الحرب القائمة الان في جنوب السودان ليست هي الحرب الوحيدة التي تدور منذ توقيع اتفاقية نيفاشا او بعد استقلال جنوب السودان، فلقد ظلت الحرب مستمرة بين فصائل مختلفة انقسمت من الحركة تحت مختلف الدواعي كما ان هناك العديد من الحروبات القبلية التي تدور حول الموارد. الحرب بشكل عام يتضرر منها فقراء الشعوب وليس سلاطينهم ويستفيد منها تجار الحروب ، الحرب التي اشتعلت الان بين قسمين رئيسيى داخل الحركة يدفع ثمنها شعب السودان بقسميه في الشمال والجنوب دماً ومالاً. اسباب الحرب ودوافعها في اعتقادي لديها جذورها التاريخية في طبيعة الحركة والتحولات التاريخية التي مرت بها مما انعكس على طبيعة حكمها وكيفية اداراتها لجهاز الدولة وصراعاتها في ان واحد. قامت الحركة في عام 1983 على ثلاث شعارات رئيسية :- 1- سودان موحد 2- سودان اشتراكي -3 سودان علماني. وهنا ينبغي ان نستصحب الوضع العالمي حينها فلقد كانت هناك الحرب الباردة ونظام نميري مسنود بالولايات المتحدة ، كما ان وجود نظام منقستو يتوجهاته الستالينية كداعم للحركات التحررية اليسارية لديه اثر في تشكل توجهات الحركة ، لكن قرنق نفسه ارتبط بالفكر الاشتراكي الافريقي عند دراسته بدار السلام وشكل مكنونه السياسي لذا ارتبط بالPAN AFRICANISM ومدرستها في الاشتراكية الافريقية مما سهل ارتباطه بالنظام الاثيوبي ودفعه للتوجه الاشتراكي للحركة ، هذا لا يعني عدم وجود يمين وسط قيادتها ولكن كان هذا هو التوجه العام للحركة ما عدا ما نفيستو الحركة لم يكن هناك برنامج واضح للحركة يعبر عن كيفية حكم السودان او يشرح طبيعة المانيفستو ولم تكن هناك اي اطروحات سوي حوارات قرنق هنا وهناك او تصريحاته، لذا غلب طابع الصراع العسكري مع الانظمة على تطور الايدولوجيا داخل الحركة مما انعكس لاحقاً في طبيعة انقساماتها وتطورها الفكري. الحركة الشعبية بمجمل عضويتها كانت تعتمد على ما ينتجه قرنق وحتى هو نفسه لم يكن منتجاً غزيراً على المستوى النظري ، لذا نجد ارتكان معظم الحركة على اطروحة السودان الجديد والتي هي قائمة على الاركان الثلاث المذكورة اعلاه وتحورت ما بعد انهيار المعسكر الاشتراكي الى اطروحة فضفاضة تتحور حول الهوية وعلاقة الدين بالدولة وما بعد نيفاشا لم تكن هناك رؤى اصلا بل اكتفت الحركة بما طرح في نيفاشا. عانت الحركة كاي حركة سياسية وعسكرية من عدة انقسامات ولكن كان اخطرها انقسام فصيل الناصر الشهير عام 1992 والذي كان بقيادة ريك مشار ولام اكول فصيل الناصر كان يمثل التيار اليمينى والانتهازي داخل الحركة وقمتها ولتجريد جناح قرنق من حضوره السياسي وسط شعب الجنوب رفعوا شعار حق تقرير المصير بندوة واشنطن عام 1992 مما دفع لاحقاً بتبني جناح قرنق له وبقية الحركة السياسية في مؤتمر اسمرا 1995. دخول شعار تقرير المصير هو ما قاد السودان للانفصال عام 2011، ، وهذا التيار اليميني نفسه وقع اتفاقية الخرطوم للسلام مع النظام وشارك النظام في حربه ضد الحركة. وهذا التيار اليميني نفسه بقيادة ريك مشار اعاد انضمامه للحركة بعد نيفاشا ، سيطرت الروح القبلية داخل الحركة ولطبيعة التركيبة السياسية للجنوبين جعلت الكثيرين بمن فيهم من يحسب على اليسار بالانجراف وراء التحليل القبلي تطبيق صراعات الحركة متناسين الصراع الطبقي داخل الحركة فالتيار اليمينى لا يتمثل فقط في تيار ريك مشار بل حتى المحسوبين على قرنق هناك كثيرين من القيادات يلتحفون عباءة اليسار وتوجهاتهم انتهازية ذات طابع شخصي يتمظهر في الفساد الذي يغرقون فيه الصراع الحالي: هذا الصراع ليس حول المضون الاجتماعي لتوجهات جهاز الدوله الجنوبي فالجنوب ما بعد نيفاشا وحتى الان يرزح في مجاعة طاحنة وحتى منظمة الغذاء العالمي منذ سنين تطلق النداءات للعون الانساني اضافة للعديد من الحروب القبلية التي تدور حول الموارد نتيجة لفقدان القبائل لمناطقهم نتاج لبيعها للشركات المتعددة الجنسيات العاملة في الزراعة بما يسمي حالياً في الاقتصاد السياسي Land graping فقيل خمس سنوات كانت 9% من مساحة دولة الجنوب قد بيعت ومملوكة للشركات الاجنبية التي تعمل في زراعة محصولات نقديه ذات عوائد في الحرب، فريك كشار وسلفاكير كلاهما غير حريص على مصالح شعب الجنوب ولا تقدمه الاجتماعي بل حريصين على التمسك بمقاعد السلطة مما يتيح استغلالها لخدمة مصالحهم الشخصية وانصارهم . تمظهر الصراع بانه حول الديمقراطية هو الغطاء العام لصراع الفساد والسلطة ، الحرب يدفع ثمنها شعب الجنوب قتلاً وجوعاً ونزوحاً كما تزيد الاحتقان العرقي والاجتماعي نتاج للهروب من سعير الحرب والنزوح للشمال / مما يشكل ضغطاً للموارد ويفتح الباب للصراعات الاهلية في الشمال، هذه الحرب يدفع ثمنها فقراء الشعبين . ان وقف الحرب هو الواجب المقدم للحركة الجماهيرية للشعبين باي ثمن. ان دخول الاطراف اليوغندية والكينية في الصراع بشكل مباشر وتدخل الايقاد بمجموعها ما هو الا وسيلة لاستمرار نيران الحرب لدعمهم لسلفاكير عسكرياً وسياسياً ، فالوضع في المنطقة اصلا غير مستقر فالجنوب يتاخم افريقيا الوسطي ، يوغندا و كينيا ، اثيوبيا ، الكنغو والسودان ، افريقيا الوسطي وهذه البلدان عدا ليبيا تعاني من الحرب الاهلية والكنغو ويوغندا لا تزال هناك بقايا لجيش الرب تعمل عسكرياً مما ينعكس على الصراع الجنوبي وتوجه حكومة الجنوب لحسمه عسكرياً مما يؤدى لاشاعة الفوضى في اراضى الجنوب مما يتيح الفرص لكل الحركات التي تحمل السلاح في هذه البلدان بالتحرك من الجنوب والانطلاق عسكرياً من داخل الاراضي الجنوبية وهذا بدوره يزيد من تدمير الموارد في الجنوب والتهجير والنزوح لمواطني الجنوب في البلدان المختلفة . تعاني كل البلدان المحيطة بالجنوب من عدم الاستقرار السياسي والحرب في الجنوب تتيح الفرص لهذه الانظمة باستغلال هذه الحرب للخروج من مازقها السياسي بدفع بلدانها في التدخل في الحرب وتدفع الشعوب الثمن . هناك تساؤل حول الموارد النفطية وبقية الموارد الطبيعية وكيفية تسييرها في ظل الحرب هذه الموارد تدار بواسطة شركات عالمية لديها ارتباطاتها الامبريالية فلحماية حقوقها النفطية او مشاريعها الزراعية يمكنها الاستعانة بجيوش تستجلبها من كل العالم ان ارادت وليس بالضرورة ان تكون الجيوش نظامية لدول بعينها هناك في العالم العديد من الشركات الامنية التي تؤجر جيوش المرتزقه في كل العالم. الى اين يقود هذا الصراع اي كان المنتصر او صيغة الاتفاق السياسي اذا ما تم في التفاوض فليس هناك سبيل لشعب الجنوب للخلاص سوى بناء الحركة الديمقراطية الثورية ، بناء حركة العمال والمزارعين عبر الحركة النقابية التي يفتقدها شعب الجنوب ، بناء حركة سياسية قادرة على مصارعة الحركة الشعبية والعمل على مقرطة جهاز الدولة وبناء مؤسسات القطاع العام ومحاربة الفساد الذي هو حجر الزاوية في تعطيل دولاب التنمية وبناء الانسان في الجنوب. الميدان