قبل أن يتناسى الناس تصريحاته الغريبة وال(مدمرة) بشأن المسالخ و(فشل) السودان في تهيئتها بالمواصفات العالمية (مُتناسياً أنها مهمته)، فاجأنا وزير الثروة الحيوانية بقرارٍ أكثر دماراً و(جُرماً) في حق الوطن ومواطنيه، عقب تصديقه بتصدير نحو (1000) أُنثى ضأنٍ للخارج، وذلك وفقاً لما أوردته صحيفة السوداني في عددها الصادر أمس السبت الموافق 21 يونيو 2014. حيث استقبل محجر سواكن البيطري عصر أول أمس الجمعة 20 يونيو2014 (فعلياً)، شحنة من أُناث الضأن الحي (نعاج) قادمة من مركز القضارف للتحقين والتفتيش في طريقها للتصدير إلى الخارج ب(تصديق من وزير الثروة الحيوانية)!. ولقد سبق وأن أصدرت وزارة التجارة الخارجية قراراً يحظر تصدير أناث الإبل، انطلاقاً من الخطورة التي تنطوي عليها عمليات تصدير أناث الثروة الحيوانية بصفةٍ عامة بغض النظر عن نوع الحيوانات المصدرة (إبل أو ضأن أو ماعز أو غيرها)، لما لذلك من سلبيات كبيرة على القطيع القومي للصنف المعني، وعلى سلالته. إلا أن وزارة الثروة الحيوانية (وهي المعنية بحماية الأصول الوراثية الحيوانية) رجعت وألغت القرار وسمحت بتصدير الأناث (وفق شروط محددة)! ولمن لا يعرفون، فإن الحاجة لحماية الأصول الوراثية، برزت بصورة واضحة وكحاجة ملحة في ظل ازدياد التغوُّل عليها من قبل آخرين لا يملكون أصنافاً معينة من هذه الأصول الوراثية سواء كانت نباتية أو حيوانية، ثم نسب هذه الأصول أو الأصناف لنفسها، بما في ذلك عمليات تنميتها وتطويرها وتهجينها وتغذيتها وما إلى ذلك، دون إشارة لحقوق الدولة الأم صاحبة المصدر الأصيلة! وارتفع الجدل والاحتجاج من دول أصول المصادر الوراثية، وهي في الغالب من دول العالم الثالث، في وجه الدول والجهات التي سعت بشتى السبل لمنع المعاهدات الدولية الداعمة لحفظ حقوق مواردهم الوراثية، فجاءت اتفاقية التنوع الحيوي وتعديلاتها والبروتوكولات المرافقة لها التي لا يسع المجال لذكرها وعرضها. ومما لا شك فيه أن التصدير عموماً يحتاج لدراسات متخصصة وعميقة ومتأنية يجريها محترفون تلافياً لأي مخاطر استراتيجية خاصة على الصعيد الاقتصادي وربما الأمني، مع تحديد جهة واحدة تقوم على أمره وتشرف عليه وفق لوائح وضوابط معينة تدرس كل مُنتَج أو صنف تبعاً لحالته الخاصة، ولا يمكن تجاوز هذه الضوابط بأية حال. ولعلنا نتساءل أو بالأحرى نسأل وزير الثروة الحيوانية ووزراته كيف سمحت بتصدير أناث الضأن رغم حظر هذا؟ ثم كيف وافقت على هذا وأنت صرحت قبل أسبوعين بأن بعض الدول رفضت منتجاتك الحيوانية المذبوحة لتقوم أنت بإتاحة الأصول الوراثية لهذه المصادر لتلك الدول؟! ما هي مبرراتك المنطقية و(غير المنطقية) لهذا القرار ال(مدمر)؟! رغم علمنا بالحاجة لعملات صعبة ألا أن سلبيات تصدير الأناث أو الأصول الوراثية للصنف المعني أكبر بكثير من إيجابياته، وله أن التصدير له أبعاد استراتيجية واقتصادية كارثية و(مدمرة)، ويمكن للدولة المستوردة الاستفادة من مزايا السودان النسبية في الصنف المعني ومنافسته في السوق العالمية، بل وإخراجه بما لديها من معينات أخرى يفتقدها السودان! إنَّ الإشكالية الأساسية تتمثل في غياب تشريع أو قانون حازم وقاطع وواضح المعالم لحماية أصولنا الوراثية، لا سيما الحيوانية وهي آخر ما تبقى للسودان في سوق المنافسة العالمية! باعتبار أن القانون هو من يحمي هذه الأصول الوراثية، وبالأحرى المزايا النسبية للسودان أو ما تبقى منها، خاصة في ظل التجاوزات المتكررة على غرار ما حدث بهذا الإجراء الأخير، بخلاف عمليات التهريب غير المرئية أو المعلومة للعامة والتي لا يعلم مقدراها إلا الله! من الأهمية بمكان إصدار، قانون عاجل جداً لحماية وتداول أصولنا الوراثية ومزايانا النسبية، ليشمل كافة الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، بدايةً بحماية وصيانة وتنمية وتنظيم تداول الأصول الوراثية للأغراض الأكاديمية والبحث العلمي والتدريب والاستفادة منها في تطوير التراكيب الوراثية الجديدة للأغراض التجارية. مروراً بتنظيم الحصول على هذه الأصول الوراثية وتداولها داخل وخارج السودان وضمان تقسيم منافعها بين السودان والأطراف الأخرى بعدالة، سواء كانت منافع مالية أو فنيية (تكنولوجية) أو علمية ومعرفية وما يقع في إطارها. انتهاءً بتوجيه هذه المنافع لحفظ وتطوير الأصول الوراثية ونقل التكنولوجيا والمعلومات إلى الجهات الوطنية المعنية بالدولة. وقبل هذا أو ذاك، لابد من معاقبة من تجاوز في هذا الخصوص بأشد العقوبات باعتبارها من التجاوزات المؤثرة جداً على الوضع الاقتصادي والاستراتيجي للدولة، لكونها تنقل مزايانا النسبية إلى الغير وتضعف من قوتنا في سوق المنافسة العالمية فيما يخص الثروة الحيوانية، ولتبدأ الإجراءات منذ الآن، بهذا الحدث الأخير المتمثل في تصدير هذه الكمية الكبيرة جداً (بمنظور المتخصصين في هذا المجال) من أناث الضأن إلى الخارج، ويجب معاقبة كل من ساهم في هذا الأمر. فنحن نحيا في إطار منظومة عالمية، تتجاوز الحدود الجغرافية والطبيعية، تقودها دول عظمى وشركات (احتكارية) متعددة الجنسيات وشخصيات اعتبارية أخرى، تعمل على السيطرة على كل ما هو مميز وفعال وذا جدوى، ونحن في السودان لم يعد لنا ما ننافس به عالمياً وإقليمياً سوى ثروتنا الحيوانية هذه وهي بالأساس تآكلت وتراجعت وتدهورت، وإن لم نعمل لحسم الأمر فسيضيع منا آخر ما نملكه في إطار هذه الحركة الديناميكية العالمية. [email protected]