عندما كتبت على صفحتى بالفيس بوك وقلت ان السودان ليس بالبلد المناسب حتى يهاجر اليه الجنوبيين، وهذا عقب تفشي الكوليرا (غير المعترف بها حكومياً) التي اجتاحت بعض المدن السودانية، وقد وجهت السلطات اصابع الاتهام الي اللاجئين الجنوبيين بوقوفهم وراء تفشي الاسهالات المائية كما تحلو لحكومة السودان ان تطلق على الكوليرا. حينها غضب مني بعض الاخوة السودانيين وخاصة من طرف اقرب الاقربين اليَّ، الذين تربطني بهم معرفة شخصية وصداقة سنين، ثاروا لانفسهم واعتقدوا انني اسيء اليهم كشعب، وما كنت اقصد بذاك الحديث الشعب السوداني الذي كنت (اضحك في سري) عندما بدأ بعض منهم في فورة غضبهم تلك وشرعوا يحدثونني عن جود وكرم الشعب السوداني ومعاملته الحسنة للغريب، ومنبع الضحك هو انني أعرف الشعب السوداني كما أعرف نفسي ولست بحاجة لمن يحدثني عن نفسي. فقط، كنت علي اليقين بحقيقة حكومتهم ومزاجها المتقلب، وحيلها الضاربة في المُكُر والتي لا يمكن ان تنطلي على اطفال الرياض ناهيك من اشخاص بالغين وفي كامل وعيهم. لم يمض شهراً واحداً على (الكوليرا الجنوبية) التي تآمرت واخطأت الجنوبيين لتصيب السودانيين في عقر دارهم، الا وسمعنا بقرار آخر صادر من نفس السلطات يقضي بابعاد اللاجئين الجنوبيين من المدن السودانية الي حدود دولتهم، ومن المفيد ان اذكر هنا ان راس السلطة السودانية سبق وصرح بعظمة لسانه في احدى مناسباته (الهاشمية) ان مواطني جنوب السودان لا يجب اعتبارهم اجانب في الدولة السودانية، ليس هذا وحسب، بل ووجه سلطاته بمعاملتهم معاملة مواطنين سودانيين، والخبر استقبله البعض في البلدين بحفاوة ورحابة صدر غير مسبوقة وكأنهم يسمعون له لأول مرة، ولكننا كنا نرى دخان النار تحت رماد التصريحات الهاشمية، لان رأس النظام السوداني شخص لا يمكن ان يؤمن له جانباً. الجدير بالاشارة ان قرار (ابعاد الجنوبيون) جاء بعد ان اصبحت العلاقات السودانية الامريكية قاب قوسين او ادنى من التطبيع الكامل، التطبيع الذي بادل فيه الطرفين رفع العقوبات عن بعضهم البعض، اذ رفعت امريكا السودان من قائمة الدول الداعمة للارهاب، ورفع الاخير امريكا من قائمة الدول التي دنا عذابها، ويتوقع السودان فك اصوله النقدية المجمدة من طرف امريكا وحلفائها، بعد قطيعة دامت عقدين من الزمان، ومما لا شك فيه ان تبادل المنافع الاقتصادية التي ستتم بين الطرفين ستسهم ايجاباً في تحسن الاقتصاد السوداني الذي يعيش اسوأ ايامه مع العقوبات الامريكية. كل ما سلف الذكر، جعل السودان يصرف النظر مؤقتاً عما كان يطبخه داخل (المطابخ المغلقة) مع المعارضة المسلحة الجنوبية، وهو تخطيط مشترك ومتوسط الأجل يفضي الي انفصال اقليم اعالي النيل عن جنوب السودان ليكون دولة مستقلة في المرحلة الأولى ومن ثم يتم توحيده مع السودان ليكونان دولة واحدة، وفي صحيح التفسير انما هي وحدة مع الارض والمناطق المنتجة للنفط وليس مع انسان اعالى النيل كشعب، وعليه فالقرار السابق الذي اعتبر فيه الجنوبيين مواطنين سودانيين جاء على ضوء هذا (الطبيخ) وهو سر دعم السودان للمعارضة المسلحة الجنوبية، حتى اسعاف "مشار" من دولة الكنغو الي السودان لا يخرج من ذات الغرض. جاءت امريكا ببدائل مغرية مضمونة ولا تأخذ وقتاً وقدمتها الي نظام السوداني على طبق من ذهب فكان لابد للاجئين الجنوبيين ان يكتووا بنار هذه التغيرات المفاجئة. السؤال هو هل سيعترف النظام في الخرطومبالجنوبيين باعتبارهم لاجئين؟ ففي الاعتراف مصلحة لهم، فالعالم سيتحرك عبر منظماته الكثيره لتقديم يد العون من كساء ودواء بالاضافة الي الطعام وسبقت لمنظمة الاممالمتحدة وطالبت الحكومة السودانية بهذا الاعتراف كي تتحرك، لكنني لا اعتقد مع الجبن الذي عهدنا عليه راس النظام االسوداني انه سيفعل ويستجيب وعلى منظمات الاممالمتحدة ان لا تنتظر هذا الاعتراف اذا كانت حقاً تهم لمساعدة اللاجئين الجنوبيين. واحقاقاً للحق من جانبنا يجب ان لا نلوم نظام السودان علي قراره الابعادي، طالما كان هذا القرار قرار دولة ذات سيادة وحرة في ارضها ومن حقها ان تفعل ما تشاء في من تشاء متى تشاء على ضوء صلاحياتها وحقوقها الممتدة، فهي وحدها التي تقرر من تستضيفه ومن تطرده من اللاجئين المتواجدين داخل اراضيها، واستنكاراً للباطل ايضاً يمكنني القول وبالفم المليان، ان ازمة اللاجئين الحالية وكل أزماتنا المستفحلة مصدرها واصلها (نحن الجنوبيون)، لاننا من صنعنا الحرب من العدم، اكرر، نحن كلنا دون استثناء، فالحدث اكبر من ان تتحمله الاطراف المتصارعة لوحدها، تواطأنا جميعا، وتراخينا جميعاً وجنينا جمعياً وافسدنا جميعاً، والنتيجة هي اننا وضعنا انفسنا محل الذل والاهانة بين الاقرباء قبل الغرباء، وبعد ان ضاق بنا صنع ايدينا عدنا نبكي اللبن المسكوب، ونسينا او تناسينا ان من يهن دائما وابداً يسهل الهوان عليه، بربكم من نحن؟ ومن اي طينة خلقنا؟ هل نحن شركاء حقاً مع البشرية في الخلق؟. ما يؤسف له انه لا توجد بارقة أمل تلوح في الأفق حول ازمة لاجئينا المطرودين من طرف السودان، فالشعب الجنوبي المنقسم على عشائر وقبائل اضعف من ان يهم لمعاناة بني جلدته، وحكومتنا التي لا تقو حتى على توفير الوقود للطلمبات داخل عاصمة البلاد جوبا، هي الآخرى لا يمكن الرهان عليها في أزمة اخواتنا وامهاتنا واخوتنا الذين ينتظرهم مصيراً مجهولاً في الحدود، فأزمتهم ستظل قائمة والحلول كذلك ستظل غائبة، ولا نملك غير الدعاء لرب العالمين، ونقول يا كريم كن بهم وعليهم رحيم. واخيراً، انوه عناية بعض الاخوة السودانيون، واقول لهم انني لا اقبل بتاتاً بان يفتنني اي كائن كان مع شعباً اكن له كل الاحترام والتقدير. مع كل الود ألقاكم. سايمون دينق