تحلّق جميع السودانيين لسماع خطاب الرئيس المفاجأة كما روج لها قيادات الوطني ...وكانت المفاجأة انه لا جديد في الخطاب غير اللغة الأكاديمية والصفوية التي كتب بها الخطاب أما الخطاب في لبه دعوة قديمة للحوار حددت مرتكزاتها هي ( الهوية – السلام – الاقتصاد – الحريات )...والسؤال المنطقي للجبهة الإسلامية وربيبها المؤتمر الوطني بعد إن استوليتم على السلطة بالسيف وبقانون الغلبة وحكمتم السودان مدة ربع قرن تتساءلون الآن عن الهوية والسلام وقضية الحريات وكيف يدار الاقتصاد في بلد مترامي الأطراف ؟ نعتبر أن الخطاب اعتراف صريح من المؤتمر الوطني بفشله في إدارة السودان ولذلك كتب بلغة فلسفية ليغطي الإخفاق المريع وان الحركة الإخوانية رجعت الي ما قبل انقلابها في 30 يونيو أي إلى فترة الحكم الديمقراطي برئاسة السيد الصادق المهدي وهو أول من نادي بفكرة المؤتمر الدستوري والذي كان مقرر له قيامه في أغسطس 1989وكان من المفترض إن تشارك فيه جميع الأحزاب بما فيها الحركة الشعبية برئاسة جون قرنق وكان مقرر أن تتفق فيه على نفس هذه المرتكزات وصياغة دستور دائم للبلاد أي عمل عقد اجتماعي وهذه كانت سانحة يحلل فيها أهل السودان كثير من القضايا المستعصية بالأيدي بدل الأسنان ,لذا استعجلت الجبهة القومية الانقلاب وكان يملئهم الغرور ويمدحون أنفسهم بأنه (دوائر الوعي )( والأيادي المتوضئة ) وهي التي استباحت أموال الشعب السوداني أما دوائر الوعي وهنا نتساءل هل حقا الجبهة القومية وربيبها المؤتمر الوطني على درجة من الوعي يمكنهم من حللت أزمات السودان المستعصية ؟ وهل هم أصلا كانوا ملمين بجغرافية وتاريخ السودان ؟ نستطيع أن نقول وبضمير مرتاح أن فكر وسياسة الجبهة القومية بائس وهزيل فيما يخص السودان الدليل أن فكر الحركة الاخوانية السودانية كله لا يتناول قضايا السودان بل يهوم في قضايا الفقه الخلافية وكيفية تمكين جماعة الإخوان في السلطة , والصياح السياسي ولا يؤمنون بدولة المواطنة بل كانوا يطلقون علي السودانيين المسيحيين (الذميين ) وعندما انتقدتهم الصحف اصحبوا يطلقون عليهم (أهل العهد ) يمكنكم الرجوع إلي أدبيات الجبهة القومية ولم يطلقوا مصطلح المواطنة ( الذي سرقوه من فكر الإمام الصادق المهدي ) الأ بعد انقلابهم عندما حاصرهم المجتمع الدولي يعني مجبر أخاك لا بطل.أما الدليل الأخر بعد ربع قرن من حكم الجبهة القومية وربيبها المؤتمر الوطني هاهم كأن على رؤوسهم الطير يقفون على أطلال السودان يطالبون بحوار ومؤتمر دستوري فروا منه قبل خمس وعشرين سنة دفع فيها السودان وشعبة ثمن غالي حتي تبلغ الجبهة القومية وربيبها الحلم .. وعندما كانت الجبهة القومية تتبجح بضرب التصوف حتى تحل محله لم تكن تدرك إنها تضعف وتخلل إحدى ممسكات الوحدة الوطنية والتي عندما ضعفت رجع السودان إلى عوامله الأولية أي إلى القبلية والعشائرية وهاهو السودان وأهله يتلظون بالحروب القبيلية في غرب السودان لكن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا فشلت الحركة الإخوانية ومن قبلها اليسار في تطبيق فكرها وشعاراتها على ارض الواقع بالرغم مما أتيح لهم عقود في السلطة المحروسة بالبندقية ؟ والإجابة بسيطة فنخب اليسار واليمين يريدون استزراع منتج فكري مستورد بالقوة بدون حتى دراسة التربة السودانية وهذا فيه ازدراء واضح للشعب ولحرية اختياره وبكل غرور نصبوا أنفسهم أوصياء عليه . أن التربة السودانية أنتجت لنا ثلاثة مدارس فكرية سياسية أولا - مدرسة السودان للسودانيين والتي تستمد جذورها من ثورة الإمام المهدي والذي تطورت على يديه الصوفية في السودان من مجرد إبداء النصح والمشورة إلى الفعل العسكري وإدارة الدولة ثم كان الفعل السياسي حيث كان حزب الأمة القومي من أوائل الأحزاب المسجلة (1946 )والذي رجح شعاره (السودان للسودانيين ) في الاستقلال والآن المدرسة الفكرية والتي شيد صرحها الإمام الصادق المهدي والمستمدة فكرها من الواقع السوداني وجوهرها يقوم على المزاوجة بين الاصل والعصر وتتخذ من الوسطية الدينية والسياسية منهجا لها و صاحبة قصب السبق في اى مبادرة فكرية تخص البلد وتجد النخب السياسية الأخرى تشرق وتغرب وعندما يحتار دليلها يعودون لفكرة الإمام وان بعد خمس وعشرين سنة فكرية , وبعد(المواطنة –والمؤتمر الدستوري ) هاهو يطرح فكرة الدولة المدينة يا ترى بعد كم سنة فكرية يتبنون طرحه ثانيا – هناك المدرسة الاتحادية وتقوم فكرتها الأساسية على الإتحاد مع مصر وقد نظر المفكر أبو القاسم حاج حمد لفكرة الاتحاد مع مصر (كانت مصر تعكس من ناحية جغرافية تاريخية حضارة البعد المتوسط في تركيب الحوض السوداني وقد كان لهذا البعد المتوسط في مرحلة ما قبل القومية العربية المعاصرة الأثر الكلي في التطور الحضاري للسودان فالتوجه لمصر ظل يعني التوجه نحو المتوسط بكل حضارته وثقافته وتراثه ) ورغم ذلك لم نتعرف الى الظروف التي رغمت الاتحادين الى عدم تطبيق الشعار (وحدة وادي النيل )وظل شعار معلق يتسمون به فقط وضمر فيهم الفكر وسيطر الفعل السياسي فقط ثالثا – هناك مدرسة السودان الجديد منظرها جون قرنق ومستشاره منصور خالد وتقوم أساسا على جدلية الهامش والمركز اى شد أطراف السودان وضرب الوسط لإعادة تركيب السودان وإنشاء سودان موحد علماني وضغطت هذه المدرسة بكل ما لديها من أسلحة تمرد الجهوية الجنوبية – الدول الأفريقية - والدول الغربية بمجتمعها الدولي .وقد لعبت دور أساسي ومؤثر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مازالت إلى ألان ,رغم أن هناك ثغرة كبيرة لم يتحسب لها المنظر جون قرنق ومستشاره منصور خالد وهي أن الحركة الشعبية نفسها لم تكن مقتنعة بفكرة السودان الجديد ناهيك عن المواطن الجنوبي ونستطيع أن نقول أن الفكرة تقريبا مات مع موت صاحبها وان الجنوب اختار الانفصال وودع السودان جديدا كان أم قديما . والآن هل يمتلك اليسار ممثل في الحزب الشيوعي واليمين ممثل في الحركة الأخوانية الشجاعة ليس في الاعتذار عن الأخطاء التي ارتكبوها في حق البلد والشعب فقط ولكن يمتلكون حق تصحيح فكرهم المستورد بما يتماشى مع التربة السودانية.