أَخيراً ولدت حكومة الوفاق الوطني من رحم مخرجات الحوار الوطني ورأت النور هذا وقد إسدل الستار علي شكل الحكومة ومشاركة أحزاب الحوار الوطني فيها وبغض النظر عن القسمة الضيزي للكيكة فإن الجميع قنع بما نال من فتات السلطة التنفيذية والتشريعية والملاحظ أن الحزب الحاكم المؤتمر الوطني إحتفظ بغالب الوزارات الأساسية ، والسؤال المطروح الآن هل تستطيع هذه الحكومة الوفاء بإلتزاماتها في إنفاذ الوثيقة الوطنية ومُخرجات الحوار الوطني؟... الثابت أن هذه الحكومة جاءت مترهلة وموسعة إلي درجة أَنها ترهق الميزانية العامة.... ولكبح جماح إهدار المال العام يجب علي الوزراء ووزراء الدولة الجُدد ألاّ يشتروا لا عربات جديدة ولا أثاث للمكاتب عليهم إستخدام القديم وكذلك المنازل التي تخصص لهم ألاّ يتم تأَثيثها بالمال العام وحسناً فعل رئيس الوزراء بوضع ضوابط للزيارات الخارجية للوزراء ، والملاحظ أيضاً أن هنالك توجيهات بعدم قيام حفلات الوداع والإستقبال وإعلانات التهاني والتبريكات كما درجنا علي ذلك ، هذه التوجيهات يجب ألاّ تكون مجرد أحبار علي الورق بل يجب تنفيذها ومتابعتها بصورة دقيقة وحسبنا ما عانت الميزانية العامة من إهدار للمال العام وجعله سائبا . ومن الأمور المهمة والعاجلة والتي لا تحتمل أي تأخير وخاصة بالنسبة للوزراء ووزراء الدولة الجُدد هو إقرار الذمة ، علي وزارة العدل تفعيل إقرار الذمة المالية للمسئولين بصورة جادة وقابلة للمحاسبة ، هذا الأمر ضروري في إطار محاربة الفساد ففي الفترة السابقة وبالرغم من الحديث المكرر من أعلي السلطة فإن إقرارات الذمة لم تجد طريقها إلي النفاذ لم نسمع أن أحداً من الوزراء السابقين قد أبري ذمته تماماً... هذا من ناحية ومن ناحية أخري فإن إقرارات الذمة تحصن الوزراء عند تركهم الخدمة من القيل والقال والرمي بالبهتان.... مجتمعنا أصبح من كثرة الفساد يدمغ كل من يتولي وظيفة عامة بالفساد والسرقة وتضخم الثروة فعلي السيد رئيس الوزراء إن أراد أن يثق الناس في حكومته الإبتدار بإقرارات الذمة وأن يبدأ بنفسه بطريقة شفافة ومعلنة.... المطلوب من حكومة الوفاق الوطني الإلتزام التام والكامل بسيادة حكم القانون واللوائح المنظمة للعمل , درجنا في البلاد أن يتصرف المسئول علي هواه فهو الامر والناهي ولا يبالي بالقوانين واللوائح المنظمة للعمل لذلك نجد أن القرارات تفتقر إلي التخطيط السليم بل تميل إلي الإرتجال والعشوائية وكان ذلك مدخلا واسعاً يلج منه الفساد المالي والإداري . إن مبدأ سيادة حكم القانون لا يعني أن ينحصر تطبيق القانون في المحاكم بل يجب أن يسود القانون في أي عمل صغيرا كان أو كبير وحسب علمنا فأن بعض المؤسسات تعمل في مجالات حيوية وتدير أمولاً طائلة , فهي بلا قانون يحكم عملها ولا لوائح تنظم طريقة الإدارة وتفصيل السلطات والمسئوليات في المؤسسة ,مجرد هرج ومرج , ويتطلب سيادة حكم القانون وجود مستشار قانوني يتمتع بقدر من الخبرة اللازمة في أي وزارة أو مصلحة أو مؤسسة وأن يكون رأي المستشار القانوني هو الفيصل في كل ما يتعلق بالقوانين واللوائح..... أما برنامج الحكومة في شكلها التفصيلي فعلي كل وزارة تقديم برنامج للسنوات الثلاث المُقبلة حسب ترتيب الأولويات وأن يستند هذا البرنامج علي مخرجات الحوار الوطني بإعتباره المرجعية الرئيسية لعمل هذه الحكومة ، هذه الحكومة ليست معنية ببرنامج المؤتمر الوطني ولا ببرنامج الإنتخابي للرئيس يجب أن تكون الأمور واضحة وإلاّ فإن مصير هذه الحكومة هو الفشل و الفشل الذريع!!! عطفاً علي ما ذُكر فإن القسمة في هذه الحكومة ليست في السلطة التنفيذية العليا والتشريعية فحسب بل يجب أن تنداح القسمة إلي الوظائف العليا في الدولة ، المؤسسات العامة مثل الضرائب والجمارك ووكلاء الوزارات والسفراء وهلمجرا..... . هذه الوظائف ظلت حِكراً علي المؤتمر الوطني وحلفائه وآن الأوان أن يفك الحِكر وأن تتاح هذه الوظائف لأهل السودان بغض النظر عن إنتماءاتهم السياسية والجهوية.... وفوق هذا يجب إعادة النظر في الولاة فمن غير المعقول أن يحتفظ المؤتمر الوطني بثمانية عشر والي دون إشراك الآخرين فبأي منطق وحق خول لهم ذلك؟ وذات الأمر ينسحب علي المعتمدين فالسلطة الحقيقية تكمن في المحليات والولايات.... علي الأحزاب التي دخلت حكومة الوفاق الوطني أن تدرك دورها كاملاً فهي رقيبة علي أعمال الحكومة وناقدة لها وحارسة لمخرجات الحوار الوطني لتجد طريقها إلي الإنفاذ بصورة جيدة وموضوعية... علي هذه الأحزاب ألا تكرر التجارب السابقة. كثيرة هي الأحزاب التي شاركت في السلطة فأصبحت نسياً منسيا بل ذابت في المؤتمر الوطني كفص الملح في الماء فلا نسمع لها لا همساً ولا ركزا ، أن تشبث زعماء الأحزاب بالسلطة ولو صغرت يجعلها تغض الطرف عن كثير من الأخطاء ويكون الأمر أفدح إن ساير المؤتمر الوطني في سياساته التي اوردت البلاد المهالك. يجب أن تصنع السياسة وأن تتخذ القرارات من خلال مجلس الوزراء بعد الدراسة والتمحيص , في السابق كان مجلس الوزراء مجرد مجلس للتنوير وتلقي التوجيهات من جهات بعضها تعمل في الخفاء هذا الأمر أدخل البلاد في مشكلات عويصة أقعدتها عن السير في الطريق المستقيم , علي الجميع ألا ينسوا أن هذه الحكومة عمرها قصير ويجب أن تفضي إلي إنتخابات ليست كسابقاتها والشعب يراقب ما يجري بخبرته الطويلة في هذا المجال ، فالله الله في الشعب الذي صبر وصابر وكابد وجاهد وهو يعاني المسغبة والضيق وقلة الحيلة . أضعوا الشعب نصب أعينهم وإلاّ فلتذهبوا غير مأسوف عليكم..... وما التوفيق إلاّ من عند الله . بارود صندل رجب المحامي [email protected]