فن الممكن المؤسسية منعا للفوضويه ..! ايما دولة محترمه في هذا العالم الفسيح تقوم اركانها على مؤسسات راسخه تعمل سويا من اجل الوصول بالمجتمعات الى الغايات المنشوده . هذه المؤسسات تحتكم الى قوانين ولوائح تحدد طريقة عمل أي مؤسسه وتتناغم فيما بينها لتكون قمة اجهزة الحكم التشريعيه والتنفيذيه والقضائيه ،فنجد أي جهاز من هذه الاجهزه لديه سلطات مستقله عن الاخر ولكنها لاتتقاطع كلية مع اهداف الدوله الكبرى مايعني ان الاساس في قوة اية دوله هو قوة وتناغم مؤسساتها . عندما يقولون ان العمل السياسي والتنفيذي يجب ان يكون مؤسسي يعني ذلك ان مناقشة الموضوعات واتخاذ القرارات لابد ان يمر ويخرج من المؤسسات الرسميه في الدوله وهذا بالطبع يتنافى تماما مع العمل الفردي و القرارات الفرديه . في دول العالم الثالث والسودان احد هذه الدول ،اتخاذ القرار يكون فيها دائما فرديا ومزاجيا يخرج من الرجل الاول او المجموعه البسيطه التي تتحكم في راس الدوله وهذا السبب الاساسي الذي جعلها دولا متخلفه متراجعه ومتدهوره في كل شي ولذلك نلحظ ان في مثل هذه الدول تكثر الحروب وتنعدم حالة الاستقرار السياسي وبالتالي تصنف دولا فاشله. كانت الساحه السياسيه السودانيه خلال الايام الماضيه قد شهدت عددا من الاحداث السياسيه كلها تصب في اتجاه وجود مشكله في العمل المؤسسي فنجد ان مؤسساتنا القائمه صوريه و ليس لديها القدره الكافيه على اتخاذ القرار ودورها (محجم) بدرجه كبيره لان حزب المؤتمر الوطني حتى الان يتعامل با اسلوب ماقبل تكوين حكومة الوفاق الوطني يناقش ويقرر في كل القضايا دون الرجوع للشركاء (العاجزين) حتى عن قول كلمة هذا خطاء،وابتداءا من المجلس الوطني ومرورا بمجلس الوزراء ومن خلال متابعاتنا لاداء هاتين المؤسستين الكبيرتين فاننا نجد ان مايقومان به من عمل هو اقل بكثير من حجم المسؤوليه التي اعطيت لهم بالدستور والقانون ،فتجد مثلا شخص معين له نفوذ محدد يقوم بجل اعمال هاتين المؤسستين وحتى دون الرجوع لهما ولو لمجرد التنوير!! ،ويمكن ان يكون هذا الشخص النافذ قد اتخذ قرارات واتبعها بخطوات تتعلق بمصير الشعب كله ،ومع ان المجلس الوطني يراقب ومجلس الوزراء يتابع ويشاهد ولكن تجد المجلسين (غضا الطرف ) خوفا وليس طمعا ،من ان ينطقا بكلمة حق واحده ليقولا (لفلان ا وعلان النافذ ) هذه ليست (شغلتك) ولا صلاحياتك وهذا يعني ايضا انه حتى دور مجلس الوزراء والبرلمان يختزل عند شخص او شخصان نافذان في المؤتمر الوطني ! . ثم ان ضعف العمل المؤسسي يؤدي الى الفوضى و نموذج لذلك مافعله وزير الاعلام احمد بلال عثمان الذي ذهب للقاهره وتبنى راي وقرارات مجلس الوزراء المصري بشان ازمة الخليج وسد النهضه ،ولانه كان متاكد جدا من ضعف الدولة ومؤسساتها ويعلم ان لا احد سيساله فعل فعلته (الجبانه )..!تلك ، وجاء الى مكتبه في الوزاره وكأن شيئا لم يكن ،وهذا يجعلنا نقول بالفم المليان ان مجلس الوزراء الحالي الذي يتراسه الفريق بكري حسن صالح فيه مشكله كبيره وضعفه باين بل وان الاحزاب التي دخلت الحكومه ومن شدة ضعفها وتهاتفتها على السلطه نسيت ادوارها التي من المفترض ان تؤديها . قوة المؤسسات يعني قوة الدوله يجب ان تفهم مؤسسة الرئاسة ذلك وان لاتعتبر تفعيل دور مجلس الوزراء او البرلمان سيخصم من حقها ،بل سيقوي الحكومه والدوله معا لان ايما قضيه تقتل بحثا سيكون القرار الذي يخرج موضوعيا وسليما ويعبر حقيقة عن الجماهير . من حق الاحزاب التي دخلت مشاركة في حكومة الوفاق الوطني ان توقف هذه الفوضى التي تحدث بسبب انعدام المؤسسيه لان أي قرار تتخذه الحكومه في أي قضيه داخليه كانت او خارجيه ستكون مسؤوله عنه بل وتعتبر انها شاركت فيه وبالتالي فانه يعبر عنها والتاريخ لن يرحم ..! . كل الاخطاء الكبرى التي وقعت في الفتره الماضيه والتي ستقع مستقبلا ستكون بسبب عدم المؤسسيه ،ومادام الدوله اعترفت بوجود اجهزة تشريعيه وتنفيذيه فيجب ان يترك لها المجال لكي تتحرك وتقرر. لاضير في ان يكون للافراد الذين لديهم افكار خلاقه ورؤى ثاقبه ان كان هولاء في مؤسسة الرئاسة او البرلمان او مجلس الوزراء ان يطرحوا اراءهم هذه على المؤسسات الموجوده لكي تتم مناقشتها بطريقه شوريه ولاشك بعد هذا سيكون الذي يخرج للناس مختلفا جدا. جميعنا يمتدح مخرجات الحوار الوطني ونعتبرها شيئا عظيما وكبيرا ،لدرجة ان البعض يعتقد ان هذه التوصيات لم يشهدها السودان منذ استقلاله ،مع ان سر الحكايه كله في ممارسة الشورى ،واخذ جميع الاراء و(تقليبها) ثم طرحها على الحاضرين للوصول الى الصيغه الافضل ،فلماذا لانطبق هذه التجربه في الحوار على العمل السياسي التنفيذي والتشريعي ،وان يبحث هذان المجلسان القضايا الكبرى بشفافيه وديمقراطيه ليخرج القرار مرضيا عنه من الجميع وليس فيه تجاوز لاحد ، و(نبعد) كل البعد عن القررات الفرديه المزاجيه والتي لامحال (ستغطس حجرنا) اذا لم نبتعد عنها، ومن ثم نحكم المؤسسيه احكاما قويا لتكون منهج حياة عندنا لامنهج سياسة فحسب. مجاهد عبدالله نشر في صحيفة الاهرام اليوم الاثنين 17 يوليو 2017