قناعتي؛ أن الحكومة بلغت درجة متأخرة جداً من اللامبالاة، بحيث تجاوزت كل التصورات، وفاقت المعقول تماماً. فالناظر لتعامل الجهات المختصة مع أزمة الخريف لهذا العام سيصل إلى قناعة لا تتزحزح، أن المواطن لم يعد يشكل أدنى أهمية في خارطة اهتمامات الحكومة ومسؤوليها!.. وما يؤسف له المرء أن عين الحكومة تعامت كُليَّة عن المخاطر والنقائص والكوارث التي تهدد حياة المواطنين، وسفَّهت كل الأصوات التحذيرية التي خرجت تطالب بضرورة رفع وتيرة العمل لتصريف مياه الخريف على النحو المطلوب والمأمول، حتى لا تتفاقم أزمة الاسهالات المائية التي ضربت أنحاء واسعة من البلاد. ولكن لا حياة لمن تنادي..!! فقد مارست الحكومة سياسة "الطناش"، وسدرت في غيِّها، وانصرفت لأشياء ليست ذات أهمية أو ضرورة، أو أن أهميتها تتقاصر أمام كارثة الاسهالات المائية. ومن عجبٍ؛ أن الحكومة تخلَّت هذا العام حتى عن طريقتها العدمية في تجريف المصارف، وتنظيف مجاري المياه، وهو ما زاد الأمر سوءاً على سوء..! بل غابت حتى طرائقها البدائية في التعامل مع الخريف، من خلال عمليات شطف المياه من الأماكن المنخفضة بالأحياء والأسواق. الأمر الذي كان محل استغراب الكثيرين. ذلك أنه كشف مدى عبثية هذه الحكومة التي لا ترى في وجود المياه الراكدة والملوثة خطراً يهدد حياة وصحة وسلامة المواطنين، مع أن ذلك يمثل خطراً كارثياً حتى في الفصول غير الموبوءة، فما بالك والبلاد كلها توشك أن تكون تحت إسار الاسهالات المائية، التي بطشت حتى ببعض الكوادر الطبية التي تتولى عمليات اسعاف المرضى، على نحو ما حدث في عديد المشافي..! وظني أن ذلك وحده كفيل بإعلان حالة الطوارئ، وإعلان الوباء رسمياً، بما يسمح لمنظمة الصحة العالمية بالتدخل لانقاذ ما يمكن انقاذه. ولكن ما عسانا فاعلين مع الحكومة التي تصر أن تضرب عرض الحائط برجاءات المختصين والمواطنين معاً، بل حتى رجاءات حلفيها المؤتمر الشعبي الذي أضحى حزباً حكومياً بامتياز!.. الثابت أن الحكومة درجت على تحصيل أكبر نسب الفشل سنوياً، وهو أمر لم يعتد الناس الوقوف عنده كثيراً. وكانوا يتعايشون معه ويحتملونه على مضض. ولكن لم تعد هناك طاقة للاحتمال، بل ربما لم يعد هناك مبرر للاحتمال اصلاً، بعدما حصدت الاسهالات المائية وتحصد يومياً عشرات الأرواح، جراء فشل الحكومة في التصدي للمرض!.. المثير للحنق؛ أن الحكومة تزعم أنها ناشطة في محاربة ومكافحة الاسهالات المائية. وحينما نسألها عن تلك الكيفية، يجيب المسؤولون بأنهم يوفِّرون الأدوية في المشافي للمصابين والمرضى!.. هم يقولون ذلك؛ بينما الواقع يكذب تماماً ذلك. بل ويدلل على أن الحكومة لم تكن جزءاً من الجهود الفعَّالة الرامية لمكافحة الاسهالات المائية. فلم نر لها جهوداً توعوية أو حملات استباقية لتلافي خطر المرض والوباء. وحصرت نفسها أي الحكومة في تقديم العون الخجول للمرضى. مع أن الواجب أن تنشط في المكافحة من خلال رفع درجة التعامل مع الخريف لأعلى المستويات الممكنة. فالمياه الملوثة يمكن أن تكون منبتاً وحاضناً للمرض. وفوق ذلك كان يتوجَّب على الحكومة أن تزيد من هِمتها الفاترة في ازالة تلال النفايات وجبال الأوساخ، لكنها للأسف لم تفعل..!! وما أظنها ستفعل..!! ومع ذلك يخرج علينا منهم، من يقول إن الحكومة قامت بواجبها في محاربة الاسهالات المائية!! الصيحة