أثارت المعلومة التي فجرها الاستاذ عبد العظيم عوض الأمين العام لمجلس الصحافة والتي مؤداها أن بعض رؤساء التحرير طالبوا بالرقابة القبلية ، موجة من اللغط والجدل في أوساط الصحافيين عامة ومابين رؤساء التحرير خاصة ، اذ استنكر واستهجن مثل هذه المطالبة عدد من رؤساء التحرير الذين استطلعتهم بعض الصحف عن رأيهم فيها ، والرأي عندي أن عبد العظيم لم يكذب ولكنه لم يكن دقيقا في معلومته ، صحيح أن بعض رؤساء التحرير قد عبروا عن تفضيلهم للرقابة القبلية على البعدية التي تتم فيها مصادرة الصحف بعد الطباعة ، ولكنني أستطيع التأكيد بأن ذلك لم يكن رأي بعض رؤساء التحرير وحدهم بل كان رأي طيف واسع من الصحافيين تداولوه في مناقشاتهم الخاصة ، وحجتهم في ذلك هي اذا كان لابد من رقابة فالأفضل القبلية وليس البعدية ، كما أستطيع أن أؤكد أنه ما من رئيس تحرير واحد قد تقدم رسميا للمجلس بخطاب يحمل امضاءه مطالبا بالرقابة القبلية، وغالب الظن أن الاستاذ عبد العظيم قد سمع ذلك من بعضهم في ونسات أو مناقشات جانبية غير رسمية .. هذا الجدل حول القبلية يعيدنا نحو أربع سنوات للوراء حين أعلن النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه رفع الرقابة ، استقبل الصحافيون وقتها هذا الاعلان بحفاوة وارتياح بالغين ، كما أذكر أن مجلس الصحافة يومها كان قد سارع لإصدار بيان رحب فيه بهذه الخطوة التي طالما انتظرها الصحافيون وظلوا في حالة ترقب لها، وبعد ان اعرب المجلس عن امتنانه للقرار، أكد ثقته في المجتمع الصحفي ورهانه عليه في إحداث التوازن المطلوب بين الحرية والمسؤولية في الممارسة الصحفية، وكان السيد النائب الاول السابق قد امّن على حق الصحافة في امتلاك المعلومات والحقائق التي هي سداة العمل الصحفي ولحمته وأن الصحافة لن تنهض وتتطور في ظل تغييبها وتهميشها وإقعادها عن اداء هذا الدور الذي هو حق أصيل للرأي العام قبل ان يكون للصحافة التي اكتسبته بالوكالة، ولهذا فإن اي انتقاص من هذا الحق أو سلبه جزئيا أو كليا انما هو انتقاص أو سلب لحق المجتمع في المقام الاول، وبالضرورة ليس هناك حق مطلق سوى الذات الإلهية ...مقابل اي حق هناك واجب ومسؤولية، فإن تتمتع الصحافة بحقها في الحرية فذلك لا يعني انها حرية بلا سقوف تجعل من الصحفي ديكتاتوراً يكتب ما يشاء وبالطريقة التي يشاء ومتى يشاء، يسب ويشتم من يريد بلا حيثيات وإنما على سبيل الابتزاز والانتصار للذات وشح النفس ويثير الفتن والنعرات وينشر الاكاذيب والاباطيل، ويمارس القذف والنميمة وإشانة السمعة، ويلوّن الاخبار ويجيّر المعلومات ويلوي عنقها لخدمة اهداف لا صلة لها بالحقيقة، ويلهث وراء الإثارة الضارة التي تبلبل افكار الناس وتشوّش عليهم، إلى آخر مثل هذه الممارسات والاساليب التي لا تخرج الممارسة الصحافية عن اطارها المهني الصحيح فحسب بل تجعل من مقترفها مرتكباً جريمة استحق عليها عقاب القضاء، فالصحافة الحقة مهنة محترمة ومسؤولة وهي لسان حال ومقال الامة بأجمعها تنوب عن الجماهير في عكس آلامها والتعبير عن آمالها الآنية والتبشير بتطلعاتها المستقبلية، وهي عين الشعب التي تراقب ومنظاره الذي يفحص ويكشف مواطن الخلل ومكامن الفساد والقصور، وهي مصباحه الذي يسلط الاضواء على البؤر المعتمة والمظلمة، وهي طبيبه الذي يضع يده على الداء، ومهنة بهذه الجسامة والضخامة من المسؤوليات كان لا بد لها ان تؤدى بكل دقة وصدق وموضوعية وتوازن ولهذا احاطت نفسها بسياج من المحددات والاخلاقيات والاستحقاقات المهنية التي تعصمها ما أمكن من الانزلاق هي نفسها في مهاوى الفساد .. الصحافة