، على شرط أن يكون ذلك الشعار صادقا وحقيقيا، حتى لا تموت القضية ولا تجد الدعم إذا كان الشعار كاذبا و(مختلقا)، مثلا قضية العنصرية التى كان يواجه بها (اللون) الأسود فى السودان بتدرجاته المختلفة، أو قضية الأنحياز للإثنية العربية – إذا كانت فعلا موجودة - ضد الأثنية الأفريقية أو النوبية، التى يطال فيها التمييز أحيانا كثيرة ولو على درجة (خفيفة) نوبة الشمال الذين تأثروا بالثقافة العربية أو فرضت عليهم، بسبب أنهم يتحدثون (بلغة) أخرى غير العربية تسمى خطأ (رطانة).
ذلك أمر مفهوم ومقبول ومبرر وكثير من قادة الثورات فى العالم تبنوا مثل تلك القضايا وجعلوها شعارا وواجهة لقضيتهم ومن بين اؤلئك، القائد الخالد والمفكر الراحل المقيم الدكتور/ جون قرنق، لكن ذكاء ذلك القائد ومعه آخرين، أنهم لم يتخلوا عن قضية شعبهم فى الحدود الضيقة ، لكنهم طوروا أهدافهم وذهبوا بها الى رحاب أوسع ولم يبقوا فقط فى زاوية الشعارات والأهداف (المحدودة)، من أجل كسب تيارات وطنية أخرى لصفهم بعد أن تقدم المد الثورى وأتضحت معالم القضية وماهية الحلول الناجعة لها، فأصبح قرنق بذلك (قوميا) فى طرحه، وشاملا، يعمل من أجل أن يتعائش الناس جميعهم فى دولة سودانية واحدة دون تمييز، بل عمل لكى يوحد (أفريقيا) كلها وخرج بابداعه المسمى بفكرة (السودان الجديد) والتى لازال الوطنيون الشرفاء فى السودان يتمسكون بها على الرغم من (إستقلال/ أنفصال) الجنوب وإستشهاد القائد / قرنق .. ولذلك السبب حينما هبط مطار (الخرطوم) فى 9 يوليو 2005، خرج لملاقاته ملايين السودانيين من كآفة القبائل والقطاعات السودانية وفى أكبر حشد شعبى فى تاريخ السودان منذ إستقلاله، ولذلك أيضا أقترح عدد كبير من الشباب الناشطين فى شمال السودان (مؤخرا) وبعد إستشهاد (قرنق) بسنوات أن يطلق إسمه على شارع (المطار) وهو أهم وأكبر شارع فى الخرطوم.. ولذلك كان لابد أن يرحل (قرنق)، قدرا أو (غدرا)، عن طريق اليوم الذى تم أو بفعل فاعل لا زال مجهولا وإن إقتربت بعض التحليلات من الفاعل الحقيقى، إذا كان دولى أو أقليمى أو محلى.
الشاهد فى الأمر أن قضية الصراع بين الهامش والمركز فى السودان يمكن أن يقال عنها الكثير وأن يعود الناس الى جذور القضية وأن يبحروا مع التاريخ كما فعل الدكتور/ ابكر آدم إسماعيل.
لكنى فى هذه المقال أود أن اتناول زواية أخرى غير مطروقة كثيرا، وهى نقد سلوكيات بعض (الهامشيين) التى تضر بأهل (الهامش) أذا لم يكن اليوم ففى المستقبل وفى زرع عدم الثقة وفى أعاقة تشكيل دولة سودانية حديثة غير مشوهة ومبرأة من (العيوب)، بعد أن انتقدت ولا زلت أنتقد عبر الاف المقالات فى المواقع المختلفة (المركز) ونخبه وقياداته السياسية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومعه فكرة (الإسلام السياسى) الوافدة من الخارج وهى أس البلاء بالإضافة الى بلاوى آخرى.
والهدف من ذلك مهما كان النقد (عنيفا) فى نظر البعض هو محاولة لفتح نافذة للحوار الجاد حول ضرورة صياغة مفهوم جديد للعلاقة بين المركز و أعنى به هنا تحديدا التيار (الوطنى والديمقراطى) العريض المحسوب على (المركز) مع (الهامش)، لكى تتاسس من خلال ذلك الحوار علاقة جديدة تتوفر فيها (الثقة) وأرضية مشتركة، لا نفاقا أو مجاملة بين (الهامشيين) و(المركزيين) الوطنيين ، بل لمصلحة الطرفين ولمصلحة الوطن والأجيال القادمة ومن ثم الإنسانية جمعاء.
على الرغم من إنحيازى (للهامش) وقضاياه بدون تحفظ وذلك موثق فى كتاباتى وأحاديثى وقد أعتبر نفسى جزءا منه من خلال عدة زوايا خاصة من زاوية الرؤية والفهم (الدينى) الذى يختلف مع (المركز) – الإسلا عروبى – كما يسميه البعض أو تحديدا مع السلطة (الإسلاموية) الحاكمة الان فى الخرطوم، والتى لا يدرك البعض خطرها ويظن أن إتفاقا سياسا معها قد يحل الأزمة السودانية، تلك السلطة التى ينتمى اليها عن قناعة ويزود عنها بالروح و(السلاح) ويؤمن بفكرها وفى تطرف شديد، كثير من أبناء (الهامش) ويتولون مراكز قيادية مرموقة وهم على درجة عالية من العلم لكى لا يقال عنهم (مخدوعين) أو مغرر بهم، للأسف كثيرا ما يجد لهم (هامشيون) متعلمون ومثقفون كذلك وعلى قدر كبير من الوعى أعذارا قد تكون مبررة عندهم لكنها لا يمكن أن تقنع اى جهة آخرى، اللهم الا ما سمعته من البعض أن (التقاطعات) فى بعض مناطق الهامش تجعل من ذلك الصمت وعدم النقد بل مجرد التعرض لسلبيات اؤلئك الهامشيين (المتوركين) أكثر من (الترك) مقبولة ومبررة.
كنت أظن من وقت لآخر أن (الجفوة) المفتعلة والتى قد تصل أحيانا درجة (التعمد) من الهامشيين، تجاه التيارات (الوطنية والديمقراطية) المحسوبة على المركز، غير مقصودة أو تدخل فى باب عدم تقدير فردى محدود.
حتى أتضح لى أن البعض وللأسف من بينهم (نخب) ومثقفين لا يميزون بين من يصنفون ضمن (المركز) أو (الشريط النيلى) إذا كانوا ديمقراطيين ووطنيين أم كانوا مثل اشد العنصريين والمتطرفين من (المركزيين) مثل (الطيب مصطفى)، يرونهم جميعا سواء، وفى (سريرتهم) التى يتم (الجهر) بها أحيانا، يرون هؤلاء الوطنيين والديمقراطيين مجرد انتهازيين ومتملقين ومخادعين، يسعون لتحقيق مكاسب من خلال إظهارهم الأنحياز لقضايا الهامش ومناصرتها، لذلك يجب التعامل معهم بحذر أو على نحو (تكتيكى) يستخدمون فيه بحسب النظرية الماركسية (كمغفلين نافعين) حتى يحين الوقت الذى تنجح فيه (ثورة) الهامش بالكامل وتبسط إرادتها، فيلحقوا مع بنى (جلدتهم) وهنا يتطابق سلوك اؤلئك الهامشيين مع فكرة (الإسلام السياسى) التى تعمل (بالتقية) و(بفقه الضرورة) وتنتظر أن ينتصر الإسلام بصورة واضحه وقوية ويعم الأرض، فتفرض على الغرب كله وفى مقدمته امريكا خيارا من إثنين اما الدخول فى الإسلام وتطبيق شرع الله فى الحكم ويصبح الرئيس الأمريكى القابع فى البيت الأبيض (إماما) أو (خليفة) للمسلمين، والخيار الثانى أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون وهناك خيار الثالث غير مطروح لأنه يمكن أن ينفذ قبل ذلكم الخيارين أو بعد طرحمها وهو (القتل) والصلب والقطع من خلاف، فالغرب عند (الإسلامويين) جميعهم ودون إستثناء كله كافر وفاسد ومفسد يحارب الله ورسوله.
لا أود أن أكون مغاليا، بل متفائلا لذلك ففى حقيقة الأمر كثير من أبناء الهامش واعين تماما لمجريات الأمور ومقدرين جهود رفاقهم فى القوى (الوطنية والديمقراطية) المحسوبة على المركز، ولا أود أن أكون مغاليا مرة أخرة فحتى اؤلئك (الهامشيين) الذين ذكرتهم لا يصلون فى درجة الغلو تجاه التيارات الوطنية والديمقراطية المحسوبة على (المركز)، الى وضع مشابه تماما لتلك الفكرة (الإسلاموية) العنصرية الإقصائية الجهادية المتطرفة، لكنهم بدون شك يعملون لدولة لا يوجد فيها مكان أو صوت لمن صنفوهم (جميعا) مركزيين مستغلين دخلاء، لذلك وفى زمن المقاومة والمعارضة وقبل النجاح فى (التغيير) يجب أن تتاح لهم الفرص فى التعبير عن أنفسهم على قدر محدود ولا يسمح ببروز قيادات جديدة من بينهم لكى لا تفكر فى السلطة كباقى أهلهم ، مرة أخرى أذكر هذه رؤية بعض (الهامشيين) لا أغلبهم، لكن المشكلة تكمن فى أن صوتهم كثيرا ما يعلو على صوت الإعتدال والمنطق الذى تؤمن به الأغلبية المهمشة.
فى كل الأحوال اذا اتخذ ذلك النموذج الإسلامى مثالا فى المستقبل أو أتخذ النموذج الأقل منه تطرفا، فسوف يكون مصير هذه الدولة (الهامشية) الفشل، فنحن فى عصر (دولة المواطنة) التى لا يمكن أن تستثنى أحدا، وإذا كانت الدولة الدينية (الإسلاموية) لأنها إقصائية تواجه فى كثير من دول العالم التى تسمى إسلامية وعربية، فما بالك بدولة (إقصائية) تقوم فكرتها على أساس (عنصرى) مضاد؟
ما يجهله كثير من المتبنين لذلك (الفكر) الهامشى الإستعلائى أن نفس المجتمع الدولى والأقليمى الذى يقف الى جانبك الآن (كمهمش) ويتضامن معك، وإن كان على مستوى أقل من المطلوب، لكنه سوف يقف فى المستقبل مع ذلك (المركزى) الذى اصبح مهمشا، إذا وصل للحكم (مهمش) وأظهر تطرفا وعمل على إقصاء الآخرين بدلا من تحقيقه لحقوقه المشروعة وفى ذات الوقت أن يتبنى مشروع دولة يساوى بينه وبين الآخرين، لا أن يعمل على ترسيخ وضع (أحادى) وإقصائى مثل الذى رفضه وثار عليه وقاومه بالفكر والسلاح.
على كل هذا التوجه وذلك كلاهما موجود بين (الهامشيين) ولا يمكن إنكاره، مع التأكيد مرة أخرى بأن الفصيل الغالب هو المتفهم للأمور والساعى لكيفية صنع غد جديد لا يستثنى أحدا، والنوع الثانى الرافض لكل منتم (للمركز) مهما كان وطنيا كذلك موجود وسط قوى الهامش وله فكره ومبرراته اذا كانت مقنعة أم غير مقنعة ويجب الإعتراف بوجوده والعمل على تغيير فهمه الخاطئ للإمور بالفكر والحوار وبالحجة والمنطق لا بسلوك عنصرى مضاد أو بالسباب والشتائم كما يفعل البعض فى مواقع التواصل الإجتماعى كنوع من ردة الفعل.
إاضفة الى ما تقدم هناك فصيل ثالث موجود بين قوى (الهامش) فى حقيقة الأمر لا يعترف (بالهامش) وأهله أنفسهم ولا يعتز بإنتمائه اليه ويظهر ذلك فى سلوكياته وتصرفاته، لكنه يعلن ذلك الإنتماء فقط لكى يحقق مصالح ذاتية ويرى من مصلحته (الخاصة) لا (الوطنية) أن تنحصر دائرة (المظلومية) و(التهميش) والعنف الممارس من السلطة، فى شخصه وإذا أبتعد عن ذلك قليلا لم يتعد حدود مجموعته الضيقه، فى كثير من الأحوال لا تصل الى (منطقته) كلها أو حتى (قبيلته) التى أعتبرت كمناطق وقبائل (مهمشة) وأعترف بذلك المجتمع الدولى كله، ذلك الفصيل يتبنى هذا الإتجاه حتى لا تتوزع المكاسب و(الغنائم) على مظومين آخرين مثله إذا جاءوا من المناطق المصنفة جغرافيا ضمن (الهامش) أو كانوا من مناطق أخرى دعنا نعتبرها من (المركز) أو من الشريط النيلى الشمالى .. هذا مثال ذكره لى صديق عزيز ينتمى للقوى (الوطنية والديمقراطية) المحسوبة على المركز ومواقفه الوطنية معروفة ومناصرته لقضايا (الهامش) لا يشك فيها، حكى لى فى نبرة حزن وحسرة ، بأنه ذهب فى زيارة الى (كينيا) وجلس فيها مدة ثلاثة أشهر، وكلما حاول أن يلتقى بمجموعة محسوبة على (الهامش) تقوم بعمل إعلامى مقدر عنده، من أجل الإشادة بعملهم وأن يتبادل معهم والأفكار والحوارات وظن أنهم سوف يرحبون به ، وجد منهم العكس من ذلك تماما، حيث نأوا بأنفسهم عنه وتعللوا بأعذار تفتقد للصدق ومن بينهم من كان يلتقيه عن طريق الصدفه، فيشعر بالحياء فيحدد له موعدا بنفسه للقاء وهو يعرف دوره الوطنى والثقافى، مثلما يعلم أن ذلك الصديق لا يسعى لمقابلة تلك المجموعة من أجل أى شئ آخر غير التفاكر حول (الهم) الوطنى الذى كان يظنه مشتركا، للأسف إكتشف ذلك الصديق العزيز أن الحقيقة تكمن فى وجهة النظر التى ذكرتها من قبل وهى الإستئثار (بالمنفعة) وعدم فتح المجال لتيارات وطنية أخرى (تزاحمهم) حتى لو لم تؤثرعلى تلك المنفعة التى يحصلون عليه .. أضاف ذلك الصديق العزيز قائلا بنفس نبرة الحزن والأسف، ربما حسبت نفسى وحدى الذى عومل بتلك الطريقة من تلك المجموعة التى تتنافى مع روح النضال والثورة، لكنى عرفت من خلال نفر آخر من بينهم من حمل السلاح من أجل (التغيير)، فؤجئوا كذلك بنفس ذلك (السلوك العدوانى) والإقصائى .. فقال لى صديقى تركتهم بعد ذلك وتخليت عن فكرة مقابلتهم وقلت فى نفسى (اللهم أغفر لقومى فإنهم لا يعلمون).
للأسف اذا وصل مثل أولئك (الهامشيين) المتعالين على رفاقهم، ذات يوم لقمة السلطة، وذلك ليس ببعيد، فأنهم سوف لن يختلفوا فى تعاملهم مع البشر عن السلطة الحاكمة اليوم فى الخرطوم، إقصاءا وتهميشا بل ربما قدموا نموذجا أسوا مما قدمت.
والأمثلة كثيرة التى يمارسها بعض (المهمشين) الذين (يهمشون) غيرهم وينظرون اليهم بإزدراء وإحتقار وعدم مبالاة واذا ذكرت اسماء بعضهم، فسوف لن يصدق البعض وسوف تواجه بردود فعل أشد عدوانية وسوف تتهم بكلما هو قبيح، فثقافتنا السودانية فى (المركز) و(الهامش) لا تختلف كثيرا فى هذه الزاوية (الإنبهارية) غير (الراشدة) تجاه من يمارسون سلوكا مضاد (للقضايا) التى يتبنونها بافواههم، لذلك تكفى الإشارة للأحداث والتصرفات والمواقف دون ذكر الأسماء فما يهم هو (القضية) الأساسية وصنع مستقبل أفضل للوطن والتفكير فى كيفية التوصل لمفهوم جديد يختلف عما هو ممارس فى الواقع الان، وكثير من النشطاء والمثقفين من (الهامشيين) فى مختلف المجالات، لا زالوا وحتى اليوم يتعاملون مع القوى (الوطنية والديمقراطية) المحسوبة على (المركز) بحسب (اللون) و(القبيلة) وبنفس النموذج (الكينى) المؤسف الذى ذكرته.
من جانبى اقول نحن نذكر بهذه التصرفات والسلوكيات التى لا تشبه فكرة (السودان الجديد) الذى نطمح فيه واذا لم نشهده قد تحقق فى حياتنا، نتمنى أن يعيش فى ظله ابناؤنا وأجيال المستقبل فى كآفة جهات السودان، ولن نكون فى يوم من الأيام نتيجة لأى تصرفات أو مغاضبة مثل المتخازلين وضعفاء النفوس، الذين (أختلقوا) مبررات لرجوعهم ووقوعهم فى أحضان نظام (الخرطوم) نتيجة لسوء معاملة من جهة أو لضيق اليد أو بسبب أمل فى تحقيق مطامع من خلال بوابة النضال فشلوا فى تحقيقها، على العكس من ذلك فحتى لو ضاقت بنا المنافى، فسوف نفعل كما فعل (المسلمون) الذين أقتضى صلح (الحديبية) إرجاعهم لأهل (مكة)، فرجعوا فعلا لكنهم لم يصلوا (لمكة) بل (ربطوا) الطريق لمن طالبوا برجوعهم، واذاقوهم الويل والعنت، حتى رجع اؤلئك عن اتفاقهم وطلبوا من المسلمين أن يبقوهم معهم بدلا من أن يعيدوهم، تصرفوا على ذلك الشكل لأنهم آمنوا بفكرة وبمبدأ ولم يخرجوا من أجل مطمع أو منصب أو غنيمة، ونحن مثلهم، نرى لا حل مهما واجهنا من مصاعب وضيم وظلم من هنا وهناك الا فى إسقاط النظام وفى (التغيير) المنتظر لا بالتصالح مع النظام والتحالف معه قبل أن يعود الى رشده ويفكك مؤسساته.
أخيرا .. لا اريد أن اختم هذا المقال، بتقديم المرض وأعراضه دون طرح رؤية مبسطة لشكل العلاقة أو المفهوم الذى يجب أن يصاغ فى تحديد تأسيس علاقة جديدة بين المركز والهامش.
مذكرا مرة أخرى بأنى لا أنكر هنالك تهميش عرقى وثقافى حدث فى السودان ومنذ أمد بعيد .. وأن درجة الظلم و(التهميش) فى حق السودانيين متفاوتة رغم أنه طال بعض الناس حتى فى قلب (الخرطوم) ، لذلك لا ارفض تمييزا أيجايبا يمنح كحق لمن ظلموا وهمشوا حتى (تستعدل) الكفة، لكن من الظلم ايضا أن يتنكر (الهامشيون) مناطقيا، لرفاق (وطنيين) ضحوا بالغالى والنفيس من أجل قضية العدالة والمساواة و(التغيير) وتأسيس دولة سودانية ديمقراطية حديثة، وعليهم الا يتنكروا لوجود مهمشين غيرهم ينتمون للقوى( الوطنية والديمقراطية) المحسوبة من قبلهم على المركز، ما كان صعب عليهم أن يعيشوا فى بحبوبة من العيش كما يعيش البعض فى (الخرطوم) الآن، لو إرتهنوا مواقفهم وباعوا ضمائرهم، بل ربما لو التزموا (الصمت) لا أكثر من ذلك، فمثل هؤلاء يكون الشعورعندهم بالألم ربما يفوق شعور بعض (المهمشين).
الأمر الثانى، لابد أن يظهر من بين ابناء (الهامش) المثقفين الذين لا يتأثرون بتلك (التقاطعات)، من يتحدث ويكتب فى شجاعة وقوة، عن ابناء (الهامش) الذين تنكروا لوطنهم اولا ولمناطقهم المهمشة ثانيا، من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية والذاتية، مبررين سلوكهم المخزى ذاك بميلهم لما يجمع ولا يفرق، إضافة الى سبب آخر أشد خطورة لا يحتاج الناس الى أن يسمعوه منهم وهو انتمائهم (للهوس) الدينى ولتيارات (الإسلام السياسى) المختلفة، التى تتبنى مشروع الدولة الدينية (الإسلاموية) التى لا تعترف بما يسمى بالدولة الوطنية الحديثة ذات الحدود المعروفة، فهو مشروع فى الأساس ضدهم قبل أن يكون ضد الآخرين لأنه يميز البشر بسبب لونهم والأمثلة كثيرة من المنهج نفسه.
وعلى ابناء (الهامش) المستنيرين المدركين لحقيقة الصراع وكيفية حل المشكل السودانى أن يكتبوا ويتحدثوا ويدينوا هذه السلوكيات التى تفرق ولا تجمع وتبعد الناس عن بعضهم بدلا عن أن تقرب المسافات، بخلاف ذلك يبقى هذا الصراع فى مكانه مستمرا ولا يمكن أن يتوصل الناس لحلول ناجعة بل تزيد الإختلافات وتتجدد الحروبات الأهلية ويستمر كل طرف يرمى باللوم على الطرف الآخر، بدلا من العمل على معالجة أخطاء الماضى والحاضر متطلعين الى غد ومستقبل أجمل وأفضل.
تاج السر حسين – [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.