دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(حريات) تنشر الجزء الثاني من حوار التاريخ والذكريات مع الدكتور فاروق محمد ابراهيم
نشر في حريات يوم 25 - 02 - 2013

واحدة من اسباب المشاكل السياسية والاجتماعية المزمنة التي يعاني منها السودان هي ضعف الذاكرة التاريخية في البلاد. ويعود ذلك في رأي عدد غير قليل من الاكاديميين والديمقراطيين والمثقفين للتخلف الاجتماعي جراء الامية التعليمية والثقافية ، فيما يري اخرون ان النخب السياسية والثقافية تتحمل جزءا من هذه المسئولية لعدم اهتمامهم بالتوثيق وعدم ميلهم بشكل عام للكتابة واخذ العبر من دروس التاريخ.
الدكتور فاروق محمد ابراهيم واحد ممن حضروا فترات هامة ومفصلية في تاريخ السودان منذ ماقبل الاستقلال، ولم يكن عالم النبات الشهير بجامعة الخرطوم حاضرا بمعني التفرج بل كان فاعلا وناشطا في بواكير النشاط السياسي في البلاد ضد الاستعمار الانجليزي، ثم ظل رقما بارزا في بحث الشعب السوداني الدؤوب لأجل الحرية والديمقراطية والسلام والاستقرار، فشارك في ثورة أكتوبر وانتفاضة أبريل ولاقي في سبيل ذلك الكثر من الاعتقال والتشريد ، بيد انه ما زال يسعي لتحقيق تلك الاهداف بكل جد وصبر ونشاط رغم سنوات عمره التي تجاوزت الثمانين.
ولان (حريات) ألقت علي عاتقها الاهتمام بالتوثيق للرموز الديمقراطية والمواقف المعبرة في تاريخ هذا الشعب فقد سعت حثيثا للقاء الدكتور فاروق محمد ابراهيم لانه يعلم الكثير مما لم يكتب في هذا التأريخ الغائب………..
(الجزء الثاني)
اذن الحزب الشيوعي هو الذي قام بانقلاب مايو أم لا؟
أعني ان الحزب دعم الانقلاب بشكل واضح ، لكن المجموعة المايوية دبرت للانقلاب بطريقتها الخاصة ، وكل ذلك لم يخلو من تأثير الوضع السياسي العام في البلاد بعد حل الحزب الشيوعي من قبل القوي الاسلامية.
مقاطعة: لكن المعروف والرائج ان عبدالخالق محجوب كان ضد انقلاب مايو؟
صحيح ان الحزب لم يبد تأييدا كاملا للانقلاب لكنه لم يرفضه ، فعلي سبيل المثال الحزب أوقف عددا من القيادات التي أيدت مايو أمثال يوسف بشارة وغيرهم ، وسبب الايقاف كان ان ذلك التأييد يعد تصرفا فرديا خارج خط الحزب، فعبدالخالق لم يرفض الانقلاب بالمعني المبدئي لرفض الانقلاب باعتباره عملا عسكريا ضد التحول الديمقراطي في البلاد ، لكنه كان يري ان الازمة الثورية لم تنضج للقيام بذلك والسيطرة علي السلطة ، وفي ذات الوقت قال مقولته الشهيرة بان البرجوازية الصغيرة التي قامت بالانقلاب لن تنجز مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية تمهيدا للتحول نحو بناء الاشتراكية كما يقول برنامج الحزب، ولكن كانت هناك أمورا أخري ضاغطة جدا فالموكب الذي خرج في 2 يونيو تأييدا لمايو كان ضخما جدا ولم يشهد الناس مثلة حتي في أكتوبر وكانت خلفه القوي الديمقراطية والكثير من الشيوعيين المتعاطفين مع الشعارات اليسارية التي رفعتها مايو ، وناقمين في ذات الوقت علي القوي التقليدية والاسلامية التي حلت الحزب ، وأنا لا أريد هنا أن احاسب أحدا وكلنا مسؤولون عن تلك الامور ، لكن ما أردت قوله ان الموقف كان تكتيكيا ولم يكن مبدئيا …
مقاطعة: انت واخرين كنتم مؤيدين لانقلاب وهذا ضد برنامج الحزب المجاز في المؤتمر الرابع والذي يرفض الانقلابات العسكرية؟
لالا …. التكتيك الانقلابي هو موجود أصلا في تفكيرنا جميعا ، ولم يكن هناك اقتناع مطلقا بالديمقراطية بشكلها الليبرالي التعددي الذي يتحدث عنه الناس حاليا، والحزب كان يري ضرورة اتاحة الاجواء الديمقراطية – كما يراها الحزب_ لتنمية القوي الديمقراطية من العمال والفلاحين والثوريين الديمقراطيين ليمثلون رافعة للمجتمع لتحقيق مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، وبالتالي لم يكن هناك غضاضة مع التفكير الانقلابي بشكل عام لانه متجذر أصلا.
سأعطيك مثالا أوضح علي هذا الامر ، مايو عينت عددا من الضباط الشيوعيين في مجلس قيادة الثورة ولم يرفض الحزب ذلك، كما عينت مايو أربعة من القيادات الشيوعية كوزراء في الحكومة وهم محجوب عثمان وجوزيف قرنق وهؤلاء كانوا أعضاء لجنة مركزية ، واثنين اخرين هم فاروق أبوعيسي وموريس سدرة وهؤلاء الاثنين لم يكونوا أعضاء لجنة مركزية لكن الحزب عقد اجتماعا علي مستوي لجنته المركزية لبحث الموافقة أو الرفض لهذا التعيين ، وكان فاروق ابوعيسي وموريس سدرة كشيوعيين ملتزمين منتظرين نتائج اجتماع اللجنة المركزية وما اذا كانوا سيشاركون في الحكومة ام لا ، وكان قرار اللجنة المركزية هو المشاركة للاسهام في تغيير الطبيعة البرجوازية للسلطة الحاكمة. مثالا اخر انا شخصيا عملت مع الوفد السوفيتي الذي جاء لوضع الخطة الخمسية لنهضة السودان ، وكان وزير التخطيط وقتها عبدالكريم ميرغني وعملنا جميعا في اطار دعم الخطة الخمسية وروجنا لها جماهيريا باعتبارها رافعة تنموية ستضع السودان في مرحلة متقدمة تنمويا واقتصاديا واجتماعيا.
اذن كيف بدأت الخلافات حتي أدت لمحاولة انقلاب 19 يوليو؟
الواقع السياسي الذي كان موجودا في ذلك الوقت ان الحزب الشيوعي كان له وزن جماهيري ونفوذ كبير وكان شبه مسيطره علي الحكومة منذ أكتوبر كما ذكرت لك، فمثلا بعد اكتوبر كانت معظم حكومة سرالختم الخليفة من الشيوعيين اذ كان لنا ممثل واحد كبقية الاحزاب وفي نفس الوقت كان لنا أكثر من كادر جاءوا كوزراء من خلال جبهة الهيئات، ومجلس السيادة كان مشكلا من شخصيات لم تكن بعيدة عنا كثيرا أمثال التجاني الماحي وعبدالحليم محمد وكذلك كان هناك أثنين من الجنوبيين ، ورئيس القضاء كان بابكر عوض الله وهكذا كان نفوذ الحزب واضحا علي مستويات الاجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومن ناحية أخري كما ذكرت لك كان للحزب 11 عضوا في البرلمان عقب الانتخابات لكن المخيف للقوي الاخري هو عدد الناس اللذين صوتوا للحزب فالحزب كان الثاني من حيث عدد الاصوات في العاصمة بعد الحزب الاتحادي وليس حزب الامة ، وحتي بعد حل الحزب فازت بعض قياداته في دوائر رمزية وتاريخية بالنسبة للاحزاب الكبيرة فقد فاز عبدالخالق محجوب في دائرة الازهري في امدرمان وفاز أحمد سليمان في دائرة الشريف في بري وفاز الحاج عبدالرحمن في دائرة عطبرة. أنا شرحت كل هذا الكلام لأوضح مدي نفوذ الحزب الشيوعي والازمة الدستورية والسياسية التي كانت موجودة في البلاد ، وبالتالي فان مايو التي كانت جزءا من التيار اليساري في البلاد كانت جزءا من هذا الصراع ، وقادة مايو كانوا يعلمون انهم يحتاجون لدعم الحزب حتي ينجح انقلابهم وبالتالي كان هناك صراعا في ميزان القوي بين الاحزاب الكبيرة وبجانبها التيار الاسلامي وبين التيار اليساري وفي قلبه الحزب الشيوعي هذا من جهة ، ومن جهة أخري حدث صدام بين مايو والحزب أيضا حول ميزان القوي ، وفي هذا الاطار يمكن أن تقرأ مواقف عبدالخالق ورغبته في اعطاء تأييد ودعم مشروط لنظام مايو.
البعض قد يفسرون كل حديثك هذا علي خلفية خلافاتك الفكرية والسياسية مع عبدالخالق محجوب؟
من الناحية الموضوعية بكل تأكيد ان حديثي هذا مرتبط بخلافاتي الفكرية والسياسية مع عبدالخالق لان هذا الخلاف نفسه جزءا من التاريخ الذي نتحدث عنه ، وبالتالي لا بد ان يكون له تداخلات وتقاطعات كثيرة مع حديثي هذا ، ولكي نسرد التاريخ دون تجني لا بد ان نتعرض لهذه الامور بدلا عن سياسة تهمة لا ننكرها وشرف لا ندعية التي سار عليها الحزب لاخفاء الكثير من الحقائق ، لكن هذا التعرض لتلك الصراعات لا يأتي من باب التشفي أو التشويه فنحن جميعنا نخطئ ونصيب بقدر اجتهاداتنا ، ولاتنسي الاجواء السياسية في العالم كله في الستينات كانت تدور حول هذه الامور.
مقاطعة : ماهي الحقائق التي أخفيت؟
الحقيقة هي ان عبدالخالق دبر لانقلاب 19 يوليو وهو المسئول عنه، وكما ذكرت لك فان عبدالخالق كان مسئولا عن العمل العسكري في الحزب وعن العلاقة بالضباط الشيوعيين في الجيش، وهم الذين هربوه من سجنه في الشجرة وأخفوه الي أن وقع الانقلاب وهاشم العطا كان المسؤول عن الفرع العسكري وأبوشيبه كان هو المسؤول عن تأمين عبدالخالق شخصيا وهؤلاء هم قادة الانقلاب، والحزب قرر في اجتماع للجنته المركزية في 1970م ان خطه هو اسقاط النظام هكذا بالواضح ، ومن يقول لك ان هذا الاسقاط لن يكون بالعمل العسكري في ذلك التوقيت يكون قد تعمد اخفاء الحقائق الواضحة.
مقاطعة: هذا الاجتماع كان قبل قرار فصلكم وانقسامكم الشهير ؟
لا كان قبله وكان اجتماعا مخصصا لتقييم مايو وماتم من انجازات وما لم يتم وكان محموما بالاجواء العدائية لانه جاء عقب قرارات نميري بعزل الضباط الشيوعيين من مجلس قيادة الثورة واقالته لعدد من الوزراء الشيوعيين فيما يعرف في أدبيات الحزب بردة 16 نوفمبر ، والحديث عن ان تلك القرارات تعدل ردة يظهر لك بوضوح ان الحزب أيد مايو لكن بشروط كان يراها عبدالخالق لاسباب ايدلوجية وفكرية مرتبطه بنظريته حول من ينجر مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، وأسباب سياسية مرتبطة بميزان القوي وشعور عبدالخالق بان الحزب يمتلك قوة يمكن أن يسيطر بها علي السلطة والبلاد بأكملها، وفي ذلك الوقت كان الصراع داخل الحزب علي اشده بين تيار عبدالخالق الذي كان يسير بالسياسة التي شرحتها لك مع مايو وتيار بقيادة أحمد سليمان معاوية سورج وغيرهم ، وهؤلاء كانوا في وقتها وزراء في مايو وكانوا متأثرين باغراء السلطة، ورفضوا الانصياع لاراء عبدالخالق التي كانت قد وصلت لقطيعة نهائية مع مايو .
حريات: المعروف انك كنت جزءا من مجموعة أحمد سليمان ومعاوية سورج وخرجتم عن خط الحزب وقراراته ولذلك تم فصلكم جميعا؟
انا لم أكن جزءا من أي مجموعة بل انا دعوت لوحدة الحزب وتفادي الانقسام ، لكن عبدالخالق لم يعط فرصة للوحدة وكان يسيطر علي كل شئ في الحزب وأجهزته وهيئاته وقياداته وقراراته، وكان يري ضرورة تطهير الحزب من العناصر اليمينية والرجعية والانتهازية والمهتزة وما الي ذلك من الاقوال والمصطلحات في تلك المرحلة.وقام عبدالخالق في هذا الاطار بتشكيل لجنة سميت لجنة فحص الكادر ، تخيل ان يتم فحص كوادر تنتمي للحزب منذ عشرات السنين بل ووصلت الي قيادته ولجنته المركزية، وبالفعل حدث المحظور وتم قرار بفصل عدد يقارب نصف عضوية اللجنة المركزية ، ومنت أنا ضمن تلك المجموعة. فأنا علي سبيل المثال لم أنقسهم بتاتا ، لكني في الحقيقة كنت علي خلاف مع عبدالخالق ، وأذكر انه في سبتمبر 1970م جاءني التجاني الطيب ودعاني للقاء عبد الخالق وفعلا تم الاجتماع في منزل شريف الدشوني عضو اللجنة المركزية وقتها ، وطلب مني عبدالخالق في ذلك الاجتماع عدم الانقسام من الحزب ، وقال لي انت يا فاروق رغم انك كنت باستمرار علي يميننا (( يقصد انني كنت أمثل التيار اليميني داخل الحزب)) لكنك لم تخرج عن دائرة صنع القرار في الحزب وأفضل أن تبقي في الحزب، وانا قلت له انني ليس لدي رغبة في الانقسام لكني طلبت منه وقف الاجراءات التي بدأها وأبلغته ان هذه الاجراءات تعد تمهيدا حقيقيا وعمليا للانقسام.
حريات: ما حقيقة خلافاتك مع عبدالخالق حول تحويل الحزب الشيوعي لحزب اشتراكي ديمقراطي؟
أولا وأهم شئ نحن لم ندعو لتحويل الحزب بمعني تصفيته تماما وتحويله لحزب اخر ، لكن الخط الذي دعونا له كان يعني تكوين حزب اشتراكي ديمقراطي عريض لتتوحد داخله كل القوي الديمقراطية التي لا تنتمي للحزب بصورة مباشرة كعضوية وهؤلاء كانوا بالالاف في ذلك الوقت ، علي ان يكون الكادر الشيوعي في قلب هذا الحزب ويعمل من داخله مع الاخرين في بناء التوجه الديمقراطي الاشتراكي في السودان، وكذلك لتجاوز اشكالات كثيرة مرتبطة ببعض النفور لدي السودانيين من مسالة الدين وموقف الماركسية من الدين المرتبط بالالحاد لدي الكثير من السودانيين وتجاوز الدعاية المضادة من الاحزاب الدينية في هذا الاطار ، بالاضافة لأهمية تحويل الحزب الي قوة اجتماعية كبري، بالاضافة لمفاهيم بناء الخط الديمقراطي وسط الناس في الارياف والقري وكل أنحاء السودان واستيعاب الصراعات الثقافية الموجودة في البلاد بما في ذلك مشكلة الجنوب وخلافه.
مقاطعة : اذن ما هي أسباب الرفض من التيار الاخر؟
قبل أسباب الرفض ، الامر الغريب ان أول من قدم هذا الطرح كان عبدالخالق محجوب نفسه، وكان ذلك في اجتماع موسع لبعض عضوية اللجنة المركزية للحزب مع الكادر الحزبي في مدينة مدني وانا كنت قياديا في الحزب في مديرية النيل الازرق في ذلك الحين وكنت حاضرا هذا الاجتماع وقدم عبدالخالق ورقة بعنوان (( نحو تحول عميق في وضع الحزب)) وتحدث فيها عن ضرورة تحويل الحزب لقوي اجتماعية كبري ، وحول مفهوم تصحيح الأخطاء الحزبية في العمل بين الجماهير ، وفي هذا الاجتماع قدم عبدالخالق رؤيته بشأن تأسيس الحزب الاشتراكي العريض ليكون حزبا منفتحا ايدلويجا لكن الكادر الشيوعي موجود بداخله بجانب التيارات الديمقراطية الاخري، وأذكر ان بعض الحضور في ذلك الاجتماع من كوادر الحزب لم يكونوا مقتنعين بذلك الطرح تماما، وكان يرون ان هذا الطرح أشبه بالخروج عن الخلفية النظرية للحزب التي تتبني الماركسية اللينينية التي تري ان الطبقة العاملة هي التي تحقق الثورة في نهاية المطاف. المهم ان عبد الخالق هو صاحب المبادرة في هذا الطرح ، الذي بدأت النقاشات حوله تدور بشكل ديمقراطي وجيد نحو التبلور الواضح لفكرة قيام الحزب الاشتراكي السوداني ، بل ولقد بدأن العمل مع الكثير من الديمقراطيين في هذا الاطار.
حريات: كيف حدث الخلاف، وماسر التحول الذي حدث لاحقا؟
كما قلت لك تلك الرؤية أخذت في التبلور والنقاش ، وتمت الدعوة للمؤتمر الرابع للحزب لمناقشتها وانتخاب قيادة جديدة في العام 1966 م بعد قيام المؤتمر الثالث في 1956م ، وبالفعل انعقد المؤتمر ( الذي عرف لاحقا بمؤتمر الجريف) في أبريل 1966، ولكن المفجأة ان عبدالخالق غاب عن ذلك الاجتماع بشكل مفاجئ ، وعندما سالنا عن سبب غيابه عرفنا انه سافر لحضور مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتي وقد استهجنت مع اخرين من عضوية المؤتمر ذلك التصرف من سكرتير الحزب ، وأكدنا ان حضوره لمؤتمر الحزب الشيوعي السوداني أهم من مؤتمر الحزب السوفيتي مهما كانت أهميته وأذكر ان نقد جاء أيضا بشنطة سفره الي الاجتماع بحجة انه مسافر لحضور اجتماع الحزب الشيوعي الهندي، وطرحت قيادة الاجتماع ضرورة تحويل هذا المؤتمر لمؤتمر تداولي ، بمعني سحب جزء من شرعية المؤتمر لان المؤتمر العام يعد أعلي هيئة وسلطة في الحزب، ومنذ ذلك الحين شعرت بان هذا الامر متعلق باتجاه جديد للتملص من أطروحة تأسيس الحزب الاشتراكي وان هذا الامر متعلق بانتظار رؤية السوفيتفي هذه الاطروحة، لكننا اعترضنا علي مسألة تحويله لمؤتمر تداولي ، واستؤنف المؤتمر بكل شرعيته وعضويته واجاز أطروحة تكوين الحزب الاشتراكي وانتخب لجنة مركزية جديدة دخلت فيها أنا ونقد واخرين عضوية اللجنة المركزية وانتخب عبدالخالق غيابيا كسكرتير عام لها.
وبعد عودة عبدالخالق من موسكو قالم بالغاء كل قرارات المؤتمر واستطاع ان يقنع الجميع بالنكوص عن فكرة انشاء الحزب الاشتراكي ، وتمت الدعوة بسرعة الي مؤتمر اخر في نوفمبر من نفس العام ( 1966م) وكان المؤتمر في مزرعة في بري، وأنا تقدمت بطلب ادانه لعبدالخالق جراء خروجه عن قرارات المؤتمر، لكن تاثير عبدالخالق كان طاغيا وكل القيادات التي كانت متبنية فكرة الحزب الاشتراكي تراجعت عن تلك الفكرة أمثال نقد وعزالدين علي عامر وعمر مصطفي المكي وسليمان حامد، ولم يتمسك بذات الموقف سواي أنا والامين محمد الامين والشفيع أحمد الشيخ ، ورغم ذلك تم تأسيس الحزب الاشتراكي لاننا لم نكن نستطيع التراجع بعد ان قطعنا أشواطا مع حلفائنا ، وتم تأسيسه بجانب قيادات ديمقراطية لها وزنها الاجتماعي أمثال أمين الشبلي ومكاوي مصطفي وغيرهم ، لكن كل تلك الصراعات داخل الحزب أدت في نهاية المطاف الي أن الحزب الاشتراكي قد ولد ميتا ، والسبب اننا رفعنا يدنا عن الحزب الجديد.
وبعد ذلك تمت اجازة وثيقة المؤتمر الرابع المعروفة بالماركسية وقضايا الثورة السودانية ، وهي كانت ورقة أعدت علي عجل من تقارير وجهد اللجنة الاقتصادية للحزب لكنها لم تقدم الرؤية السياسية المستقبلية للحزب لعدم قدرتها علي طرح الرؤية المؤيدة أو الرافضة لفكرة الحزب الاشتراكي التي كانت في قلب الطرح السياسي للحزب في ذلك الحين.
حريات: دعنا ندلف الي مرحلة أخري …. أبريل الانتفاضة … انت لعبت دورا في تجسير العلاقة بين الحركة الشعبية والتجمع النقابي بعد الانتفاضة، حدثنا عن هذا الدور.
خلال فترة نميري وعقب خروجي من السجن الذي استمر لعامين في زمن نميري ، سافرت الي اليمن الديمقراطية الشعبية ( سابقا ) وعملت كخبير في برنامج الاغذية والزراعة التابع للأمم المتحدة ( الفاو) في مدينة عدن ، وعدت الي السودان بعد الانتفاضة مباشرة في 1985 م ، وكان الاخوان المسلمين ممثلين في الجبهة الاسلامية القومية مسيطرين علي الوضع السياسي بعد أن استفادوا من الامتيازات التي وجدوها خلال حكم نميري عقب تحوله يمينا وتبنيه البرنامج الاسلامي والشريعة الاسلامية في العام 1983م، ووضع القوي الديمقراطية كان ضعيفا بعد ما تعرضت لهقياداتها خلال الحقبة المايوية وبالتالي كان الاسلاميين مسيطرين علي المجلس العسكري والتجمع النقابي ، المهم انني عرضت علي ميرغني النصري فكرة انني يمكن أن العب دورا في الاتصالات مع جون قرنق كاول مسعي لوقف الحرب بين الشمال والجنوب، وبالفعل أدرت اتصالات مع رئيس اليمن الجنوبي في ذلك الحين علي ناصر محمد الذي مهد لي اجراء لقاء مع بعض قيادات الحركة الشعبية في أديس ابابا ، والتقيت بوفد الحركة متمثلا في رياك مشار ويوسف كوة ودانيال كودي والطاهر بيور ، وكان أول لقاء بين التجمع النقابي والحركة الشعبية بقيادة جون قرنق ، وبعدها تواصلت الاتصالات عن طريق شخصيات وطنية اخري أمثال محمد عمر بشير والواثق كمير حتي كللت تلك المساع بانعقاد مؤتمر كوكادام الشهير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.