تجاوزا ميدان التحرير ذا الضجة قليلا. لا أحد يعنّ له في القاهرة أن يتساءل: "ما هذا الزحام أو ما "هذه" الصوت؟". كانا لا يزالان يواصلان السير بتمهل، عبر شارع "طلعت حرب"، في اتجاه ميدان "طلعت حرب"، "فمَن" ذا الذي يُدعى إذن "طلعت حرب هذا"، حتى يُذكر اسمه أكثر من مرة، داخل مثل ذلك الحيّز الجغرافي الضيّق الصغير"؟ "يقال إنّه مؤسس بنك مصر، يا شكر". "لا بد أنّ له صّلة ما باليهود، يا حامد". لم يعقب هو على تلميحي الخبيث ذاك. ربما قد يفكر حامد فلنقل مثل أي عاشق آخر متلهف للبوح في "المؤامرات" لاحقا، أعني مثل "مؤامرات اليهود" تلك لامتلاك "الأشياء والنّاس". حدستُ وقتها في نفسي. أما الآن (لا أزال وقتها أحدس في نفسي) فمسائل مثل (أصل الداء في العالم)، قد لا تهمّ "أسوأ عاشق في التاريخ"، مثل حامد عثمان اللعين هذا، تمنحه أنثى عاشقة فلنقل ناصيتها جسدا وروحا ليلا فيكافئها هو بالفضيحة أم جلاجل، من قبل حتى بزوغ شمس نهار اليوم التالي. وهل حين يثق حامد عثمان اللعين هذا في رجل غامض مثلي (أنا المدعو شكر الأقرع) لا يريد الثوريّ الغر عندها إلا تأمين تصالحه الأخلاقي الزائف مع نفسه؟ يبدو أن عقلي، أفكر الآن، قد اجترح حكاية اليهود تلك وقتها، لتكون بمثابة كوابح أهدئ بها مخاوف حامد عثمان إن وُجِدَت هناك، ربما حتى أستبعد شبهة أنني أكثر تشوقا في الواقع للاستماع منه هو للبوح. مما قد يُوسف له حقا أنني لم أعثر في سفارة النظام اللعين، خلال ساعات ذلك الصباح البعيد من شهر فبراير، على مَن قد يشتري مني أشياء، فلنقل لها "سحر الفضول"، مثل حكاية هذين العاشقين، التي أنا بصددها هنا، منذ أن حاول هو قبل نحو أكثر من ساعة تقبيلها داخل المكتب، وفشل (لمصدر سروري ولا بد) فشلا ذريعا يليق به. فقط، تصوروا نذالة مثل هذا العاشق "الطيب"! ما أن غادر فراش مها الخاتم ليلتها، أوقف مترنحا من سكر وتعب واحساس طاغ بانتصار لا يعلمه سوى الشيطان أول عربة أجرة صادفته في مكان ما من شارع الطيران، وهرع إليّ ليخبرني، كما يخبر صديق صديقا، بما قد حدث بينهما، وقد فعل ذلك، بالضبط مثلما قد يفعل أي صبي معدم آخر، عثر في ذلك الزمان على مبلغ عشرة جنيهات ملقاة على قارعة طريق خال. وأنا من حيرتي، لا أزال أتساءل: هل من آداب الذوق مثلا أن يطرق المرء، آخر الليل، على أبواب الآخرين بقوة، فقط ليخبرهم أنّه قد ضاجع امرأة لأول مرة، من بعد أن تجاوز سنّ الثلاثين؟