معظم من كتب عن كتاب الليالي من المشهورين والمغمورين، اتفقوا على إهانته والحط من قدره. ميدل ايست أونلاين بقلم: محمود سعيد بعد أكثر من ألف سنة تعود الإبنة الحسناءُ الفاتنةُ الضالّةُ قبل أن أتطرق إلى الدراسة أحبّ أن أقول إنني أقوم لأول مرة في حياتي بتقديم موضوع يتعلق برواية كنت ومازلت مفتوناً بها منذ أكثر من نصف قرن. لم يسبق في التاريخ أن تعرّض كتاب لحملة تزييف وتلفيق وأكاذيب وتشويه ومنع كما تعرض هذا الكتاب العظيم. فقد اتفق معظم من كتب عن هذا الكتاب من المشهورين والمغمورين، على إهانته والحط من قدره، وآخرهم كاتبة متواضعة تكتب بالفرنسة (فاطمة المرنيسى) التي ترجمت مقالتها الأربعاء التاسع عشر من يناير/كانون الثاني في جريدة الزمان اللندنية. أجمع جيمع البلداء وأنصاف المثقفين أن حكاياته فارسية هندية عربية، وأنها لم يكن لها مؤلف واحد، ولا يعرفوا جامعها أو واضعها على هذه الصورة، وحسب مقدمة طاهر الطناحي في طبعة دار الهلال المصرية الخامسة عبارة مطاطة مقتبسة من دون شك يقول: يرجع الباحثون النواة الأولى لألف ليلة وليلة إلى كتاب فارسي يدعى "هزار أفسانة" ومعناه ألف خرافة، ويستند على مصدرين: المسعودي، وابن النديم. ويقصد الطناحي أن المستشرقين ك ملر ونولدكة تبنوا تلك الفكرة وحاولوا أن يثبتوها بتقسيم الحكايات إلى مستويات أو طبقات، يرجع معظمها إلى أصول غير عربية. ويوكد الطناحي أن النص الأخير أخذ من النص المصري، ويعزي الجهد إلى المستشرق روزتنبرج، ويؤيده الكثيرون وكانت مطبعة بولاق قد طبعت الكتاب في سنة 1835. ولما كانوا لم يتعبوا أنفسهم في التمحيص والدرس فقد أثبتوا (كيف جنت عليه الأيام كثيرا، فقد تداولته الأيدي، أيدي النساخ والقصاص والرواة (والحكواتية) في المقاهي الشعبية والأعياد، بالتبديل والتعديل والاضافة والحذف كثيرا. ثم جاء العصر الحديث، بمطابعه ودور نشره، فزاد مسخ الكتاب كثيرا وصرنا نطالع كل حين طبعة له تختلف عن سابقاتها، وكل فئة تريد ان تنسب الكتاب اليها وتعمد الى تحريفه وتغيير الفاظه وأسماء أماكنه وبقاعه، لتستطيع الزعم بأنه ملك صرف لها. ولعل أفظع طعنة توجه لها الزعم بأن شكلها الحالي يرجح إلى القرن الرابع عشر الميلادي. هذا ما يتداوله العربي وغير العربي الآن في إهانة الليالي وتشويهها إلى حد الآن، بالرغم من اعترافهم جميعاً بمدى تأثيرها في الآداب العالمية في معظم بقاع الأرض. ترجمت الليالي متأخرة إلى الإنكليزية على يد السير وليم هاي والسير تيرنر ماكان، سنة 1839، بينما كانت ترجمها إلى الفرنسية أقدم على يد المستشرق الفرنسي انطوان جالان عام 1704، وترجمها بتصرف فأصبحت قبلة للمترجمين إلى باقي اللغات، واستعملت حكاياتها في قصص الأطفال، وتعتبر العمل الأدبي الأول والأهم في التاريخ إن قومنا ذلك بتأثيرها في الأجيال فقد كانت مصدرا لإلهام الكثير من الكتاب والروائيين والشعراء الرسامين والموسيقيين، ومن منا لا يتذكر سيمفونية شهرزاد لينيكولاي ريمسكي كورسيكوف، ولو جمعنا اللوحات الفنية الرائعة المستوحاة منها لملأت مجلدات فيما فاقت الطوابع المتخيلة لشخصياتها المئات في جميع أنحاء العالم، وأصبحت شخصياتها عملاقة خالدة في معظم بلدان العالم كعلاء الدين، وعلي بابا والأربعين حرامي والسندباد البحري، وشهرزاد وشهريار الملك، والشاطر حسن. واقتبس منها الكاتب الإيطالي الشهير بوكاشيو "الأيام العشرة". واقتبس منها الكاتب الإنجليزي شكسبير موضوع مسرحيته "العبرة بالنهاية". وسار شوسر على نهج بوكاشيو فكتب "قصص كانتوبوري" على المنوال نفسه. الليالي رواية ألهمت مئات الكتاب غير العرب من إنكليز وفرنسيين وإسبان، وغيرهم منذ ترجمت وحتى الآن، فقد أشاد بها ماركيز، وقال صراحة أنه اقتبس منها قصة قصيرة عن ميت يتذكر ساعاته الأخيرة، واستشهد بها بورخيس، وقال ستندال أتمنى أن يساعدني الله على محو ألف ليلة وليلة من ذاكرتي لكي أتمتع بها عند قراءتها ثانية. وقال عنها فولتير: لم أكتب الرواية إلا بعد قراءتي "ألف ليلة وليلة" أربع عشرة مرة، ولا يتسع المقام لذكر من تأثر بها من العظماء، وغنيت قصائد لم ترد إلا في ألف ليلة وليلة على لسان أبدع المغنين والمغنيات العرب كأم كلثوم. كثيراً ما كنت أتساءل كيف يُساء إلى كتاب عظيم كهذا ويشوّهه العارفون وأنصاف العارفين وأرباع الجهلة والأميين طيلة قرون ولا يتصدى لهذا الظلام من بصيص نور يقلعه؟ حتى عثرت على مقال الباحث العراقي هادي حسن حمودي في دراسة رائدة فريدة لا تضاهيها أيّ دراسة سابقة أو لاحقة في الأدب العربي في جريدة الحياة اللندنية في خمس حلقات (الثلاثاء 27 يناير/كانون الثاني 1998) بعنوان: «الف ليلة وليلة تسترد» مؤلفها وعمرها وبيئتها . مؤلف واحد وضع « الليالي» بعدما خطط لها وقسمها على الحكايات. وكانت الجملة الأولى في الدراسة: "قراءة متأنية في «ألف ليلة وليلة» تقودنا الى الاقتناع بأن هذا الكتاب الباقي على وجه الأيام له مؤلف واحد، وظهر في بيئة محددة المعالم واضحة القسمات". وكان منهج الباحث الرشيد هو التعرض إلى نقاط التشويه وتزييفها وإظهار حكمها الجائر بأسلوب علمي، فحسب رأي الأميين وأنصاف المتعلمين والدارسين أن نقاط ضعفها تنحصر في نقاط متعددة وهي: إن الليالي مضطربة لأن نسخها متعددة وكل نسخة تمتاز باحتوائها على موضوع لا يوجد في النسخ الأخرى، والتشكيك بمحتوى نسخة يسري إلى التشكيك بالنسخ كلها. إن الليالي تأليف مجموعة من المؤلفين لا مولف واحد. إن الليالي متعددة الأوطان والأقوام، فهي هندية، فارسية، عربية، وعراقية سورية مصرية إيرانية رومية وربما مريخية.