أطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض، بل هم نعمة الله التي وضعها مع المال في ميزان واحد وسائر النعم دونهما في الحياة الدنيا. فإن رعيناهم وأحسنّا تربيتهم فلحوا، وأن تجاهلنا توجيههم وإرشادهم فسدوا وأصبحوا وبالاً علينا رغم حبنا الشديد لهم، وبين هذا وذاك يقف أسلوب العقاب والثواب محفِّزاً مهماً لاتمام هذه التنشئة الحتمية، لذلك فإن ضيّقنا عليهم حملوا سوالب المجتمع وعقده منهجاً، وإن فرطنا وتركنا لهم «الحبل على القارب» حملوا اللامبالاة سلوكاً ومساراً إلى الأبد. «الأهرام اليوم» دخلت بعض البيوت وسألت أربابها عن كيف يقوِّمون أبناءهم فماذا قالوا؟ الأم مها محمد قالت لا توجد مبررات لقسوة الأمهات على أبنائهن، فهنالك من يقُمن بالضرب واستخدام ألفاظاً غير لائقة لتخويف الأبناء، وأضافت أن أطفال هذا الزمن نُبهاء جداً وأذكياء بحيث يحتفظون بذلك الكلام في عقولهم الباطنة وقد يخرجونه في أي وقت مما يسبب الإحراج للأم. وأضافت أن القسوة قد تسبب للطفل مشكلة نفسية خطيرة تستمر معه حتى أرذل العمر ويصبح شخصاً معقّداً لا يستطيع أن يتعامل مع أمه والمجتمع بصورة طبيعية. وأضافت أنه لا بد للأمهات من أن يتحدث أسلوباً سليماً للتربية من أجل أن يكون لدينا جيلاً معافى يُسهم في نهضة البشرية. وختمت حديثها بأن القسوة في التربية تجعل الأبناء يخافونك ولا يُكنّون لك أي احترام. وأضافت بأن سوء المعاملة يولّد جيلاً فاشلاً لا تكون لديه مسؤوليات ويحاول أن يعوّض تلك المعاملة بأشياء قد تكون مُسيئة، مشيرة إلى أنه عندما يكبر الوالدين لن يجدا أية رحمة من الأبناء لذلك أرحموا من في الصغر ليرحموكم في الكبر. وأوضح الزين عثمان رب أسرة أن ما يجعل الآباء والأمهات يلجأون إلى القسوة مع الأبناء ربما لعدم فهم ما يقومون به من تصرفات. وأشار بالقول إنني لا أتعامل بهذه الصفة، وأردف أن تربية الأبناء من هذا الجيل لا علاقة لها بتربية أبناء جيلنا فهنالك فوارق. فهم يعيشون في سماوات مفتوحة خصوصاً في زمن انفجار ثورة المعلومات واستخدام التكنولوجيا يفعلون أي شيء على هواهم فهنا يمكن للآباء استخدام القسوة لكن بصورة أكثر حضارة ووعي تجعل الابن يُدرك أنه يستحق العقاب مثلاً من خلال التحدُّث معه وبطريقة تجعله يُدرك الموقف بدلاً من أن نُطلق عليه ألفاظاً قد تصاحبه طوال عمره. وكما يقول المثل «ضرب السوط ولا ضرب اللسان» وأضاف لا بد أن يكون هناك منهج يعلّم الآباء كيفية تربية الأبناء. ففي دول الغرب توجد مناهج تربوية فلماذا لا يكون لدينا مثلها لكي تساعدنا على تربية جيل صالح. أما فوزية منصور فتقول إنها في بعض الأحيان تصب جام غضبها على أبنائها خصوصاً عندما يلحون في طلب الأشياء ولا «يسمعون الكلام» فبذلك تخرج عن السيطرة ولا تستطيع أن تتمالك أعصابها بحيث تقوم بالشتم والدعاء عليهم أو تضربهم وذلك من أجل مصلحتهم، وهي تعتقد أن هذا لا يؤثر عليهم، وتقول لقد «ربونا» أهلنا بنفس الأسلوب والطريقة ولو كان الشخص يتعقّد أو يصبح جافي كنا نحن أول من تأثر. وختمت بقولها إن هذه القسوة لا تكون نابعة من القلب ولكنها تصبح الطريقة الوحيدة لإعادة الأمور إلى نصابها. ويقول إختصاصي علم النفس ياسر موسى إن قسوة الأمهات على الأبناء لها أثر على الأبناء ومصدر هذه القسوة يرجع إلى الثقافة «الأمومية» والثقافة الأصل التي تستمد منها الأم ممارستها للأمومة برغم أن الجانب الغريزي واحد في بني الإنسان في كل بقاع الأرض إلا أن الجانب السلوكي يختلف باختلاف الثقافات. فكل ثقافة لها خواصها الجغرافية المرتبطة بالمناخ والنمط الاقتصادي السائد بالإضافة إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية، غير أن الاختلاف الثقافي هو الذي يجعل الأم تستخدم أساليب «الترهيب والتخويف» المستمدة من الثقافة نفسها فغالباً تستخدم الأم التخويف من أجل ضبط سلوك الطفل واخضاعه إلى رغباتها وبهذا فإن القسوة موجودة ولها مبرراتها التي يلعب فيها مستوى التعليم لدى الأم وقدرتها على حل مشكلاتها الحياتية الأخرى دوراً مهماً. موضحاً أن هذا الأمر يؤثر تأثيراً كبيراً على سايكولوجية الطفل ويكون ضعيف الشخصية والإرادة ولا يستطيع تحمل المسؤولية بالإضافة إلى إصابته بالاضطرابات النفسية المصاحبة للطفولة مثل «التبول اللا إرادي» وإضطرابات السرقة، ومشكلات السلوك، والنشاط الزائد، وفقدان التركيز، والتأخر الدراسي، وتأخر النطق، ومشكلات التعبير، والتواصل مع الآخرين، مضيفاً أن تكوين الأبناء مشاعر سالبة نحو الوالدين سببها عنف الأبوين الزائد تجاههم. الاهرام اليوم