بسم الله الرحمن الرحيم يبدو (ولسوء الحظ) أن أحداث أوكرانيا المؤسفة ومن قبلها الحدث السوري المرعب، تزامنت مع مرحلة إنتقالية تمر بها العلاقات الدولية، وهي تتجه نحو الوصول لحالة إتزان جديدة. من أبرز سماتها تراجع الدور الأمريكي(ومقطورته الدول الغربية) او إنكماشه داخليا! مما أتاح الفرصة للدب الروسي المتجمد للتمدد دوليا، ولمشروع الملالي في طهران التمدد إقليميا. علي حساب النفوذ والسيطرة الأمريكية ومصالح حلفائها، القائمة طوال النصف قرن الماضية. وإذا صح ذلك، فهذا يشير من جهة ثانية، الي أن الدول الصغيرة او الدول ذات التأثير القليل دوليا، تصبح هي ساحة صراع للأقوياء. بمعني، إن آلية إدارة الصراع او الوصول الي حلول للنزاعات التي تتعرض لها تلك الدول(المُستضعفة)، ترتهن بيد الخارج. وبكلام آخر، يتم توجيه الصراع للوصول به، الي مرحلة توازن الضعف بين المتصارعين! وهي المرحلة التي تنضج وتستوي فيها مصالح الدول الكبري(المُستكبرة، بتعبيرات الأسلمة). وكلٌ ينال، بحسب ما يملكه من أدوات ضغط. او بتوظيف الصراع لجهة خدمة قضايا مختلفة، او من أجل الحصول علي تنازلات في ملفات أخري! غير ذات صلة بالصراع الأصل!! ولذلك نادرا ما تتقاطع مصالحها مع مصالح الدول الصغري، التي تواجه صراعاتها الداخل /خارجية. ومع إهمال كامل لعامل الزمن، وما يحمله من خسائر بشرية ومادية، وما يشكله من خطر، علي حاضر إستقرار المجتمع، ومستقبل تماسك الدولة! في هذا الإتجاه، تصبح حالة الإستعصاء الدولية، او الخلل في التوازن الدولي! هي حالة الصراع المفتوح بإمتياز، او حالة اللأحلول جذرية للصرعات التي تتعرض لها دول الظل، او الدول المفعول بها إذا جاز التعبير! ولكن الخطورة الحقيقية التي تحملها سياسة التنويِّم او التباطؤ الدولية، بسبب تناقض المصالح! تتمثل في أنها تقود الصراعات الداخلية، الي متاهات الحروب الأهلية والصراعات العدمية، أي الحرب من أجل الحرب والإنتقام فقط! او حرب اللأقضية واللأهدف. وبجملة واحدة، تهيئة البيئة اللأزمة لتفريخ الإرهاب، والذي يفسر بدوره حالة الإنغلاقات الداخلية والخارجية! والتي تتجلي بصورة واضحة، في وجود أنظمة إستبدادية عسكرية، تمتلك السلطة والقوة والموارد الإقتصادية، وتفتقد للشرعية والإحترام، أي أنظمة تفتقد القدرة علي جلب المنفعة ودفع الضرر! ضد شعوب فارقت خانة الذل والتدجين وإهدار كل الحقوق، والغياب عن الفضاء العام قسريا. لتعلن عن وجودها، ولو في صورة مواجهة غير متكافئة، وتنعدم فيها أبسط شروط الندية والصراع، وتنذر بتقديم أعلي كلفة من التضحيات! او يمكن تسميتها حالة وعي الشعوب بذاتها علانية، ورؤيتها لأنظمتها الحاكمة عارية وبكل سوءاتها ونواقصها وإنعدام مروءتها! بعد أن كسرت حاجز الخوف، من أنظمة تقيم وجودها وشرعيتها، علي زرع الخوف والفتنة بين مكونات الشعب!! وخلاصتها صراع بين الظلم الغاشم المسكوت عليه! وبين الحق المحروم من النصيِّر، علي أرض الواقع وساحات الصراع!! ويبدو أن الأزمة أكبر من أزمة علاقات دولية مأزومة وتعاني من إختناقات متتالية، وإن حقييقة الأزمة تعود لإستنفاد النظام الراسمالي لأغراضه، في غياب البديل المقنع! بمعني، إن أزمة العلاقات الدولية، هي إنعكاس لأزمة النموذج الراسمالي المُسيطر، والذي وضع أسس التوازن الدولي، سياسيا وإقتصاديا وثقافيا وإستراتيجيا..الخ بناءً علي مصالحه، وحدد علي ضوءها حتي حدود ومناطق النفوذ. أي حاول أن يضع نفسه كخلاصة للتاريخ، تمتنع علي الإضافة او الإبتكار او التجاوز!! وذلك ليس بسبب إمتلاكه لميكانزيمات داخلية او بنيوية تمتلك السيطرة علي الحاضر وتتخطاه الي توجيه المستقبل، الوجهة الأكثر تحرر وإبداع وتفجير لطاقات البشرية، في أجواء من السلام والتسامح! ولكن لأن نموذجه إكتسب سلطاته وجاذبيته وسيطرته او سيادته الراهنة، بالمقارنة مع المشاريع الأخري المنافسة، أي ليس لجهة تطلعات البشرية للحرية والكرامة والعدالة. بمعني، إن النظام الراسمالي كسب الجولة التاريخية الراهنة، ولكنه لم يكسب معركة التاريخ نهائيا خاصة في نسخته المستقبلية! أي ليس كما يروج هذا النظام لإنتصارته النهائية المزعومة. لأن هذا المشروع وبقدر ما قدم للبشرية من خدمات متعددة، علي مستوي التطور السياسي والإقتصادي والتقني..الخ. إلا أنه لم يولِ الجانب الإجتماعي او الإقتصاد/إجتماعي حقه الأوفي! بمعني، إنه مشروع موجه بالتحديد لرجال الأعمال ومراكمة المال والأرباح وإحتكارهما وبأسهل الطرق. وما الحوافز والخدمات الإجتماعية المواكبة له، إلا ذر الرماد في العيون، او كنوع من الرشوة العامة، لشراء صمت الغالبية العظمي من الجمهور. أي مدارة لقبحه من جانب، وحماية له ولإستمراره من الجانب الآخر. بوصفه مشروع يعمل ضد الجماهير، ولصالح النخب المتحكمة في السياسة والإقتصاد والإعلام، بل حتي تصميم القوانين والقِيِّم! وبتعبير أكثر وضوح، إن النظام الراسمالي موجه لأصحاب المواهب والقدرات الخاصة، وهم بطبيعة الحال أقلية في أي مجتمع، والمقصود توجيه تلك المواهب والقدرات للصالح الخاص والمتع والملذات الأكثر خصوصية، أي لصالح قلة قليلة متحكمة في النظام الراسمالي. وبتعبير آخر، إن النظام الراسمالي مصمم وموظف ضد الناس العاديين اوغمار الناس. أي نظام يستعلي علي أصحاب الإمكانات المحدودة وهم بالطبع الغالبية. والأسوأ أنه يوظف تلك القدرات مع محدوديتها، لتعظيم مكاسبه ومنافعه! بعد أن حدد سلفا تقييمه الخاص لتلك القدرات(ذكاء/مواهب/قدرات خاصة او محدودة!). والمقصود من هذا التقييم بالطبع، هو تحديد درجة المكافأة! وهو تقييم مفيد جدا لجهة تقاسم الكيكة بين المتحكمين. وصمم بناءً علي هذا التقييم الفرز المجتمعي! الجامعي والمعهدي والعاملي والمناشطي إجتماعي/رياضي/فني بل حتي الصندوقي الإنتخابي!! بمعني، إن النظام الراسمالي بقدر ما هو نخبوي، فيما يخص إحتكار المصالح والمتع والرغبات! بقدر ما هو شعبوي ودُغمائي فيما يخص الحشد والتجيِّش، عبر آليات جذبه وإغرائه الإعلامية والثقافية والرياضية والفنية. أي نظام يحتاج للجماهير والكثرة، ليس بغرض خدمتها او تحسيِّن ظروفها المعيشية، ولكن لتوظيفها لخدمة آلته الجهنمية النهمة! ولذلك يسعي بجد وإجتهاد منقطع النظير، لتحويل حياة الكتل العريضة من الجماهير، ناحية ثقافة الإستهلاك ومرض الإمتلاك حتي لإغراض لأ تحتاج إليها! المهم فقط، هو حركة الأسواق والبضائع وتدوير الأموال بكل الوسائل، ولو إستدعي ذلك إختلاق المعارك والخصومات، تشجيعا لإستهلاك السلاح في المخازن، ولفتح فرص عمل جديدة لتروس آلاتها، وتاليا شراء المزيد من الصمت والوقت، لإستمرار هذا النظام المخادع للإنسانية والمتاجر بحقوق الإنسان العام وليس الإنسان الخاص! خصوصا علي المستوي الإقتصادي والإجتماعي. والنظام الراسمالي بمحركه الربحي او بقوة دفعه المنفعية الخاصة، حول حتي العمليات السياسية، ذات الطابع الإجتماعي السلمي لإدارة الصراعات والإختلافات، الي نوع من الأسواق الكبيرة، التي يجوز فيها العرض وبكل الأساليب(توظيف مسائل شخصية او ذات طابع تاريخي) وإستخدام كل الوسائل( مالية دعائية تضخيمية مفارقة للواقع) لنيل المكاسب، أي الهم هو الفوز فقط! أي تحويل السياسة من عملية بناء وإضافة، الي معركة غايتها الإنتصار بالضربة القاضية! في هذا الإتجاه تصبح حتي الديمقراطية, كآلية مبتكرة للتمايز بين المشاريع السياسية، وأداة فعَّالة لإقناع الجماهير ومن ثم ثمثيلها. مطعون في مضمونها، بعد وقوعها في قبضة نفس النخب السياسية والإقتصادية، البعيدة فعليا ومصلحيا عن بقية الجماهير! ويصح، أن الديمقراطية نفسها تطورت خلال السياق الراسمالي، او بمجاورة له علي مستوي أفق إتاحت الحريات العامة. لذلك مثلت الجانب المشرق من هذا النمط، ويمكن لها إذا ما فُعِّلت بطريقة أكثر تمثيل وتعبير، عن هموم الغالبية العظمي من الجماهير، أي إذا ما نُزعت عنها السيطرة والتدخلات والإستغلال النخبوي المصلحي! أن تلجم حتي جماح النظام الراسمالي الجشع، أي تحميه من شرور نفسه!! وهذا ما يستدعي المزيد من الإجتهاد والتطوير من قبل الجماهير، من أجل إيجاد آليات جديدة، تكون قادرة علي ضبط الجشع الراسمالي من جهة، وعدم الإنزلاق او الإرتداد الي الشموليات القابضة من الجهة المقابلة! علي أن تكون حقوق الإنسان بكل شمولها وتفاصيلها وبصورة متوازنة، هي المحرك الفعلي لهذه الآليات او المشاريع. أي تطوير بدائل أكثر فاعلية، لجهة المشاركة الإيجابية والمؤثرة في السلطة، والتوزيع العادل للثروة، بعد الجهد المبذول بحق في إنتاجها. مؤكد، أن هذه المشاريع الجديدة المطلوبة، لأ يمتلك نموذجها الرئيس الروسي الحالي فلادمير بوتين! الذي يحاول الآن أن يشغل الفراغ الدولي، الذي خلفه تراجع النموذج الراسمالي، ممثل في الولاياتالمتحدة ومن خلفها الدول الغربية! لأن بوتين نفسه يمثل نسخة مكرورة للدكتوريات العتيقة الآيلة للإنقراض، ولو بوسائل ديمقراطية، موجهة او متحكم في مساراتها! بمعني أنه يبرر بإسلوبه التحكمي الإستحواذي علي السلطة! لإستمرار النظام الراسمالي ويمنحه أكسير الشباب! أي يقدم بطريقته الإحتكارية للفضاء العام، ونموذجه الموشح بالإستبداد وبإرجاع الأمة الي حضن الجحيم! طوق النجاة لمشروع غارق في أزماته، ويتعرض للضربات من كل الإتجاهات يوميا! وبتعبير صريح، يؤكد صدقية النموذج الراسمالي بوعوده الكاذبة! بمعني، أنه يصور الوضع كالآتي، إما النظام الراسمالي، بكل جشعه وقبحه وتبلد حسه الإجتماعي التكافلي التشاركي! وإما النموذج الإستبدادي، بكل فظائعه وشروره وإلغائه لحقوق الإنسان، وفي مراحل لأحقة وجوده في الحياة. في سبيل إثبات صحة الصفاء الإيديولوجي المزعوم، بحجة إن الأنسان في خدمة الإيديولوجية! وليس العكس كما هو مفترض. لأن ألإنسان غاية، وليس وسيلة، توظف للإمساك بأيديولوجية زئبقية، تتنكر بإستمرار لإطروحاتها المثالية النظرية! و تؤول في النهاية لسلطة فردية، او حكم أقلية متسلطة ومتعالية علي المحكومين! وفي وضعية كهذه، لأ يمكن لعاقل مُتزن نفسيا، أن يفضل النموذج الثاني علي الأول! المهم أن الرئيس بوتين جوهريا، يلعب نفس الدور الذي لطالما أداه القذافي وعاشه صدام حسين ويقوم به حاليا بشار الأسد! وهو دور الهروب من تلبية المطالب الداخلية والأستحقاقات المشروعة ودفع ضريبة الشرعية، بفتح المجال العام أمام الحريات والمنافسة العادلة والمشاركة في الحكم، او خضوع الحاكم لمشيئة الجماهير الإنتخابية! ويستبدل كل ذلك، بمزيد من الطموحات الخارجية والإحلام الإمبراطورية، والإدعاء بأن الأولوية للقضايا الكبري ومواجهة أعداء الأمة(ذهنية تشككية تستهويها اوهام المؤامرات). خاصة وأن الشعب الروسي نفسه، لأ ينقصه الغبن علي الخارج، ويعاني من حالة الطعن في كبرياءه الأممي، بعد تضعضع الإمبراطورية السوفييتية السابقة، وسقوطها مغشيا عليها! علي الرغم من عظم تكلفة بنائها، سواء بقوة الحديد والنار داخليا، او عبر شراء الحلفاء والمناصرين خارجيا! او ما يمكن تسميته بالمرض الإمبراطوري، والذي كما يصيب الحكام، قد يصيب الشعوب أيضا( أي حالة تتقمصها الشعوب، ويتمثل فيها كل فرد دور الإمبراطور ذاته، وبهذا تحدث مماهة بين الشرف والكرامة الوطنية والإمبراطور، وتاليا ما يمس الإمبراطور يمس الفرد والإمبراطورية/الوطن!) وهي حالة يحسن إستغلالها كل الحكام/الأباطرة، بما فيهم بالطبع الإمبراطور الجديد بوتين. وهو الشئ الذي يمكنهم من تسويق برامجهم المعطوبة، رغما عن خطورة إرتدداتها عليهم داخليا، مزيدا من الكبت والقهر والإستبداد وإهدار لحيوية المجتمع، الذي يتحول آليا الي مجتمع مُتكلس، تنقصه روح المبادرة وحساسية التقدم والإنطلاق(المرض الإمبراطوري يمكن أن يشاهد أيضا في ايران، وتتعافي منه تركيا بالتدريج بعد أن فتحت أشرعتها لرياح الحداثة بما فيها من عقلانية وتواضع ونسبية!). وإلا بماذا نفسر صمت الشارع الروسي وموافقة برلمانه المخجلة، علي ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية الي الدولة الروسية! وعبر إستفتاء مخجل ومن جانب واحد ومن دون الرجوع، للحكومة المركزية الأوكرانية او مجرد الإعتراف بها أساسا. وكأن شبه جزيرة القرم تنتمي الي الفراغ. أي ضمها عبر القيام بعملية همبتة دولية، أعادت الأمجاد الي شريعة الغاب وطلعات الجنجويد! وهنا تبرز عدة أسئلة، فإذا كانت الحكومة الروسية جادة في موضوع ضم شبه جزيرة القرم، وبغض النظر عن المخالفة الفاقعة والفاضحة للقوانين والنظم الدولية! لماذا لم تسعَ لهذا الضم منذ وقت مبكر؟ وإنتظرت حتي حدثت التطورات الأخيرة علي الأرض الأوكرانية؟! وهل تسمح الحكومة الروسية لأي مقاطعة من مقاطعاتها، بالقيام بعملية إستفتاء من طرف واحد، ومن ثم الإنضمام لدولة أخري؟! وإذا صح هذا الإجراء الأخرق؟! ألا يعلن بدوره عن تفجر كل الدول من الداخل؟! والدخول في حالة نزاعات وصراعات وتعقيدات قانونية لأ حصر لها؟! ألا يعني هذا المسلك البدائي، الإستغناء مرة واحدة، عن القوانين والنظم والشرعية، وغيرها من أدوات التفاهم والتعامل في هذا العصر؟!! إن ما حدث في شبه جزيرة القرم يمثل فضيحة دولية بكل المقاييس، وإهانة لدولة أوكرنيا ولشعبها وللضعفاء في كل مكان! وقبل ذلك تحد واضح للمجتمع الدولي. والذي يمهد بدوره لدور قادم لروسيا، ليس لجهة إحترام القوانين القائمة، أو إقتراح قوانين بديلة أفضل حالا منها! ولكن علي مستوي الإرتداد الي مجتمع التزوير الدولي، والخداع القسري وفرض الأمر الواقع! أي علي مستوي تقنين التحايُل، وتبرير الإستبداد او الصمت عليه لأ فرق، ودعم الدكتاتوريات بالتساهل مع جرائمها ضد الإنسانية. وفي الحقيقة الرئيس بوتين لم يأتِ بجديد، بل تصرف وفق ما يمارسه أي رئيس مستبد مُسخِّر للقوانين المحلية و(مُطيِّع) للإنتخابات الداخلية، ورافض للقوانين الدولية التي لأ يطال تغييرها وفقا لمزاجه. إضافة الي إستنكاره وضعية بلاده المتدنية علي سلم الترتيب الدولي، والتي تستجدي الإستثمارات، وتستحي من طلب الإعانات، لمعالجة تعقيداتها الداخلية، بعد أن كانت ملء السمع والبصر! ولكن الخلل الأكبر يتمثل في موقف الولاياتالمتحدة والدول الغربية، التي تركت مجتمعة، المساحة والزمن والفرصة، التي لم يتوانَ عن أقتناصها الدب الروسي الجريح! وهذا اللوم الموجه لها، ليس من باب القناعة بمشاريعها السياسية والإقتصادية والإجتماعية علي الإطلاق، او بسبب أفضليتها وبدرجة لا تقارن، مع النموذج الإشتراكي المغلق والمعادي بطبعه للحريات، ولأ بسبب مواقف مبدئية عرفت عنها علي الدوام! ولكن لأن ما تملكها من أوراق ضغط، في هذه اللحظة التاريخية الراهنة، لم توظفها كما يجب! علي الأقل دفاعا عن نموذجها المتهاوي! بتعبير آخر، إن القيادات التاريخية الحالية وبالتحديد أوباما، لم يكن علي قدر اللحظة التاريخية الراهنة! وما زاد الطين بلة، هو التأييد الذي يجده علي هذا التراجع والأداء الضعيف وتغيير المسار عكسيا! سواء من قبل شريحة معتبرة من النخبة الأمريكية، او من قبل قطاع وازن من المجتمع الأمريكي! والذي إرتد لحالة العزلة التاريخية، أي الإهتمام بالشأن الداخلي، والكف عن التورط خارجيا، لأي سبب من الأسباب، ومهما كانت الخسائر المترتبة علي هذا الإنكماش! بمعني فقدان الشهوة الإمبراطورية، مع توفر القوة والطاقة والمقدرة!! ليس المقصود الدفاع عن الأطماع الإمبراطورية وإندفاعاتها المصلحية المتهورة! ولكن المقصود بالتحديد، تصديها لتجاوزات الإستبداد المناوئ وممارساته الهمجية! علي أعتبار أن تقبل نظام عالمي غير مقنع وعلي مضض، أفضل عشرات المرات من السلوك الهمجي، الذي تمارسه الأنظمة المستبدة ويتفنن في نشر جحيمه الدكتاتوريون، لأنه ببساطة يحول العالم الي مكان غير صالح للبقاء الإنساني! وإحتمال جزء كبير من هذا التراجع الأمريكي والتردد الأوبامي! يعود للرعونة والتهور والإندفاعات العنفية، التي مارسها بوش الإبن ومن خلفه المحافظين الجدد! عبر الدخول المسلح او إستعمال لغة العنف مباشرة، او إتخاذه كأفضل وسيلة لتحقيق الأهداف والطموحات الأمريكية! مع عدم التحسب لأي درجة من المخاطر او الخسائر، التي تعقب تلك النوعية من التدخلات، ورغما عن الحصاد المر للتجربة الفيتنامية! والمحصلة، إن الدور الأمريكي فقد الوسطية والعقلانية، في التعاطي مع القضايا الدولية التي جابهها، أي إما التدخل السافر او التراخي الخاسر، وفي كلا الأمرين، تعرض الموقف الأمريكي للخسارة المباشرة تارة، وللإحراج والإنكسارات تارة أخري. وما الموقف الأمريكي في العراق وأفغانستان سابقا، وفي سوريا ومن ثم أوكرانيا حاليا، وفي مواجهة الخصم اللدود روسيا، إلا أكبر دليل علي تلك الخسارة وذلك الإنكسار. والنتيجة لهذا التدخل المسلح الأرعن والتراخي والتباطؤ الإنكساري، كانت الخسارة لكل الأهداف و القضايا، التي تتبناها الولاياتالمتحدة او ما تعلن عنه علي الملأ، سواء علي مستوي نشر الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، وحرية التجارة والأسواق، أو علي مستوي صنع الإستقرار ومحاربة الإرهاب ومكافحة الهجرة غير المشروعة! وأصبح الكاسب الأكبر من هذه الحالة الأمريكية الملتبسة والضعيفة والمتراجعة، هي روسيا بنسختها البوتينية الشريرة، والأسد بكل إرتكباته وفظائعه اللأإنسانية، وإيران بكل إستبداد وفساد وتسلط ملأليها، وطموحاتها غير المشروعة وزعزعزتها للإستقرار الإقليمي! ولكن يظل الخاسر الأكبر من هذا الأداء الأمريكي/الأوبامي الضعيف، والأداء الغربي المرتبك والمنتظر للمبادرة الأمريكية ليبني عليها مواقفه! هي الشعوب العربية والأفريقية وغيرها من الشعوب، المضطهدة والمغيبة عن التاريخ والحقوق. والتي تواجه أنظمة وحشية عديمة الرحمة والإنسانية، و لأ طموحات او مشاريع لديها غير البقاء والديمومة في السلطة، مهما كانت الكلفة البشرية والمادية والمستقبلية لهذا البقاء غير المستحق. ولكن كما تبزغ الشمس من رحم الظلام، ستخرج الشعوب المقهورة من عتمة الإستبداد، ولتعلن بملء فِيِّها و إرادتها، عن نهاية عهد الطغيان وميلاد عهد الشعوب والأوطان. وفي الختام نستظل بدوحة الرائع دوما والراحل المقيم (حميد) ونحن نستحضر ذكري رحيله الفاجع، في وطن مفتوح علي الهجير وطعم المحن! مقطع من قصيدة ست الدار في فضاء فالك يا إنسان نسمة تقولك في الإمكان أبدع واحسن من ما كان ياتو مطرتاً سوت شو .. فرقو غيما الأمريكان ياتو رصاص ما عقبو خلاص ياتو سجن يا الزين ود حامد ياتو محن تمحى الإحساس لما يكون في الساس والرأس ياتو وطن يا الزين ود حامد ياتو زمن دام للأنجاس [email protected]