شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    افتتاح المعرض الصيني بالروصيرص    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في رحاب مدرسة الركابية ..... سجع الذكرى و رونق التاريخ (3)

في بلد لا يكف أهله عن التبرم و التفجع و النحيب و الشكاة ، وجدنا أن الرحيل الى الماضي هو أنجع وسائل الهروب من الحاضر المؤلم و المقزز في آن واحد .
الأطفال الأشقياء المشاكسون والمغرمون بأدب الماضي و روح المدينة أصبحوا رجالا ضاقت بهم البلاد التي أنسلخت من جلد ماضيها الجميل و أنقلب حالها رأسا على عقب ، بعد أن زلزلتها الحروب و العقوبات الدولية و الأمراض الفتاكة و الفقر المدقع وقمع وفساد الحكام .
عج الآسى في نفوسهم وضاقت بهم الأرض بما رحبت و توغل الحزن في أعماقهم و نثر أطيافه في ملامح وجوهم ، فأستوحشوا المدينة المقفرة و أتسعت بهم المنافي ، فقرروا البكاء على شواطئ الذكريات وهم يحزمون أمتعة الرحيل .
******
هأنذا أعود لذكر المكان الذي ملأ نفسي ضياءا و نورا و غرس في قلبي اللذة و السرور بعد أن فرق الدهر بيني وبينه ، و شتت أصحابه في المنافي و أخذت المنية خيار معظم معلميه .
أذكره ذكر المناجي الذي أذداد شوقا إليه و حزنا عليه ، فذلك الماضي الذي حملته هذه المدرسة كالبحر الخضم تتلاطم أمواجه و يعب عبابه بالأحداث و الشخوص الذين أمتلأت صفحات تاريخ هذه المدينة بذكر أخبارهم و إحصاء مآثرهم .
منهم من ذكرنا سيرته التي رأينها رأي العين ، و تعلق بها الفؤاد تعلق العشيق لمعشوقته ، و رسخت في العقل و أحتجزها الصدر فأنسكب مداد أقلامنا لنروي غيض من فيض أيامها .
ومنهم من لم تسعفنا الأيام للقاءهم ولكنني حاولت قصارى جهدي أن أتسقط أخبارهم و سيرتهم حتى لا يكون السرد الذي عبرنا به صحارى العشق لهذا المكان مخلا ناقصا .
كتب لي الصديق والأخ الأكبر الصحفي الضليع في مملكة البحرين خالد أبوأحمد عن هذه المدرسة التي درس فيها في فترة السبعينيات ، فوصفها لي في البدء بأنها منارة شامخة من منارت العلم و المعرفة .
وذكر لي أيضا أن أكثر ما يميزها هو أن معلميها الذين تعاقبوا على التدريس فيها ، كانوا نسقا خاصا ، أوجدهم الله تعالى في هذا المكان لكي يسكبوا كل قيم الفضيلة و الأخلاق و القيم الحميدة لطلاب أم درمان في الأحياء المجاورة للمدرسة ، فقلت ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم ) .
وقد مررت ليلة أمس بشارع الدومة الذي يشق حي ود نباوي بأم درمان الى نصفين شمالا و جنوبا ، وإذا بي أتخيل أمر هذا الرجل البائس ، والذي كان يخلف قدميه و يجلس ينظر الى المارة بذهن شارد و بغير أكتراث ، فرثيت لحاله وقد كنت أقصده لكي أضم قصته لهذه السلسلة التي شرعت مغرما في سرد أطيافها .
قلت له أحكي لي حكايتك ، فنظر لي مليا دون أن ينبس بكلمة واحدة ، ثم أعرض عني ، و أخذت اتأمل صورته بدقة ، أحاول أن أتصوره كما صوره لي جيل السبعينيات في مدرستي ، فوجدته على حال غير الحال ، رجل أنكسر قلبه و أنغص القدر عليه عيشه ، وبكى صمتا لحاله و كأني به شخص يبغض حياته .
تركته لحاله وأخذت أتخيل صورته لأحكيها لكم كما صورها لي معاصريه من تلاميذه في تلك الفترة ، فغفوت إغفاءة طويلة لا أعلم بمداها ، و بدأت معها أحلم بذلك العالم السعيد و تلك المدينة الفاضلة التي شرع هذا المعلم في تأدية رسالته السامية فيها .
حنفي الأمام معلم و مربي فاضل بدأ تعيينه في هذه المدرسة في العام 1974م معلما لمادة الرياضيات للسنوات المتقدمة ومشرفا و مدرسا لكل المواد للفصل الأول ، و عاصر في تلك الفترة أستاذ عبدالرحمن ضرار مدير لها .
كان معلما جم الأدب وافر التواضع شديد الصلة بتلاميذه و بالمكان الذي يأتي أليه كل يوم دراسي بمظهر جديد و روح أبوية يغمر بها طلابه ، فأحبوه و أحبهم، و كان من أسباب ذلك أن صيته طغى على زملائه في عقد السبعينيات من تاريخ هذه المدرسة .
أستمر في المدرسة لسنوات كانت بصمته فيها كشعاع الضوء المنبثق من الظلام ناثرا لمن حوله النور و المعرفة ، و نشط منها في ساحات العمل النقابي فنال عضوية نقابة المعلمين وظل من الذين كرسوا لمبدأ صون حقوق زملاءه و تحسين أوضاعهم المهنية و المعيشية .
رحل الزمان و تتابعت الأجيال تلو الأجيال على هذه المدرسة وشاءت الأقدار أن تتحول الأوضاع لهذا الأستاذ من حال الى حال ، لتظلم بذلك تلاميذه الذين كانوا يبدأون يومهم بقرع جرسه للطابور و الحصة الأولى .
وجدوه يوما وقد هجر التعليم رسالة الأنبياء ، وكذلك الحال أعباء الدفاع عن حقوق زملاءه في النقابة ليقرع جرسا آخر ، جرس سوق الدلالة لبيع الأثاثات
المنزلية ولسان حاله في ذلك يقول :
أأشقى به غرسا و أجنيه ذلة إذا فأتباع الجهل كان أسلما !
تركت سيرة هذا الرجل التي تشبه كثيرا سيرة التعليم بين الأمس و اليوم ، و أتجهت مع صديقي و رفيق دربي في المدرسة قريب الله زكريا الى حي القلعة ، و هناك جلسنا مع أستاذنا إلياس عثمان أحمد الذي شغل منصب وكيل مدرسة الركابية في نفس الفترة الزمنية التي نغرد بالسرد و الحديث حولها ، فترة السبيعينيات .
الرجل موسوعة في التاريخ و سرد الأحداث المتشابكة التي عمرت بها مدينة أم درمان في تلك الفترة و قد كان الجلوس بجواره متعة أدبية و روحية لا تدانيها في رونقها أس متعة أخرى .
قرر أن يتحدث ألينا بأريحية كبيرة وهو يضع كرسيه الذي يجلس عليه أمام منزله يوميا كل مساء ، ليهيم مع ماضيه و يتصيد ذكرياته مفضلا الركون إليها و التلذذ بتذكرها و تدبر أحداثها .
بدأ حديثه عن فترة ماقبل الركابية، عن مدرسة الأساس و الهدايا و اللتان كانتا مقصد طلاب حي ودنباوي و العمدة و الركابية و الكاشف و القلعة للأنتظام في مرحلة مايعرف أنذاك بالكتاب .
بعد ذلك أنتقل حديثنا عن تأسيس مدرسة الهجرة في نفس الموقع ونفس المبنى الذي يحمل اليوم مدرسة الركابية .
وقد دارت بعض الأحاديث و الرويات التي لم يستطيع نفيها أو تأكيدها بعد سؤالنا له عنها في أن سكان الحي أقاموا في فترة ما لاحقة لتأسيس المدرسة بأسم الهجرة ، مدرسة مسائية أخرى أسموها الركابية فكان المبنى يحتضن طلاب الهجرة صباحا و طلاب الركابية مساء .
أنتقلت بعدها الهجرة لمبنى آخر أسس في حي العرب جوار مقابر البكري ، وحدثنا أستاذنا الجليل إلياس عثمان أحمد أن الشيخ الأمين عبدالرحمن الذي أقام مسجده جوار المدرسة أراد أن يستفيد من القطعة ليضمها للجامع و تصبح أمتدادا له !
سكان الحي وقفوا ضد رغبة الشيخ وقرروا أن تستمر المدرسة بمسمى آخر و تكون لأبناء حي الركابية والأحياء المجاورة ، ثم أستقروا على تسميتها بأسم الحي وكان ذلك تقريبا في العام 1967-1968م .
كان أول مدير للركابية الأستاذ عبدالرحمن نويلة والحديث مازال للأستاذ ( إلياس عثمان ) ، وكان هناك أستاذ مثابر أكمل الدراسة الجامعية وهو يمارس مهنة التعليم في المدرسة وهو الأستاذ الطيب عبدالحميد .
أنتقلت بعدها الى حي الركابية وجلست مع شاهد عصر آخر أراد بعد معرفته لرغبتي في توثيق لمحات من تاريخ هذه المدرسة أن يكمل ما بدأه معي أستاذنا إلياس عثمان فيفرد معي أجنحة الحديث حتى يبلغ حد الأشباع مداه الأقصى من السماع لروايات ماضيها .
أدعى جليسي أن الفترة مابين آواخر السبعينيات و آوائل الثمانينات كانت أكثر فترات هذه المدرسة بؤسا و فوضوية ، والسبب في ظنه هو المجموعة السيئة من المعلمين التي كانت متواجدة في تلك الفترة .
طلبت منه بعض الأسماء من معلمي تلك الفترة ، فأخذ يفرك رأسه الذي غزاه الشيب وكأني به يصارع ذاكرة غيبها الدهر و تطاولت بها سنين العمر ، ثم قال :
هنالك أستاذ نورالدين و أستاذ محمد عثمان ابشيبة و أستاذ درويش و كمال حمد المدير و صلاح السواكني .
قلت له لماذا وصفتهم بالسوء ؟
هل من حكايات أو أفادات تقنع شخصي ؟
أبتسم ثم قال لي : هاك بعضا منها .
من النوادر التي يمكن أن أسوقها لك عن تلك الفترة كان هناك أستاذ تم فصله و تحويله من المدرسة وأسمه ( ن . أ ) لأسباب أدبية و أخلاقية .
تعجبت من ذلك و قلت له وما الداعي و ما التفاصيل ؟
فقال لي وهو يضحك و يبتسم :
وجدوا أن هذا الأستاذ كان كلما خرج من حصته لاحظوا أن ذكره ( قضيبه) يكون مشدودا لدرجة قف تأمل ، وكمان مندب من آثار السائل المنوي الأصفر الظاهرة في بنطاله !
أبتسمت لسبب الفصل وقلت له مفضلا عدم الخوض كثيرا في أمره ثم ماذا أيضا ؟
قال لي والأبتسامة و السخرية تعلو وجهه :
كان أستاذ محمد عثمان ابشيبة يضرب الطلاب بشكل قاسي جدا و مبرح وقد تم فصله و تحويله لمدرسة أخرى بعد أن أشتبك يوما ما مع ولي أمر طالب جاء شاكيا المدير بأن هذا الأستاذ المختل ضرب أبنه ضربا مبرحا حتى كاد أن يسبب له عاهة مستديمة !
قلت له : ماذا جرى بعد ذلك ؟
رد علي : قام ولي أمر الطالب برفع الشكوى للوزارة مدعوما برأي بقية أولياء الأمور و شهادات الطلاب و تمت أقالته من وظيفته ولا أدري بعدها هل أستمر في التعليم أم أنه هجره .
قلت له ثم ماذا بعد ؟
أبتسم جليسي كرة ثالثة و قال لي :
و أما قصص الأساتذة في تلك الفترة كوم ، وقصص أستاذ درويش كوم آخر ؟
قلت له متلهفا هات ما عندك !
بدأ يحكي لي قائلا :
في أحدى المرات كان أستاذ درويش مرهقا فقام بعد أنتهاء الحصة الرابعة بضم طاولته الى طاولة أستاذ صلاح السواكني التي بجواره ، و أخرج من دولاب في ركن مكتب الأساتذة مخدة و أستلقى على الطاولتين و نام تحت المروحة و شخير نومه يسمع حتى غرفة وكيل المدرسة المجاورة .
كان وقتها في المكتب أستاذ أو أثنين لا أذكر أسمائهم آثر كل منهما الصمت و الضحك من خلف ستار دون أن يتجرأ أي منهما تنبيه أستاذ درويش بأن ما قام به لا يليق ، خوفا طبعا من ردة فعله التي أعتادوا أن تكون عنيفة و غير لائقة في كثير من الأحيان .
جاء أستاذ صلاح السواكني بعد أنتهاء الحصة الخامسة فوجد أستاذ درويش يغط في نوم عميق و بشخير كصوت الجرارة مستغلا طاولته التي يستعملها لوضع كتبه و كراسات الطلاب !
غضب بشده و لكنه آثر الحكمة فقام بأيقاظ أستاذ درويش بطريقة بدت مزعجة للأخير ، فقام أ.درويش بعد أن صحى من غفوته و هو ينظر شررا وبغضب لأستاذ صلاح السواكني .
لام أ.صلاح السواكني أ.درويش قائلا له :
ياخ عيب منك الكلام ده يا أستاذ ، دي حركة همجية لا تشبه أي معلم ، و مافيها أي أتيكيت ، هسي كان دخل عليك الطلاب وأنت في المنظر ده تقول شنو ؟ ويكون شكلك قدامهم كيف ؟
لم يستذق أستاذ درويش تقريع أستاذ صلاح السواكني له أمام بقية الأساتذة الذين كانوا في المكتب يتابعون هذه الدراما ، وهم يبتسمون كاتمين بشدة ضحكات و مترقبين بشغف ردة فعله .
نهض أستاذ درويش وقام بحركة سريعة بفصل الطاولتين عن بعضهما البعض و ترتيب طاولة أستاذ السواكني وإعادة كل الكراسات و الكتب التي كانت عليها ثم قال له :
يا زول كلام كتير ما دايره معاك دي طاولتك رجعت ليك بكراساتها و كتبها ما ناقصة منها أي حاجة ، ممكن ترجع لي بعد دا الثلاث جنيهات الشحدتهم مني أول أمبارح !
*********
ضحكت جدا من خاتمة القصة ومن ردة فعل أ.درويش و طلبت من جليسي المزيد عن سيرة هذا الأستاذ فقال لي هاك أخرى .......
في أحدى الأيام من آواخر العام الدراسي كان أ.درويش يدرس طلاب السنة الخامسة ، وفي أثناء الحصة سمع أصوات هنهنات من آخر الفصل ثم وقع نظره على طالب كان ملتفت نحو زميله بدى له أنه مصدر الأزعاج .
صرخ أ.درويش فيه :
قوم أنت يا فلان ، فقام الولد وكان قوي البنية الجسمانية و طويل القامة .
ليه بتتكلم في حصتي ؟
ما بتكلم يا أ.درويش
لأ بتتكلم و خلي الكضب يا ولد
صمت الولد فتابع أ.درويش صياحه :
تعال طالع لي برة ، فخرج الولد ظنا منه أن أ.درويش سوف يجلده ، فقال له :
أطلع برة حصتي وما أشوف وشك تاني يا طالب .
فرد عليه :
ما بطلع يا أ.درويش ، أجلدني مئة جلدة لكن مابطلع ليك من الفصل .
هنا أستشاط أ.درويش غضبا وصرخ فيه :
يا ولد خلي قلة الأدب و قلت ليك أطلع من فصلي .
فرد عليه الطالب بأصرار.......... ما بطلع !
فقام أ.درويش بدفع و حمل الطالب بكل ما أوتي من قوة خارج الفصل ، فقام الطالب بحمل و دفع أ.درويش بكل يسر و سهولة الى داخل الفصل ، وظلوا كذلك على هذا الحال ، يدفع أ.درويش الطالب الى الخارج مرة ، فيقوم الطالب بدفعه نحو الداخل مرة أخرى ، و الطلاب بينهما يصيحون ......
مرقوا أ.درويش ، دخلوا أ.درويش ، مرقوا أ.درويش ، دخلوا أ.درويش و يتضاحكون بأصوات عالية من طرافة المشهد حتى جاء أخيرا وكيل و مدير المدرسة وفضوا الأشتباك بين الطرفين !
***************
ضحكت حتى بانت نواجذي و قلت لجليسي كم كان هذا الأستاذ طريفا و أحمقا في ردود أفعاله !!؟
وافقني جليسي بتحريك رأسه و هو يقول لقد كان أ.درويش حكاية قائمة بذاتها في تلك الفترة !
قلت له هل من مزيد ؟
قال لي ألم تكتفي بذلك ؟
قلت فلتكن خاتمة المطاف .
قال لي أذن هاك هذه القصة .......
جاء الطلاب لمدير المدرسة الأستاذ كمال حمد مشتكين من أنهم لا يفهمون أي معلومة من حصة التربية الأسلامية التي يقوم بتدريسها أستاذ درويش .
حاول المدير أن يشد من صبرهم عليه متعللا لهم بمختلف الحجج و المعاذير دفاعا عن زميله أ.درويش وأتقاء شر مواجهته أيضا ، غير أن شكوى التلاميذ تكررت حتى منتصف العام الدراسي ولم تكف ، فحاول أستاذ كمال حمد وهو شخص رقيق القلب رهيف الحس مفعم بالحكمة و حسن الأدب و التعامل أن يصحح الأمر بعدة وسائل .
قلت له : كيف كان ذلك ؟
قال : بداية بدأ بأرسال بعض المعلمين لمحاولة أقناع أستاذ درويش بأن يبدل تدريس المادة مع أحد زملاءه ، فرفض رفضا باتا و ألحق كل رسول جاءه بسيل من السباب و الأهانات .
ثم وبعد أن فشلت هذه الطريقة أضطر أن يطلبه مرة وبنفسه كمدير للمدرسة في مكتبه لمحاولة أقناعه بالتنازل عن مواصلة تدريس المادة للطلاب فرد عليه قائلا :
أنا يا أستاذ كمال بديت المادة من بداية السنة وأنا البنهي المقرر مع الطلاب حتى النهاية ، وكان أنطبقت السما دي مع الواطة ما بخلي تدريسها لي زول تاني ، عجبك عجبك ، ما عجبك البحر قريب !
وأستمرت معاناة الطلاب مع أستاذ درويش الذي كان معروفا أنه كان فظا سليط اللسان ، وأستمرت معها شكواهم و ضغطهم على مدير المدرسة و الذي غلبته الحيلة لتصحيح هذه المشكلة .
في الأخير جاءت للأستاذ كمال حمد فكرة جديدة وجد أنها الأنسب لحسم المسألة لصالح الطلاب وإنهاء هذه المشكلة .
قلت له بشغف وماهي هذه الفكرة ؟
قال جليسي :
قام المدير بدعوة موجه من الوزارة كان صديقه هو أستاذ مبارك عبدالحفيظ لكي يقنع استاذ درويش أنه و بقرار من الوزارة عليه ترك تدريس المادة لأن أولياء أمور الطلاب قاموا برفع شكاوى للوزارة .
و بالفعل و بطريقة طيبة و ذكية جاء الموجه للمدرسة و تظاهر أنها زيارة روتينية مقررة سلفا من الوزارة .
وفي فسحة الفطور طلب أستاذ مبارك عبدالحفيظ أن يأتي إليه أستاذ درويش ليشاركه هو و مدير المدرسة كمال حمد وجبة الأفطار في مكتب الأخير .
جاء أستاذ درويش و أجتمع الثلاثة في طاولة واحدة يتناولون أفطارهم وبعد عبارات الثناء و المجاملة و أستدرار العاطفة ، وأثناء تناولهم للأفطار قال أستاذ مبارك عبدالحفيظ لي أستاذ درويش :
طبعا يا أستاذ درويش نحن قررنا كوزارة أن يتم تحويل تدريس مادة التربية الأسلامية لطلاب السنة السادسة منك الى مدير المدرسة أستاذ كمال حمد وذلك للأسباب التالية ....
وقبل أن يكمل أستاذ مبارك عبدالحفيظ ذكر هذه الأسباب قام أ. درويش بحركة مفاجئة و سريعة و قوية برمي كل صينية الفطور بفولها و عدسها و بصلها و ثومها و زيتها و سلطتها في وجهه و وجه مضيفه المدير كمال حمد و خرج من المكتب !
أنقطعنا أنا و جليسي في موجة من الضحك أستمرت لدقائق من طرافة المشهد فقلت له وقد حبا الليل و غالبني النعاس مودعا :
تبسم الثغر عن أوصافكم فغدا من طيب ذكركم نشرا فأحيانا
فمن هناك عشقناكم ولم نركم والأذن تعشق قبل العين أحيانا
فرد علي ممازحا و ملاطفا :
هويتكم بالسمع قبل لقائكم وسمع الفتى يهوى لعمرى كطرفه
وخبرت عنكم كل جود و رفعة فلما ألتقينا كنتم فوق وصفه
ومازال للحديث بقية ...
د.عبدالله البخاري الجعلي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.