حال بلادنا يغني عن السؤال والبحث والتقصي عن الدرك السفل الذي قادها إليه هذا النظام المخبول الذي ما زال يناور بإسطوانة (الحوار الوطني) وإطلاق الحريات العامة في الوقت الذي تعكس أفعاله ردود أفعال مغايرة مؤداها مواصلة إشعال الحروب في أطراف البلاد وتخومها وإعتقال المعارضين وتكميم الصحافة الحرة لتكريس بقاءهم في السلطة بلا أمل في الإصلاح أو نهاية لدورة الفساد والإفساد التي إكتنفت الحياة السياسية والإقتصادية وأوردت البلاد موارد التهلكة وذهاب ريح الوطن . ولن نذهب بعيداً بالقول أن خطاب البشير في يناير الماضي لم يكن إلا حلقة متصلة من حلقات الفشل الكامل للنظام وأن الإسلام السياسي الذي أثبت فشله في شمال الوادي لم يكن في جنوبه بأكثر حظاً مع فارق الظروف المصاحبة لذلك ففي الوقت الذي إنحاز جيش شمال الوادي لإرادة شعبه ورغبته في التغيير لم تجد القوات المسلحة بداً في جنوب الوادي من خوض حروب النظام بالوكالة ضد المعارضين من مواطنيه الذين لم يجدوا سبيلاً لتغيير النظام الجاثم علي صدر الوطن لأكثر من خمسة وعشرين عاماً غير الكفاح المسلح. هذا التقسيم غير العادل والمخالف لكل ثوابت الروح الوطنية المتأصلة في مواقف القوات المسلحة في إنتفاضتي أكتوبر ورجب المباركتين اصابت في مقتلٍ كل المحاولات للثورة ضد النظام في أكثر من مدينة وفي عديد المناسبات .. إلا أن ذات هذه المواقف جعلت حدود الوطن مكشوفة ومشرعة علي مصارعها للإعتداءات المنظمة والممنهجة دون ردود أفعال تساوي فعل التعدي مما جعل البلاد لقمة سائغة للطامعين في الوقت الذي يخوض الجيش الوطني كل حروبه ضد المعارضين للنظام ويبدو ذلك أقصي أماني الجهاد عندهم لا تستحي دول الجوار والدول الأخري من التعدي وإغتصاب أراضي الوطن والنظام يطأطيء الرأس خجلاً وخوفاً ورهباً ويبرز مثلث حلايب مثالاً حياً لخفر الدولة المصرية لذمة جوارها لبلادنا وإنتهاكها بلا حياء جيرة الإسلام والعروبة بلا خوف من مسائلة أو وجلٍ من عقابٍ . 11/2/2014م هو التاريخ المحدد لمرور وزيارة أحمد المسلماني المستشار الإعلامي للرئيس المؤقت لجمهورية مصر العربية (عدلي منصور) وهو يبدو توقيتاً مناسباً ودولة الإخوان بالخرطوم في اقصي درجات ضعفها وأبلغ مدي إنحلالها بعد تمزق العصابة الحاكمة أيدي سبأ إلي فسطاطين يناطح بعضه بعضاً ويكيد بعضه لبعضٍ الدسائس والمكائد ذلك في الوقت الذي تبدو حكومة ولاية البحر الأحمر في سكرة مهرجانها الذي لا طائل تحته ولا فائدة ترجي منه سوي الرقص والطرب وصرف المال العام في سفه لا يحسد عليه . وزيارة المسلماني والتي أعلن عنها رسمياً في أجهزة الإعلام المصرية المرئية والمسموعة والمقروءة هي للإجتماع مع زعماء القبائل (السودانية ) من البشاريين والعبابدة والأمارأر والتشاور معهم حول المرحلة القادمة التي تنتظر الدولة المصرية من إنتخابات رئاسية وبرلمانية وبحث ومعالجة كل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية التي تعصف بالمثلث الذي أهمل من قبل النظام لأكثر من ربع قرن من الزمان إنشغل فيه رموز النظام بنهب المال العام وإشعال الحروب وفصل البلاد وتقسيمها والتناحر حول السلطة وكراسي الحكم في غيابٍ كامل لردود الأفعال من الخرطوم والتي تبدو غائبةٍ تماماً عن المشهد ومسرح الأحداث . علي أرض الواقع النظام الآن وفي ظل الصعوبات التي تعصف بالدولة مع غياب أي حلولٍ في الأفق لا يستغرب أن رد الفعل الطبيعي هو إلتزام الصمت حيال ما يحدث داخل المثلث بعد أن تسرب من بين يديه تسرب الماء من بين الأصابع ... فالنظام سبق له أن دفع ثمن المثلث وقايض سيادته عليه بملف محاولة الإغتيال للرئيس الأسبق (حسني مبارك) ولا يملك الآن سوي إطلاق التصريحات هنا وهناك بأن (حلايب) سودانية وقد خفت هذا الصوت نهائياً بعد سقوط دولة الإخوان في الشمال . إذاً النظام في الخرطوم وحكومة الولاية ببورتسودان تبدو قليلة الحيلة وعاجزة عن الإعتراض علي هذه الزيارة الرسمية والمستفزة أو الرد الدبلوماسي وإستنكار تمادي الحكومة الإنتقالية في مصر علي الإستمرار في إحتلال المثلث تحت سمع وبصر النظام في الخرطوم وفي الوقت الذي تبدو فيه هذه الزيارة هي البداية لإبتلاع المثلث بثرواته النفطية والمعدنية من قبل الحكومة المصرية والجيش المصري في أقصي درجات التأهب والإستعداد تبدو علي قواتنا المسلحة الإرهاق وتوظيف كل مجهودها العسكري والحربي في شن الحرب ضد الجبهة الثورية في ولايات البلاد الجنوبية وقصف المدن والقري والتهجير القصري للنساء والأطفال بأمر النظام و لا يلوح في الأفق أي بارقة أمل لسكان المثلث من قبائل البجا حول إمكانية العودة إلي حضن الوطن ..ولست أدري كيف سيكون الإجتماع بين المسلماني وقبائل البجا فالقبائل لا تجيد اللهجة المصرية والمسلماني لا يعرف كلمة في اللغة البجاوية وظني أن جرأة النظام المصري في التعدي علي المثلث لن تحوجه إلي جهد لإيجاد لغة للحوار بين الطرفين حتي ولو كان (حواراً للطرشان )..ولا حول ولا قوة إلا بالله. عمر موسي عمر - المحامي [email protected]