حدث أول لقاء لي بجمال جعفر بُعيد وصولي إلى وينبيك. مع ذلك، ما زلت أتذكر تفاصيل ما دار بيننا، بجلاء شديد وأسى.
لكأن ذلك يحدث "الآن".
لكأن الزمن توقّف هناك.
هل كان بوسعي أن أرفع رأسي، أتفحّص وجهه المخادع هكذا برويّة، إذا ما كنت متزوجاً لحظتها من مها (...)
طلبتْ أماندا ماران بون مني بإلحاح بدا مباغتاً وغريباً أن أترك كل شيء في يدي، وأحضر إلى شقتها، "حالاً"، حبيبي وليم"!
كان الوقت عصر يوم سبت.. عصر آخر غارق في ذلك المزاج السوداوي المطبق الذي لا يحتمل للوحدة. كان قد مضى نحو العام منذ أن رأيت أماندا (...)
أخذ يعتمل في نفسي شعور غامر بالحبّ. ما لبث أن أخذ يفيض متدفقاً باتجاه الخالق والكون وعزيزتي الجميلة كيتي سام.
ولم يكن ثمة من مفر قد يحول طويلاً دون أن أطرح عليها ذلك السؤال: "كم مرة مارستْ عزيزتي كيتي الجنس، حتى الآن"؟
كما لو أن تكويني العاطفي، حتى (...)
أدباء سودانيون في "المنفى" المصري*
تفاصيل النشر:
المصدر: الحياة
الكاتب: عبدالحميد البرنس
تاريخ النشر(م): 8/8/2001
تاريخ النشر (ه): 18/5/1422
منشأ:
رقم العدد: 14024
الباب/ الصفحة: 16 - ملحق آفاق
ما زال تاريخ الأدب يستقبل لوحات الحنين والذكرى والضياع (...)
أيها الغريب، يا من شراعه حاذى طويلاً شواطئنا، ويُسمع أحياناً في الليل صريرُ بكراته.
هل ستقول لنا ما بليتك ومن يدفعك، في أكثر المساءات دفئاً، لكي تهبط بيننا على الأرض الأليفة؟» (سان جون بيرس، منارات، ترجمة: أدونيس، المدى، دمشق 1999).
كان ذلك أول وآخر (...)
تجاوزا ميدان طلعت حرب للتو، عندما أخذت تُخايله مشاهد رفقتهما، هي وجمال جعفر، أسفل أشجار البونسوانا، عند بدايات ذلك الغروب البعيد، حيث تبدل ليلتها (يا حامد عثمان) مسار حياة كاملة، ولم تعد فتاة أحلامك، بكلمة واحدة: "عذراء". وقتها، بدت لعينيك، وأنت تقف (...)
تجاوزا ميدان التحرير ذا الضجة قليلا.
لا أحد يعنّ له في القاهرة أن يتساءل:
"ما هذا الزحام أو ما "هذه" الصوت؟".
كانا لا يزالان يواصلان السير بتمهل، عبر شارع "طلعت حرب"، في اتجاه ميدان "طلعت حرب"، "فمَن" ذا الذي يُدعى إذن "طلعت حرب هذا"، حتى يُذكر اسمه (...)
خرجا للتو، من مكتب حامد عثمان المكيف، في أحد مباني الجامعة الأمريكية.
كانت تشير إلى نحو الثامنة مساء.
وكان الهواء الساخن نوعا ما باهتا، مشبعا حد الاختناق بمخلفات عوادم مئات السيارات المتزاحمة، وقد بدا في شحوبه وركوده ذاك مخيما، أعلى رأسيهما، لا مثل (...)
في نحو السابعة صباحا، تحت تأثير خدرٍ كحولي خفيف، بدأ حامد عثمان مزاولة أعماله اليومية المعتادة داخل مكتبه، بمطالعة كتاب نجم محمود:
"المقايضة: برلين -بغداد".
كاد النهار أن ينتصف لحظة أن رنّ جرس هاتفه الجوال.
سيتذكر حامد عثمان أنّه حدد، قبيل أن يرن (...)
كان المعز بن فاطمة من أتراب وإن شئت أصدقاء طفولة والد مها الخاتم.
وُلِدَا في اليوم نفسه، لجارين طيبين، لا صلة رحم قد تصل بينهما، من قريب أو بعيد، ويصل مع ذلك بين حوشي بيتهما معبر صغير في عمق حائط داخلي من دون باب يُدعى بالنفاج، وقد حدث أن تمّ اجتراح (...)
هذا فصل من رواية، قد نشرتُ هنا مقتطفا منه منذ بعض الوقت، وعلى ضوء بعض تلك المداخلات، أو منعا لسوء فهم آخر، فأدناه محض خيال، وإذا تشابه على مستوى الحدث والشخصيات، مع أحداث وشخصيات واقعية، فمن باب الصدفة البحتة:
******************
كان الرفاق مجتمعون (...)
كان الرفاق مجتمعون هناك، في بيت الأعمى، قريبا من مسجد رابعة العدوية، الذي ارتفع منه منذ دقائق قليلة صوت أذان الظهر، وقد تناهى في آن واضحا من بين فراغات الأذان من أسفل البناية شيء آخر، كالنداء الممطوط الحزين لبائع البطاطا. وكان قد مضى تاليا نحو (...)
كمن يمزح نشازا، أجابها حامد عثمان، خلال سيرهما الوئيد، ذاك المفخخ بأثقال الصمت وحمّى المشاعر المختلطة باتجاه مطعم ماكدونالدز القريب من مبنى الجامعة الأمريكية، قائلا:
"كنت أفكر، يا مها، في الذهاب معك، (حبيبتي)، إلى أقرب سرير".
قالت "لا (ابتسمتْ على (...)
في نحو الثامنة صباحا، توقف مترو "الأنفاق"، في محطة "عين شمس"، محدثا في أذن حامد عثمان ما بدا ضجة أليفة. كان المترو قادما ساعتها، من قاعدة انطلاقه القريبة، في ضاحية "المرج"، حيث تمّ نفي الرئيس المصري الأسبق محمد نجيب، من قبل رفاق دربه، بين جدران فيلا (...)
بوضوح تام، ارتسمتْ علامةُ الخيبة، من بعد اندفاعة ساقتها آمال عراض على ما بدا وتلهف، على وجه اللورد الفقير، حالما فتح باب شقته المستأجرة في الدور الثاني من بناية قديمة ناحية "السيدة زينب"، وتبين له هوية ذلك الطارق اللعين الماثل قبالته، على بعد خطوة (...)
بدت تعليمات المدعو بهاء عثمان واضحة، في ذهن حامد عثمان المنهك، عندما ارتقى، بعد مرور نحو الشهر، من تلك الزيارة، إلى الطابق الثاني، من بناية تجارية قديمة تقع قبالة مبنى الجامعة الأمريكية الرئيس.
الشقق واسعة. أما العقار ككل فذو طراز أوروبي يعود، (...)
الغرفة باردة، كميدان.
ذلك خيال حامد عثمان، وهو يتراءى له بالكاد، على صفحة النافذة الزجاجية الوحيدة المغلقة والمطلة، من منتصف الحائط الداخلي للغرفة، على تجويف واسع مسقوف يتوسط البناية، وقد ازدحم حد التُّخمة، بتلك الأشياء القديمة المهملة ذات الرائحة (...)
هكذا احتفلت، في تلك الليلة الصيفية البعيدة، بعيد ميلادي التاسع والعشرين، يا رفاق. احتفال من نوع فريد.. لا شموع تنيره، لا دفء رفقة، لا ضجة حميمة لملاعق على حواف آنية، لا بهجة صديق، لا كأس، لا موسيقى، لا ضوضاء آسرة، لا ثراء حضن أنثى، لا أماني بحياة (...)
في منتصف ظهيرة يوم آخر، طرق أحدهم باب شقة حامد عثمان، فتبدد حالا، على عتبة الصحو تلك، أحد أكثر أحلامه غرابة. وقد رأى نفسه، إذ ذاك، وهو يعثر داخل غرفته نفسها، على فرج امرأة، تعلوه عانة حديثة النمو، في الرف الأعلى، من دولاب الملابس، وقد تمّ لفّه، لسبب (...)
درج حامد عثمان حامد، بين الحين والآخر، مدفوعا ربما بنزعة ثوريّة لا يعلمها الأرجح سواه، على ممارسة بعض طقوس العبادة "المنافية"، ولو أن جَده بُعث حيّا من القبر لأنكره يقينا، في أمثال ذلك الخروج الغريب، على "الدين". أما أن يُوصم حامد عثمان حامد، تحت أي (...)
هذا الشيء، الذي لا ينفك يسيل خيوطا لزجة على طول الظهر، ويصنع الروائح الكريهة عند منطقة الإبطين خاصّة، ويجعل الخصيتين تختنقان في الأسفل هناك من حر؛ لا يجد له حامد عثمان سوى اسم واحد، ألا وهو "الصيف".
كذلك بدا تأثير ذلك الفصل، على حامد عثمان، بمجرد (...)
كان هناك شقق مؤجرة، في القاهرة، يتمّ داخلها تصنيع وبيع الخمر، وقد أخذت تلك الشقق تُعرف، مع تزايد عدد المنفيين، باسم "بيوت العرقي"، لكن القليل جدا، من بين أولئك الزبائن، من ذوي الحساسية المرضية المفرطة، ممن قام المنفى، هكذا، بتحويلهم، مع تعاقب الشهور (...)
كان هناك إذن الفتوش، على قائمة الطعام المجلدة، بغلاف أحمر سميك، وكذلك التبولة، وأقراص من الكبة المقليّة، إلى جانب سلطة البطاطا بالكزبرة الخضراء، فضلا عن ورق عنب محشو، وباذنجان متبل بالطحينة، ودجاج بالأرز، وصيادية السمك بالأرز، ناهيك عن ورد الشام (...)
حلّ الغروب، منذ بعض الوقت، بألوانه النارية الخامدة، على منطقة عمارات "الميريلاند"، في "مصر الجديدة". والسبب الوحيد، الذي دفع، بحامد عثمان، إلى رؤية نفسه، وهو يسبح، على حين غرة، في نهر عسل الخيال ذاك، بوصفه قائما، هذه المرة، كوزير رفيع ولا بد، على (...)
كان محض شارع جانبي، تتخلله سكينة مهددة بالزوال في أية لحظة، شبه معتم، يمتد طولا مسيرة نحو الخمس والعشرين بناية سكنية صغيرة، وهو يتجه، بأشجار الظلّ الجانبية الملتفة بالليل، صوب شارع عباس محمود العقاد التجاري. وكما صوت أساه الداخلي، الذي لا يُحتمل، (...)