وزير التعليم يصدر قراراً بتشكيل لجنة عليا لمراجعة مناهج التعليم العام    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاتنين سودانيتين يثرن ضجة إسفيرية غير مسبوقة ويتبادلن "القبلات" الساخنة بطريقة مثيرة على الهواء والغضب يجتاح مواقع التواصل    تكليف مجلس تسيير لاتحاد الالعاب المصغرة الوليد بكسلا    *الجاموس.. كشف ضعاف النفوس..!!    ثنائي الهجوم الأحمر يصل رواندا    جنوب السودان..تفاصيل مثيرة في محاكمة رياك مشار    قيادة الجيش بالفاشر: الأوضاع تحت السيطرة    كامل إدريس إلى الولايات المتحدة الأمريكية    حفل الكرة الذهبية.. هل يحقق صلاح أو حكيمي "المفاجأة"؟    القوز يعود للتسجيلات ويضم هداف الدلنج ونجم التحرير    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    الهلال والجاموس يتعادلان سلبيا والزمالة يخسر من ديكيداها    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. ظهر وهو يردد معها إحدى أغنياتها عندما كان طفل.. أحد اكتشافات الفنانة هدى عربي يبهر المتابعين بصوته الجميل بعد أن أصبح شاب والسلطانة تعلق    من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى الأستاذ محمود.. الجمهوريون والمصريون !! (1-4)
نشر في الراكوبة يوم 20 - 01 - 2014

(ِإذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)
صدق الله العظيم
كثير من المثقفين السودانيين، تعجلوا أمرهم دون تعمق، ودون دراية، حينما تعرضوا لمواقف وآراء الجمهوريين ..
فقد قاد الأستاذ محمود الثورة الوطنية، الوحيدة، ضد الاستعمار الإنجليزي المصري، فجاء المثقفون السودانيون بآخرة، ممن كانوا يساريين وتحولوا الى ليبراليين، يتهمونه بالرجعية، ويزعمون أنه قام بالثورة تأييداً للخفاض الفرعوني !! وحين قاد الجمهوريون مناهضة حل الحزب الشيوعي السوداني، في منتصف ستينات القرن الماضي، وصفهم المثقفون اليمينيون والطائفيون بأنهم يساريين!! وحين دعا الأستاذ محمود للمصالحة مع إسرائيل، وصفه اليساريون بأنه عميل صهيوني !! على أن كل هذه الآراء، التي تنطوي على ضحالة، وجهالة واضحة، لم تبلغ الفرية، التي افتراها الكاتب الصحفي مصطفى عبد العزيز البطل، الذي زعم دون ان يرمش له جفن، أن الجمهوريين يبغضون مصر !! والجمهوريون لم يتركوا موقفهم في نفوسهم، حتى يحلله البطل بأنه بغض لمصر ورموزها، وإنما نقدوا الحكام المصريين، وسياساتهم تجاه السودان، بحجج واضحة، كان يمكن للبطل ان يتناولها، ويفندها، لو كان جاداً، بدلاً من ان يقفز الى دعوى البغض هذه التي ألقاها دون تحرز. والبطل لم يفاجأ بهذه المعلومات مؤخراً في كتاب الأخ عبد الله البشير، إلا لأنه لا يقرأ !! فقد أخرج الجمهوريون كتباً حوت نقد الأستاذ محمود لبعد الناصر، وللأزهر، وللفقهاء المصريين، ولأطماع الحكومات المصرية في السودان، منذ السبعينات. كما كتبنا عشرات المقالات في الصحف السودانية، في أوقات مختلفة- والتي نسعيد بعضها هنا – شرحنا فيها موقف الجمهوريين من مصر، ومن قضية التكامل والوحدة معها، والتي طرحت بقوة إبان عهد نميري. وليس عيباً ان يجهل البطل حقيقة موقف الجمهوريين من مصر، ولكن العيب ان يخوض فيما لا يعلم، ويظنه أمر (هين) يمكن الخوض فيه من باب (الونسة)، خاصة وإنه الآن قد اصبح كاتباً له قراء يتابعون كتابته، ويتأثرون بها، في هذا الزمن الأغبر، الذي وصفه محجوب شريف شاعر الشعب بأنه (الزمن المكندك والحزن الإضافي) !! إن الصحفيين الشرفاء، لا تنشر لهم صحف حكومة الاخوان المسلمين، وإنما يمنعهم جهاز الأمن من الكتابة !! ويمنع الصحف من النشر لهم، فإذا فلت من أحدهم مقال، جرجر في المحاكم .. فأين مصطفى البطل من شرف المهنة وأمانة الكلمة ؟!
كتب مصطفى البطل (وكنت ولزمن طويل أحتار في سر بُغض الجمهوريين لمصر ورموزها واندفاعهم في الكيد لها والتشكيك في سياساتها. والاحباب الجمهوريون يتميزون في غالب امرهم بالهدوء الرصين والترفق الرزين والتثبت المنهجي، الا في أمر مصر، فاذا جاء ذكرها ركبت رؤوسهم مردة الجن. وهو ذات الشئ الذي لحظته في سيرة خالد، عند مقارنتي لمرافعته اللاطمة ضد هيكل بسائر كتاباته الاخرى. ولكن عماهة الجهل انقشعت وانبلج السر الذي استخفي عني زمناً طويلاً في شأن "عقدة" مصر عند الجمهوريين، بعد أن توغلت في قراءة كتاب "محمود محمد طه والمثقفون" لحبيبنا الاستاذ عبد الله الفكي البشير. إذ استبان لي كيف ان مرشد الجمهوريين الاستاذ محمود كان قد بادر مصر بعداءٍ مرير مستطير، فسفّه ثورتها، وعنّف قائدها جمال عبد الناصر وسخّف أعماله منذ اول يوم له في السلطة في مقتبل خمسينات القرن المنصرم، وقال عن مصر وسياساتها ما قاله وما لم يقله مالك في الخمر. ثم ان الاحباب الجمهوريون يتهمون مصر بالتآمر عليهم، ويعتقدون أنها كانت وراء محاكم الردة وغيرها من الممارسات الكيدية التي استهدفت التنكيل بهم والقضاء على مذهبهم وقد استشففت استشفافاً من مطالعتي لكتاب صاحبي عبد الله الفكي البشير ان الاستاذ محمود كان يحس بالمرارة تجاه جامعة ام درمان الاسلامية، فبادرها بالعداء وحاربها وسعي الى اغلاقها، لا لشئ الا لاكتظاظها بالاساتذة المصريين، مثل رائد علم الاجتماع الدكتور على عبد الواحد وافي وغيره من علماء المحروسة الذين لم يستأنسوا بالفكرة الجمهورية فقعدوا لها كل مرصد)(الرأي العام 16/1/2014م). هذه هي شهادة الكاتب الصحفي مصطفى البطل (ْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) !! يدعي بأن الاستاذ محمود بادر مصر بعداء مرير !! وأن الجمهوريين يتهمون مصر بأنها وراء محكمة الرّدة وأن الأستاذ يحس بمرارة من الجامعة الإسلامية وقد سعى الى إغلاقها !! وذلك لأن بها اساتذة مصريين لم يوافقوا على الفكرة الجمهورية !! وكل هذه المزاعم عارية من الصحة وهي لن تضر الاستاذ ولا الجمهوريين شيئاً وإنما تزن مصطفى البطل في ميزان القيم .
ولقد كتبت من قبل (ان العلاقة السودانية المصرية، قد إيفت بآفات عديدة، وملئت بسلبيات واضحة، وخلفت عبر الزمن، الكثير من المرارات في النفوس. فالعلاقة منذ القدم كانت توجهها الأطماع، فقد غزا محمد علي باشا والي مصر، من قبل الأتراك، السودان طلباً للمال والعبيد .. ولم يكن السودانيون في نظره غير موارد يستغلها دون مقابل. وحين ارسل ولده اسماعيل، كان فتاً غراً، لم يقبل بان يأخذ الغنائم فقط، بل جنح الى الإساءة ، الى المك نمر زعيم الجعليين، مما اشعل الحرب، التي مات فيها الآلاف من السودانيين، بسبب صلف الباشا وغروره .
وحين جاء الغزو التركي، كان المصريون جزء منه، رغم انهم هم انفسهم مستعمرون بواسطة الاتراك .. ولكن الشعب السوداني تلقى الاضطهاد على أيديهم، هم، فلم يميز بينهم وبين الترك. وكان ظلم الأتراك للسودانيين، من أهم اسباب نجاح الثورة المهدية. ثم جاء المصريون مرة أخرى، حكاماً مع الانجليز، فيما عرف بالحكم الثنائي، وكان دورهم بالنسبة للمواطنين أسوأ من الانجليز، لأنهم يرونهم أقرب إليهم من حيث الدين والعرق، ثم هم مع ذلك، يستعمرونهم. ومنذ ذلك الوقت، ظن المصريون ان السودان تابع لمصر .. ومع بواكير محاولات السودانيين للتخلص من الاستعمار، ظهرت دعوة الوحدة مع مصر تحت التاج المصري .. وكانت مصر تتبنى كل الأحزاب السودانية الإتحادية، وتعادي الاستقلاليين، لمجرد رفع شعار السودان للسودانين .. وكان الساسة المصريون، يمنون شعبهم، بالتمسك بالسيادة المصرية على السودان. ومن ذلك مثلاً ان صدقي باشا، قد خاطب الشعب المصري، بقوله (لقد جئتكم بالسيادة على السودان) أو قوله (لقد اعترف نهائياً بوحدة مصر والسودان تحت التاج المصري)( الرأي العام 29/10/1946م). ولم تتوقف الأطماع المصرية حتى بعد قيام الثورة المصرية، فقد كان عبد الناصر رحمه الله، يتوقع ان يتفق السودانيين على الاتحاد مع مصر، وقد استاء عندما أعلن الاستقلال من داخل البرلمان. ولما لم تتم الوحدة ، لم يقتنع عبد الناصر بذلك ، ففي عام 1957م ارسل الجيوش المصرية الى شرق السودان، ووضعت العلم المصري على حلايب. وكان يمكن ان تصبح حلايب جزء من مصر، منذ ذلك التاريخ ، لو لا ان رئيس الوزراء في ذلك الحين السيد عبد الله خليل، قد كان حقاً في مستوى مسئولية الدفاع عن تراب الوطن. فقد ارسل قوات من الخرطوم الى حلايب، وأعلن الحرب على مصر. ولقد إلتف الشعب السوداني كله خلف عبد الله خليل، يدعم هذا الموقف الوطني الشجاع . وانسحب عبد الناصر مفضلاً ان يكسب الشعب السوداني كله بدلاً عن جزء من اراضيه .
ومن التجارب السيئة في علاقة السودان ومصر، إتفاقية مياه النيل 1929م .. ثم تهجير أهالي حلفا عام 1959م، من أجل بناء السد العالي. ولقد فرط الحكم العسكري الاول، بقيادة الفريق ابراهيم عبود، فلم يستطع المفاوضة، بغرض اعادة النظر في اتفاقية مياه النيل. فالاتفاقية كانت قد ابرمت بين دولتي الحكم الثنائي، والسودان غائب تحت الإستعمار. وكون السودان كان مستعمراً ، حين وقعت الإتفاقية، يعطيه الحق في نقدها وتغييرها. ولكن الفرصة قد ضاعت لأن اتفاق 1959م لم يصحح هذا الوضع. ولقد اعطت الإتفاقية مصر 48 مليار متر مكعب، في حين اعطت السودان 4 مليار متر مكعب فقط !! أما الزيادة الناتجة من بناء السد العالي، فقد نال منها السودان 14.5 مليار متر مكعب، ونالت مصر 7.5 مليار متر مكعب فيصبح بذلك جملة نصيب السودان، من مياه النيل ، حسب هذه الإتفاقية المجحفة 18.5 مليار متر مكعب بينما نصيب مصر من مياه النيل 55.5 مليار مترمكعب !! ليس هذا فحسب ولكن اتفاقية 1959م التي ضاعت بمقتضاها حلفا أعطت السودان فقط 15 مليون جنيه (الرأي العام12/11/1959م). وهذا لمبلغ الضئيل، انفقت الحكومة منه 13 مليون لتشييد قرى حلفا الجديدة، بخلاف الخزان، واعداد المشروع الزراعي، بخلاف تكاليف الترحيل، وادارة التوطين، والتعويضات التي دفعت للمواطنين المرحلين)(عمر القراي: أجراس الحرية –ابريل 2008).
لقد كان الجمهوريون يقاومون الاستعمار الذي كانت مصر أحد طرفيه، مقاومة لا هوادة فيها، بينما كانت الأحزاب الكبيرة، التي تكونت من مؤتمر الخريجيين تتجه دائماً الى مهادنة الإستعمار، وطرح بدائل مقبولة لديه، مثل الوثيقة التي نادت بها الأحزاب السودانية وهي تدعو للاتحاد مع مصر والتحالف مع بريطانيا !! وقد تكون على أساسها، الوفد الذي أعد ليسافر إلى مصر، فقد جاء (أن الوفدالسوداني عقد مؤتمرا صحفيا أعلن فيه : أن مطالب السودانيينتتلخص في :
(1)إقامة حكومة سودانية ديمقراطية حرة في اتحاد مع مصر وقد تركتحديد نوع هذا الاتحاد معلقا لم يبت فيه.
(2) مصر والسودان سيقرران معا طبيعةهذا الاتحاد .
(3) عقد محالفه مع بريطانيا العظمى على ضوء هذا الإتحاد المصريالسوداني) (جريدة الرأي العام 28/3/1946) . ولقد رفض الحزب الجمهوري هذا الإتجاه وعن هذا الرفض جاء (ورفض الحزب الجمهوري الوثيقة التي إئتلفت عليها الاحزاب الأخرى في 25 أغسطس 1945م- وتبناها المؤتمر في اكتوبر 1945م- لأنها تختلف في جوهرها عن دستور الحزب. وقد سبقت الاشارة الى ان احد بنود الوثيقة ينص على قيام حكومة سودانية ديمقراطية حرة في اتحاد مع مصر وتحالف مع بريطانيا. وفي معرض تعليقه على هذا البند قال الحزب الجمهوري " اننا لا نفهم لماذا نتقيد باتحاد وتحالف فنضع بذلك حق البلاد الطبيعي في الحرية موضع المساومة بان ندفع ثمن الحرية اتحاداً مع هذه او تحالفاً مع تلك " ) ( فيصل عبد الرحمن على طه : الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان . ص 231). وبناء على تاريخ علاقة مصر بالسودان، وانطلاقاً من مواجهتها باعتبارها مستعمر، بنى الجمهوريون موقفهم السياسي الفكري من مصر.. وهو لا يقوم على البغض والكراهية، كما زعم مصطفى البطل، وإنما يقوم على النقد الصادق، الصريح، الذي يرمي الى تصحيح المسار. ولهذا حين قامت ثورة يوليو 1952م، خاطب الأستاذ محمود رئيسها محمد نجيب، ليس تطفلاً عليه، وإنما نصحاً له، ومحاولة لتغيير النظرة السلبية تجاه السودان .. وذكره أنه إن لم يكن صاحب رسالة في الاصلاح لن يفيد مصر، ولن يصحح علاقتها بالسودان. فقد جاء (والفساد في مصر ليس سببه الملك، وليس سببه الساسة، والاعوان، الذين تعاونوا مع الملك، بل ان الملك، واعوانه، هم، أنفسهم، ضحايا لا يملكون ان يمتنعوا عن الفساد، وان يدفعوه عنهم .. فان أنت اردت ان تلتمس أسباب الفساد، فالتمسها في هذه الحياة المصرية، في جميع طبقاتها، وجميع اقاليمها – تلك الحياة التي أقامت أخلاقها، اما على قشور من الإسلام، أو على قشور من المدنية الغربية، أو على مزاج منهما .. وأنت لن تصلح مصر، أو تدفع عنها الفساد، إلا اذا رددتها الى أصول الاخلاق، حيث يكون ضمير كل رجل عليه رقيباً. من أنت ؟؟ هل أنت صاحب رسالة في الإصلاح، فتسير بشعب مصر الى منازل التشريف، أم هل أنت رجل حانق، جاء به ظرف عابر، ليقلب نظاماً فاسداً، ثم يضرب ذات اليمين وذات الشمال، حتى ينتهي به المطاف : أما لخير ، وأما لشر ؟؟ .... وشئ آخر نحب ان نشير اليه هو علاقة مصر بالسودان، فانها قامت، ولا تزال تقوم، على فهم سيئ .. فإن انت استقبلتها بعقل القوي تستطيع تبرأتها مما تتسم به الآن من المطمع المستخفي والعطف المستعلن، فان السودانيين قوم يؤذيهم ان يطمع طامع فيما يحمون كما يؤذيهم ان يبالغ في العطف عليهم العاطفون)(محمود محمد طه 18 /8/1952م).
وحين ازاح عبد الناصر محمد نجيب، لم يكن الاستقلال قد تحقق للسودان، وكانت مصر عبد الناصر تريد للسودان ان يستمر تابعاً لها.. فإذا كان الأستاذ قد واجه كتلة الاتحاديين السودانيين، لسيرها في هذا الاتجاه، الذي كان سيبقي على شطر الاستعمار، هل كان متوقعاً منه ألا يهاجم عبد الناصر، وحكومته التي تدعم ذلك الاتجاه وتقويه ؟! ثم أن عبد الناصر كان يتزعم كتلة عدم الانحياز، مع أنه بدأ ينحاز الى المعسكر الشرقي، وهو أمر يجر المنطقة كلها لتصبح عظم نزاع بين المعسكرين الدوليين .. ولهذا جاء في خطاب الاستاذ لعبد الناصر (.. فإنك ، لن تستطيع الحياد اذا أسرفت في عداوة فريق من الفريقين، فان الإسراف لا يورث الاعتدال ، فانت لا تجني من الشوك العنب ، وانك لن تستطيع ان تكون " ايجابياً" في مبادئك ، الا اذا كنت تملك الفلسفة الايجابية .. وما نرى لك من فلسفة بازاء الرأسمالية والشيوعية ، غير الاسلام ، اذا ما ارحت الدولة العربية، من تدخلك في شئونها ، ومن دجل دعوة القومية العربية ، فسيكون على كل دولة عربية ، داخل حدودها- ولا يعني هذا عدم التعاون المتكافئ –ان تبعث الإسلام من جديد ، وان تطبق مذهبيته التي تحقق التوفيق بين الاشتراكية ، والديمقراطية ، أي بين العدالة الإجتماعية ، والحرية الفردية المطلقة ) ومما ذكره له الأستاذ أيضاً ( فقد لبثنا نراقب الثورة في كل ما تأتي وما تدع، فنراها تنحرف شيئاً فشيئاً عن النهج القويم.. فبدل أن توقظ العقول المصرية، والضمائر المصرية بالتربية الرشيدة، والفلسفة الإنسانية البانية، والحرية الفردية، التي تخلق الرجال والنساء، أخذت تكبت المصريين كبتاً ألغى عقولهم، وأفسد ضمائرهم، وساقهم سوق السوام بلا إرادة ولا اختيار، ثم ضربت عليهم من الرقابة ما أخرس ألسنتهم، وأقامت عليهم من الجاسوسية ما أفسد ذات بينهم، وألبسهم لباس الخوف)(محمود محمد طه 11/8/1958م).
د. عمر القراي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.