وضع يد الجيش المصري علي (تِتِك) إتفاقية الدفاع المشترك مع السودان    خسارة الهلال الثانية في الدوري الرواندي: إستهتار بالخصوم و إهدار للنقاط    الشباب المناقل والناصر ام درمان يتعادلان في التأهيلي    "لو ديلومات" يكشف عن الدعم الخطير للميليشيا    الملكي يواصل استعداداته للممتاز    في تغريدة على منصة اكس البرهان: شكراً مصر شكراً فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي    فيفا يحسم مصير المركز الثالث في كأس العرب بعد إلغاء مواجهة السعودية والإمارات    لجنة أمن ولاية الخرطوم تعكف على تسليم المواطنين ممتلكاتهم المنهوبة المضبوطة باقسام الشرطة    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تسخر من "ميسرة": (البنات بحبوا الراجل السواق حتى لو ما عندو قروش وشكلك انت ما سواق عشان كدة كبرتها منك)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تسخر من "ميسرة": (البنات بحبوا الراجل السواق حتى لو ما عندو قروش وشكلك انت ما سواق عشان كدة كبرتها منك)    إسحق أحمد فضل الله يكتب: .....(الشوط الجديد)    شاهد بالفيديو.. أطفال سودانيون يصطادون "صقر الجديان" الضخم والجمهور يرفض: (رمز الدولة لا يحبس ولا يوضع في قفص)    استشهاد فردين من الدفاع المدني في قصف مسيّرات مليشيا الدعم السريع على محطة كهرباء المقرن بعطبرة    شاهد بالصور.. عبد الرحيم دقلو يعرض نفسه لسخرية الجمهور بظهور مثير للشفقة ومعلقون: (يا حليل أيام القصور والصبغة وإن شاء الله تكون عرفت الخرطوم حقت أبو منو؟)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    بمشاركة 6 عرب.. الأندية الإنجليزية تدفع ثمن كأس الأمم الإفريقية    "فيفا" يطلق تذاكر ب60 دولارا لكل مباراة في "مونديال 2026"    مسيرات مليشيا الدعم السريع تستهدف محولات محطة المقرن التحويلية بعطبره    وزير سوداني سابق يعلن عودته للمشهد بخطاب من رئيس الوزراء    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    مسيرات انتحارية تستهدف عطبرة    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    مكتول هواك يترجّل    توجيه بصرف اجور العاملين قبل 29 ديسمبر الجاري    "ونسة وشمار".. زوجة مسؤول بالدولة تتفوه بعبارات غاضبة وتعبر عن كراهيتها للإعلامية داليا الياس بعد إرسال الأخيرة رسالة "واتساب" لزوجها    هل استحق الأردن والمغرب التأهل لنهائي كأس العرب؟    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    هل يمكن أن يؤدي الحرمان من النوم إلى الوفاة؟    بنك السودان يتأهب لإطلاق المقاصة الإلكترونية    الأردن يفوز على السعودية برأس رشدان ويتأهل لنهائي كأس العرب    والي الخرطوم يوجه بالالتزام بأسعار الغاز حسب التخفيض الجديد    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    النوم أقل من 7 ساعات ثاني أكبر قاتل بعد التدخين    بعد غياب طويل.. أول ظهور للفنانة المصرية عبلة كامل بعد قرار السيسي    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    كارثة إنسانية قبالة اليونان وغالبية الضحايا من مصر والسودان    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفاصيل
نشر في الراكوبة يوم 13 - 08 - 2017

وأنا أقرأ رواية «اختراع العزلة – بورتريه لشخص غير مرئي»، ذلك الكتاب السيري للأمريكي بول أوستر، أحسست بأنني داخل تفاصيل كثيرة جدا، وأحيانا مزعجة، وكلما انتهيت من جزيئيات مفصلة، أجد نفسي في جزيئيات أخرى، تكرر ما سبق وتضيف إليه شيئا، وهكذا.
القصة تبدأ بوفاة الوالد الذي رحل فجأة، وكان وحيدا بعد طلاقه، منذ سنوات طويلة، وزواج ابنه وذهابه إلى مدينة أخرى. بداية عادية ستشكل رواية لسيرة حياة لأب ربما كان يتفق مع كل الآباء في كونه تزوج، وأنجب، ولكن سيختلف مع الكثيرين منهم في حياته التي سميت غير مرئية، حياة بلا التزامات ولا مشاعر، ولا ظهور هنا أو هناك، ولا محاولة لإبداء أي عاطفة من أي نوع، أو تقبل عاطفة من الابن الذي يعتبر أشياء صغيرة وتافهة في مجرى الحياة، مثل أن ابتسم له والده مرة، أو شاركه لعب الكرة في مرة أخرى، أشياء كبيرة ومقدرة ستبقى في الذاكرة، وتأتي أثناء استعادة حياة الوالد الغريبة.
أردت هنا أن أتحدث عن التفاصيل في الكتابة السردية، التفاصيل التي قد تكون مهمة، والتي قد لا تكون مطلوبة أصلا، ويأتي بها الكتاب إما ولعا بالسرد، وتدفقا في الرواية بلا وعي، وإما لزيادة عدد الصفحات، فيغدو الكتاب سميكا، يعجب الكاتب عند نشره أكثر مما يعجب القارئ.
أظن أن بول أوستر يعرف تماما ما يكتبه، وهو كاتب قديم وجدير بقراءته، وشخصيا قرأت معظم أعماله التي ترجمت للعربية، ومنها «ثلاثية نيويورك»، و»قصر القمر»، و»مستر فيرتيجو»، ذات الأسلوب الغرائبي الأخاذ، رواية الولد المتشرد، ومستر يهودي الذي سيعلمه المشي على الماء، ومؤكد كانت لترجمة الشاعر عبد المقصود عبد الكريم، بصمات في هذه الرواية، ومعروف أن المترجم الجيد، يمنح نصا مترجما جيدا أيضا.
إذن بول أوستر يعي بالتفاصيل الكثيرة التي يوردها، وهي جزء من أسلوبه، ان لا يكتفي بوصف شارع مترب مثلا، وكثير الحفر، ولكن يصف الحفر نفسها، وعمق كل منها، وما يمكن أن تفعله بأقدام المارة، والقطط التي قد تقترب منها، قد يصف مطعما ضاجا في مدينة ما، ليس بأن يذكر أنه ضاج فقط، ولكن يورد حجم الضجة، ومشعليها من شاغلي الموائد، وربما طول ضحكاتهم، وقصرها، وخبطهم على الموائد، إن قاموا بالخبط عليها.
هذا أسلوب مشروع بلا شك، إن تذوقه القارئ، وتناغم معه، وكثيرون غير بول أوستر يكتبون تفاصيل دقيقة جدا في أعمالهم السردية، يكتبون كل شيء، ويعتبرون كل شخصية دخلت النص، شخصية كبرى، وتستحق وصفا كاملا لحياتها اليومية، وحياتها الماضية والمستقبلية أيضا. فالذي يتقدم لخطبة فتاة في فقرة من المفترض أن تكون عابرة، لا يعامل كدخيل عابر، ولكن يؤتى بأصله وفصله، وأصل الفتاة أيضا وتاريخها وعلاقاتها السابقة إن وجدت، وهكذا. وهناك كثيرون جدا يحبون التفاصيل الكثيرة، وهناك من يصرح بأنه لا يستمتع بالنص إن لم يكن غزير التفاصيل. وأذكر أنني قرأت مرة رأيا لقارئة ذكرت فيه أنها قرأت رواية مدهشة لكاتب عربي، لكنها تحسرت على عدم وجود تفاصيل عديدة، وكان إحساسها أقرب للإحباط منه للانبهار.
لكن متى تكون التفاصيل مهمة ومطلوبة، ومتى تكون حشوا لزيادة حجم الرواية، وعدد صفحاتها؟
أعتقد أن الأمر في النهاية، يترك لتقدير الكاتب نفسه، وإن كان يستوعب فكرته، جيدا أم لا، وأيضا إن كان يستطيع أن يمسك بالقارئ ولا يفلته، أو يجعله ملولا ومتذمرا ويتعجل نهاية النص. بمعنى أن الكاتب عليه أن يبدو قارئا لنصه قبل أن يطرحه للنشر، وان لا يحس بالنشوة لأنه منجز النص، وإنما يحاول استدراج أحاسيس القراء المختلفة، ومؤكد ستعجبه كثير من التفاصيل الدقيقة التي أوردها، ولا تعجبه أخرى، قد يرى فيها زيادات مخلة. سيكون من المهم جدا في وصف شخص ما داخل نص، أن نذكر وجهه، عينيه، أنفه، ابتسامته، ولكن لن يكون ضروريا أن نصف راحة يده إن كانت ناعمة، أو تحوي بثورا لأن ذلك لن يزيد الشخصية توهجا، ولن يساعد في الحكي، بأي درجة. والذين يوردون المشاهد الجنسية في الروايات ويعتبرونها من ضروريات الكتابة، من الممكن جدا أن يكتفوا بالإشارات دون دخول في لحم المشهد بحيث يصبح طاردا للقراءة، ومدرا لاستياء الكثيرين، فالكل يعرف تلك الأشياء، ولا داعي لجعلها بهارا أبديا في أي حكاية، فيها رجل وامرأة.
هناك أعمال سردية، ينبغي أن تحفل بالتفاصيل سواء أراد كاتبها ذلك أو لم يرد، فالذي يكتب رواية عن بلد ما، زاره سائحا، سيكتب ما أسميته من قبل الرواية السياحية. وهي الرواية التي تعرفك ببلد جميل أو حتى غير جميل، أثناء التجوال مع الشخوص، داخل النص، الشخوص الذين يزورون المعالم السياحية كلها، يشترون من سوق، يتسكعون في حديقة، ينبهرون في متحف أو على ضفة نهر، أو يدخلون الأوبرا في بلد يصادف أن عروضا للأوبرا تقدم فيه. وأذكر حن قرأت رواية «الوله التركي» للإسباني أنطونيو غالا، التي تدور أحداثها في تركيا، بين الإسبانية دسديرا، التي جاءت سائحة لتلك البلاد، وارتبط مصيرها بدليل سياحي تركي اسمه يمام، أن تعرفت على البازار، وضفاف البسفور، وقصور السلاطين العثمانيين، والجوامع والحدائق، وكل ما يمكن أن يشكل معالم سياحية مبهرة في بلد مثل تركيا. هنا كانت التفاصيل مهمة جدا، ومطلوبة، ولا أعتقد أن القارئ يحس معها بالملل، كونه يكتسب معرفة، ومعلومات قد لا يكون يعرفها. وفي رواية «ظل الريح» للإسباني أيضا كارل رويس زافون، تلك الرواية الغريبة الطويلة التي تتحدث عن الكتب المنسية، وتدور أحداثها في برشلونة في ثلاثينيات القرن الماضي، سنتعرف إلى تلك المدينة كلها تقريبا، سنتعرف إلى شوارعها وميادينها وجسورها، وأسواقها التجارية، وكل ذلك أثناء رواية الفتى دانيال للأحداث، ووصفه للشخوص الآخرين، مع وصف المدينة.
وأظن أن تفاصيل كثيرة، موجودة في روايات نجيب محفوظ، مما يشكل تاريخا حيا لمصر في فترة ما، قد لا يكون مدونا بدقة في الكتب.
منذ فترة تلقيت رسالة من قارئة، تقول أنها قرأت لي كتابا وأحست بأنه ناقص، ذلك أنني اختصرت تفاصيل كثيرة ولم أوردها، وبالتالي، قلصت من استمتاعها بالكتاب.
هذا رأي طبعا، ومن الواضح أن تلك القارئة، تبحث عن التفاصيل الدقيقة التي لا أرى داعيا لوضعها، وكنت دائما من الذين يهتمون بتكثيف الحكايات، أضع ما أراه مناسبا من وجهة نظري ليس ككاتب ولكن كقارئ، ولا أضع ما أراه خللا. قد أكون مصيبا وقد أكون مخطئا، وقد يعجب ذلك قراء ولا يعجب قراء آخرين، وتلك الرواية التي ذكرتها القارئة، كانت مهتمة بإبراز سيرة بطل معين، ولم يكن من الجيد مساواة الآخرين به كما كنت أعتقد وأنا أكتب.
عموما، تبقى التفاصيل في العمل السردي مهمة جدا، في أحيان كثيرة كما قلت، وتبقى ترفا غير مطلوب أبدا، في أحيان أخرى، وعلى الكتابة أن تعرف متى تفصل ومتى تختصر.
كاتب سوداني
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.