هنا تحدي.. كلنا عشائريين/قبليين نعيش في التاريخ القديم.. فقط البعض منا ينكر والبعض يجهل الحقيقة! أنت وأب وأم تشكلون ما يسمى في علم الإجتماع "أسرة نووية".. أنت وأب وأم وجد وجدة وخال وخالة وعم و عمة تشكلون أسرة ممتدة وهي نواة العشيرة. عندك أنت أب وأم وجد وجدة وخال وخالة وعم و عمة عندهم ذات السلسلة من القرابة (وشائج الدم) إذن تلك عشيرتك وهي نواة القبيلة. في الغالب العشيرة لا إسم لها لانها وحدة مشعورة ولكن للقبيلة أسماء مثل البطاحين والجعليين والحلنقة والأمرأر والزغاوة والمحس والغلفان والتامة وبني هلبة. وبما انه عندك قبيلة بالضرورة لا بد أن يكون عندك عرق (عربي/نوبي/بجاوي/فوراوي/فونجي/ إلخ). وهذا بالضبط التقسيم الحاصل في السودان في أرض الواقع. وعلى أساسه يكون السلام والحرب والدولة والمخيال الإجتماعي. وإن أنت ولد أو بنت متطور/ة ومتمدن/ة ولا تهتم بل تكره العشيرة والقبيلة كبنيات تاريخية مشوشة ويقع عليهما هجوم كثيف من البعض بالذات المتعلمين؟. توقف قليلا أنت وهم مخطأون أو قل غير واقعيين أو حالمين!. هل أنت على اتصال بوالديك وتتبادلان أي نوع من المصلحة المشتركة؟. إذن أنت عضوء في الأسرة النووية. هل أنت على اتصال بجدك وجدتك وخالك/خالتك وعمك/عمتك وتتبادلان أي نوع محتمل من المصلحة المشتركة أي كانت مثل الذكريات والأحاجي والشاي والقهوة والطعام وربما البيزنس؟. إذن أنت عضوء في الأسرة الممتدة.. وما أحاجي الحبوبات والحكايات البطولية والوعظ الصريح والاخر المغلف إلا الحاضنة لشفرات (دي إن إيه) العشيرة. هل فعل ويفعل أبوك وأمك وجدك وجدتك وخالك/خالتك وعمك/عمتك نفسي الشيء؟. أي لديهم ذات شبكة العلاقات مما يليهم من الأقرباء في الدم؟. إذن تلك عشيرتك ولو لم يكن عندها إسم. تستطيع أنت بنفسك أو الآخرين في بعض الأحيان تسميتها ولكن في الغالب لا أسماء للعشائر فقط القبائل لأن لا حوجة كون العشيرة واضحة وملموسة في الحياة اليومية. في أوروبا مثلاً لا يحدث مثل هذا، بل تطور وشائج الدم يقف فقط عند الأسرة النووية ويتبعثر الأبناء في العادة في عمر 18 سنة ولا أحد يعرف الكثير عن جده وجدته مثلاً ولا توجد حجاوي ولا أساطير ولا مصلحة عملية مشتركة.. فيما خلا أسر محددة أحتفظت بذاتها كعشائر لأسباب عملية مثل الأسر المالكة في بريطانياوهولندا وأصحاب الشركات القديمة التي أنبنت منذ البدء على البيزنس المشترك مثل ميرسيدس في ألمانيا وهينيكن في هولندا وجين ووكر في بريطانيا. المجتمع في اوروبا يقوم على بنيات تقسيم العمل وهي بنيات معقدة التركيبة بينما البنيات الإجتماعية في معظم الشرق تقوم على البنيات البسيطة غير المعقدة وهي بنيات وشائج الدم كما بنيات الغيب "الطوائف الدينية مثال". في الغرب هناك دولة حديثة ومجتمع مدني حديث وسوق حديث فلا حاجة ماسة للأسرة النووية ولا الممتدة بالتالي لا توجد عشيرة ولا قبيلة كما أصبحت الطوائف الدينية أشبه بحالة فلكلورية. . هذا طبعاً بإختصار. ولا تفاضل بين الثقافات نحن هنا فقط نحاول قراءة الواقع! تلك البنيات التاريخية في مجتمعاتنا الشرقية مازالت فاعلة وقائمة بشكل لطيف أو غليظ لأن هناك حاجة عملية لها في الحرب وفي السلم وللأمن والمعاش ونشهد ذلك في المآتم والأعراس والولادة والمرض والنفير. أنه واقع لحظتنا التاريخية، ولحظتنا التاريخية هذه ً متحركة وغير ثابتة كغيرها لكن ما زال يجللها المشهد الأساسي "وشائج الدم". فبنيات الدم لا تشكل واقعنا السياسي والإقتصادي والثقافي وتشكل الدولة وتفضها فحسب بل أيضاً خيالنا ونفسياتنا مهما أدعينا أننا لسنا بعشائريين ولا قبليين لأن القيم التي في ضميرنا هي قيم الأسرة و الأسرة الممتدة و العشيرة والقبيلة. وإنتماء واحد فقط يكفي كي تكون عشائرين/قبليا، لأن الإنتماء للأسرة النووية يلزم الإنتماء للأسرة الممتدة ثم العشيرة فالقبيلة بوعي منك أو بلا وعي وبممارسة مشعورة وصريحة أو لا مشعورة أو منكورة. أنت إبن واقعك وعليك أن تفهمه جيداً قبل أن تسعى إلى تجاوزه زيفاً كي تمضي إلى الأمام بوعي وصحة وتسطيع عندها أن تفهم نفسك ونفسياتك وموقعك من العالم والتاريخ وتفهم المزيد: الآخرين وتاريخهم. أو هو زعمي الخاص طبعا!. محمد جمال الدين [email protected]