مصر، كانت ولا تزال تشكل عبئا على السودان سياسيا واقتصاديا... فقد ضحى السودان بمدينة وادي حلفا وما حولها عند بناء السد العالي دون مقابل وحلفا ليست مدينة عادية كمدن السودان الأخرى ولكنها كانت تضم بين جنباتها تاريخ أعظم حضارة عرفتها البشرية في تاريخها وبذا فقدَ السودان جزءً كبيرا من ذاكرته التاريخية التي ترقد في قاع البحيرة... والخطأ الأكبر كان على جانب حكومة عبود التي فرطت بكل سهولة لهذه المنطقة... فللدول خط أحمر لبعض المسائل لا يمكن تجاوزه إلا باستفاء شعبي عام وكان هذا الخطأ ضمن الخطوط الحمراء التي تجاوزتها حكومة عبود... عند توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد مع اسرائيل يكاد السودان هو الدولة الوحيدة التي وقفت بجانب مصر في محنتها في حين أن جميع الدول العربية قاطعتها ونقلت الجامعة العربية الى تونس وهذا دون مقابل ولو وضعت مصر في ذلك الموقف لطالبت بمقابل ثمنا لوقفتها تلك... واحتلت مصر حلايب ضاربة بكل الأعراف والمواثيق الدولية التي تثبت ملكية السودان لحلايب.... فمصر تحركها المصالح المادية الذاتية بعكس العرب التي تولي جانبا كبيرا للمبادئ الدينية والأخلاقية التي تربَّت عليها... فحين زار خادم الحرمين الشريفين لمصر قبل أشهر وفي معيته بشريات اقتصادية كبيرة من بينها بناء جسر الملك سلمان على خليج العقبة بين السعودية ومصر ومد مصر بالنفط ومنح أخرى، سارعت مصر واقرت بتبعية جزيرتي (تيران وصنافير السعوديتين أصلا وتقع ضمن الحدود الاقليمية للسعودية) وحينما ظهر بعض بوادر الخلاف بوجهات النظر بين المملكة ومصر بشأن سوريا، تنصلت مصر من الاتفاقية وتنكرت لتبعية الجزيرتين للمملكة وعلى هامش مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في الاردن مؤخرا وتوجيه خادم الحرمين الشريفين للرئيس السيسي لزيارة المملكة، اعترفوا مرة اخرى بتبعية الجزيرتين للمملكة!!!!! العلاقة بين مصر والسودان لم تأخذ سياسة ندية بقدر ما كانت سياسة (تابع ومتبوع)، فالسودان كان ينظر الى مصر نظرة الشقيقة الكبري في حين أن مصر كانت تنظر للسودان نظرة مصلحية بحتة، كانت تنظر للسودان كعمق استراتيجي واقتصادي لها والى يومنا هذا تريد مصر من السودان أن يضحي من أجلها لكي تعيش هي... ولكن بدأت الحكومة السودانية تعي مؤخرا سياسة المصالح بين الدول، فمثلما تضع مصر مصالحها أولا على السودان أن يضع مصالحه أولا نصب عينيه كما عليه أن يبني جسور الصداقة حسب مقتضى مصالحه المادية لا العاطفية التي لم تَجُر اليه غير الكوارث والنكبات السياسية والاقتصادية فحتى الصراعات التي يدور في فلكها السودان حتى الآن جزء كبير منها بسبب السياسة المصرية الغير سويه تجاه السودان ولكن العبء الأكبر يقع على السودان الذي يجب أن يعي ما يُحاك ضده في الخفاء وما اصرار الحكومة المصرية على محاولة تمديد العقوبات للسودان ببعيد... [email protected]