بينما كنت أقود سيارتي على تقاطع طرق داخل المدينة فإذا بي ألحظ على بعد أمتار مني رجلاً رث الثياب أشعث الشعر حافي القدمين يبدو على ملامحه وصف من يطلق عليهم الناس (مجانين). ولأني كنت قد هدأت السير سلفاً كاشفاً الطريق أمامي فقد آثرت أن أقف لأسمح له بالمرور ثم أواصل بأمان، لكن المفاجأة كانت مذهلة، فما أن رأى ذلك الشخص سيارتي وحدد وجهتها حتى توقف هو كذلك في مكانه، عندئذٍ تحركتُ بحذر وتجاوزته وتركته على يساري "وبالطبع لم أحاول التحدث معه حتى لا أسمع ما لا يرضيني" لكن تصرفه هذا طرح في نفسي عدداً من الأسئلة لاسيما وأنني وحتى بعد أن تجاوزته ظللت أراقبه عبر المرآة الجانبية لألاحظ أنه لم يتحرك من مكانه حتى تلفّت يمنة ويسرة وتأكد من خلو الطريق ثم واصل سيره في أمان. يومياً تقابلنا حالات غريبة ممن نطلق عليهم مجازاً أسوياء وواقع تصرفاتهم عكس ذلك تماماً، فمثلاً أنت تكون قائداً مركبتك في قلب الدوار (صينية) مواصلاً سيرك أفقياً أو مُنُعَطِفاً نحو اليسار فتُفاجأ بالسيارات القادمة من الاتجاه الأيمن تدخل أمامك بسرعة البرق بما يدخلك في حيرة بين أمرين إما الوقوف اضطرارياً والسماح لها بالمرور أو التهور والاصطدام بها وفقد حياتك لا سامح الله، أو في اقل تقدير ضياع يومك بين المرور وشركات التامين وورش أصلاح السيارات، يحدث هذا التجاوز الأرعن برغم أن هنالك لوحات إرشادية كبيرة مكتوب عليها بالخط العريض (أفضلية السير للقادم من اتجاه اليسار، أو أفضلية السير لمن بداخل الدوار). ومثل هذا التصرف لا يتوقف عند أصحاب المركبات فحسب، بل حتى عند المشاة، فكثيراً ما تُفاجأ بأحدهم يقوم بعبور الطريق من داخل الدوار أو عند إشارة المرور وسط الزحام ليُرِبك السير في مختلف الاتجاهات، فيم كان متاحٌ أمامه عدة خيارات لعبور آمن من أجناب الطريق أفقياً خارج الدوار، لكنه يفضل اختصار الطريق مستهتراً، دون أن يعي مخاطر ذلك على نفسه والآخرين. هذه التصرفات الهوجاء ممن نسميهم أسوياء حينما نقابلها بتصرف أولئك المصنفون بالمجانيين أو حتى الحيوانات نجدها تتناقض تماماً مع هذا التصنيف، فالقطط والأغنام وحتى الكلاب مثلاً، لا تخاطر بعبور الطريق إلا بعد أن تتلفت في كافة الاتجاهات وتتأكد من خلوه ثم تعبر بالسرعة المطلوبة حسب تقديرها للسرعة الافتراضية للمركبات العابرة. هذا التناقض في التصرفات يدخلنا في حيرة من أمرنا و يحملنا لطرح سؤال حقيقي عن: من العاقل ومن المجنون؟ شريف ذهب