الخرطوم – بات الفريق أول بكري حسن صالح، رفيق عمر البشير في تنفيذ انقلاب 1989 ضد رئيس آخر حكومة مدنية في السودان، والعسكري الوحيد الموقع على مذكرة العشرة التي أطاحت ب"عرّاب" الإسلاميين في السودان، حسن الترابي، نائبا أول لصديقه الرئيس السوداني عمر البشير. في عهد الرئيس الراحل المشير جعفر نميري وبعد شهور قليلة من إعلان ميلاد الحركة الشعبية لتحرير السودان يسارية التوجه وقتها، بقيادة العقيد الراحل جون قرنق في مارس 1983 أبلغت شركة شيفرون التي كانت تنقب عن النفط في إقليم أعالي النيل بجنوب السودان الحكومة السودانية أن الحركة الوليدة قامت باختطاف مجموعة من عمالها ومهندسيها وأخذتهم رهائن إلى منطقة "جبل بوما" في أقصي الجنوب الاستوائي للسودان قرب الحدود الكينية السودانية. حكومة الرئيس نميري كانت حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة الأميركية مع مصر والسعودية والمغرب، ضد الحلف المدعوم من الاتحاد السوفيتي والمعروف بمحور صنعاء – أديس أبابا – طرابلس. ولما كانت الحركة الشعبية الوليدة لتحرير السودان تعمل بدعم مباشر وانطلاقا من الأراضي الأثيوبية، أخذت الولاياتالمتحدة الأمر مأخذ الجد، واعتبرته إحدى الاحتكاكات الرئيسة بينها وبين الجبّار الآخر، الاتحاد السوفيتي، في أعقاب احتلاله لأفغانستان. حضر إلى الخرطوم على جناح السرعة من قاعدة تامبا الجوية في فلوريدا قائد قوات التدخل السريع، واجتمع بهيئة القيادة العامة السودانية بالخرطوم، وطلب منهم أن تقوم قوة من سلاح المظلات السوداني بتحرير الرهائن تحت إدارة وإشراف لوجيستي واستخباراتي من الولاياتالمتحدة الأميركية. تمت عملية تحرير الرهائن في منتهى السهولة واليسر، وفاجأ المظليون السودانيون رصفائهم الأميركيين – الذين خبروهم في السابق في مناورات النجم الساطع – بأدائهم وفدائيتهم وحرفيّتهم، بأن حرّروا الرهائن دون أن يفتقدوا قتيلا أو جريحا. كان من ضمن طاقم هذه العملية الجريئة، رائد مظلي اسمه بكري حسن صالح. بعد سنة من تاريخ هذه العملية اقترح قائد القيادة الأميركية المركزية المكوّنة حديثا، الجنرال نورمان شوارتسكوف – قائد عاصفة الصحراء – أن تنشئ بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية كتائب قوات خاصة يتم تدريبها وتأهيلها والصرف عليها في المعدات والإدامة بواسطة الجيش الأميركي لتصبح نواة لقوات التدخل السريع في كل من باكستان والسعودية والسودان ومصر والمغرب والجزائر، على أن لا تتحرك هذه الكتائب، نسبة لتأهيلها الأميركي العالي، لأي مهام عسكرية عملياتية إلا بإذن خاص من قائد القيادة المركزية الأميركية. بكري وانقلاب 1989 في السودان تكوّنت الكتائب وكانت إحداها بقيادة العقيد عمر فودة يساعده كقائد ثان المقدم بكري حسن صالح. اشتركت هذه الكتيبة في أعمال قتال خارجية منها عملية سفاري بإخماد تمرد إقليم شابا في الكونغو ضد الرئيس موبوتو، وعملية باب العزيزية في طرابلس الغرب التي كادت أن تطيح بالعقيد القذافي في عرينه ووكره الحصين بقيادة العقيد عمر فودة وبعض ضباط المعارضة الليبية. بعد سقوط نميري بثورة أبريل الشعبية في السودان 1985 لاحظت الاستخبارات العسكرية السودانية وبعض ضبّاط محطة الاستخبارات الأميركية في الخرطوم وجود متابعة ورصد من أجهزة الاستخبارات الليبية للعقيد عمر فودة، فقاموا بإرساله إلى الولاياتالمتحدة الأميركية لدورة أركان حرب، وذهب ولم يعد للسودان مرة ثانية، الأمر الذي دفع بالمقدم بكري حسن صالح ليصبح قائدا لكتيبة القوات الخاصة هذه والتي استمر ارتباطها بالقيادة المركزية حتى قيام انقلاب العميد (وقتها) عمر حسن البشير في صباح الجمعة 30 يونيو- حزيران 1989 ضد الصادق المهدي رئيس آخر حكومة مدنية منتخبة بالسودان. كتيبة المقدم بكري هي التي قامت بحماية القيادة العامة ونادي الضباط في 20 فبراير- شباط 1989 عندما قدم الفريق أول الراحل فتحي أحمد على- القائد العام للجيش السوداني – مذكرة الجيش المشهورة لرئيس الوزراء السابق الصادق المهدي. وهي أيضا من قامت بحماية القيادة العامة للجيش ومجلس الوزراء والقصر الجمهوري، وبعض المنشئات الاستراتيجية الأخرى ليلة 30 يونيو – حزيران 1989. لذلك فوجئ الكثيرون بوجود مقدم (بكري) وآخر رائد (إبراهيم شمس الدين) وعميد سجين (الزبير محمد صالح) ليست له قوات ضاربة تدين بالولاء له، حيث كان مديرا قبل سجنه في محاولة انقلابية لصالح المشير الراحل جعفر نميري لمركز تدريب الجنود المستجدين – وهؤلاء لا يشكّلون قوة ضاربة في أي جيش- ضمن مجلس قيادة الثورة. مذكرة الجيش استغلها العميد وقتها عمر البشير خير استغلال، إذ كان المذياع يردد أن بيانا هاما من القيادة العامة للجيش سيذاع بعد قليل، الأمر الذي أضعف المقاومة الأولى للانقلاب، لأن شخصية الفريق أول الراحل كانت تحظى باحترام القوات المسلحة السودانية ومعظم الدوائر السياسية. ووجود العميد الزبير وهو في سجنه في عدة وظائف مفتاحية أعلنت، (نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، نائب رئيس الوزراء، نائب القائد العام) أعطى الداخل والخارج (مصر بالذات التي أيدت الانقلاب بشدة)، أن المجموعة الانقلابية تعمل لصالح عودة المشير الراحل جعفر نميري حليف مصر والسعودية الاستراتيجي لسدة الحكم. ووجود المقدم بكرى حسن صالح (قائد القوات الخاصة الكتيبة 144) وهي من المفترض أن لا تتحرك في أي مهام عسكرية إلا بموافقة الجنرال نورمان شوارتسكوف، قائد المنطقة المركزية الأميركية وقتها، أعطى انطباعا خاطئا أن الولاياتالمتحدة الأميركية إما راضية، أو أنها وراء هذا الانقلاب في 30 يونيو – حزيران 1989. رجل الظل القوي يصف المراقبون بكري حسن صالح بأنه من كبار الشخصيات في نظام الرئيس عمر البشير ومن المقربين لديه.. وهو الوحيد تقريبا، من أعضاء مجلس قيادة الثورة بقيادة عمر البشير، الذي بقي في الظل منذ انقلاب 1989. وبكري من مواليد العام 1949، في قرية الحفير شمال مدينة دنقلا السودانية. درس في الكلية الحربية السودانية، وتخرج منها ضابطا برتبة ملازم. وانضم بعدها إلى سلاح المظلات بالجيش السوداني، ثم في الاستخبارات العسكرية. وأصبح بكري بعد الانقلاب وتولي عمر البشير السلطة، عضوا في مجلس قيادة ثورة الإنقاذ بين عامي 1989 و1994. وبعد الانقلاب بفترة قصيرة تم تكليفه بإعادة هيكلة مكتب الأمن الوطني في وزارة الداخلية. وتحت إشرافه تم تشكيل جهاز أمني اشتهر بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. وشغل منصب رئيس جهاز الأمن العام، بالإضافة إلى مستشار الرئيس السوداني للشؤون الأمنية، ووزير رئاسة الجمهورية بين عامي 1998 و2000. وساهم في العام 1999، في عزل زعيم الحركة الإسلامية وأمين عام الحزب حينها حسن الترابي، من مناصبه في الحركة والدولة. وشغل بين عامي 2000 و2005، منصب وزيرا للدفاع وفي العام 2005 تولى مجددا منصب وزير رئاسة الجمهورية. ولعب نائب الرئيس السوداني دورا بارزا في توقيع الاتفاقية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان العام 2003. وفي العام 2012، تم انتخابه نائبا للأمين العام للحركة الإسلامية. ومؤخّرا اختاره الرئيس السوداني، عمر البشير، ليكون نائبه، في خطوة حملت الكثير من الدلالات. فالمشير البشير والفريق أول بكري هما أبناء نفس السلاح (المظلات) وعملا عن قرب، بل كان الفريق بكري هو أركان حرب المشير البشير في كل مراحل ترقياته منذ أن كان البشير رائدا بالمظلات، ولم يفترقا منذ قيام الانقلاب وحتى تمت تسمية الأخير نائبا أول لرئيس الجمهورية السودانية. يبقى السؤال الأهم هل يريد البشير تسليم الحكم للفريق بكري لأنه يثق به وبحمايته له إذا افتقد الرئيس بالتنحي الحماية السيادية من ملاحقة محكمة الجنايات الدولية. أم أن بإمكان بكري إعادة التطبيع مع الولاياتالمتحدة الأميركية بموجب التاريخ السابق لكتائب التدخل السريع. أم أن البشير لا يريد مفارقة كرسي الرئاسة، وهذا هو الأرجح، وتخلص بالتالي من كل المتطلعين للكرسي الأول، بإزاحتهم لحزب لا يقوم إلا على السلطة، وقد حرمهم منها بإزاحتهم وإحلال طواقم بديلة صغيرة السن وقليلة الخبرة مكانهم، ولا يقوم الا على المال – وهو شحيح الآن- وبأدوات السلطة قادر على تجفيف منابع وموارد المؤتمر الوطني، ليصبح حاكما مطلق اليد مع طاقمه العسكري.