والي الخرطوم يدشن أعمال إعادة تأهيل مقار واجهزة الإدارة العامة للدفاع المدني    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    مصطفى بركات: 3 ساعات على تيك توك تعادل مرتب أستاذ جامعي في 6 سنوات    تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    مصالح الشعب السوداني.. يا لشقاء المصطلحات!    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    نقل طلاب الشهادة السودانية إلى ولاية الجزيرة يثير استنكار الأهالي    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفعت السعيد : الجيش عارض «طبخة» التوريث و«تكتيك» التفويض كان مخيفا
نشر في الراكوبة يوم 18 - 02 - 2011

كشف الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع المصري المعارض تفاصيل الساعات الحرجة للحوار الذي بدأ يوم السادس من الشهر الجاري، ولم يكتمل، بين اللواء عمر سليمان النائب السابق للرئيس المصري، وقوى المعارضة، وانسحابه من الحوار قبل يوم واحد من تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن سلطاته تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية التي عمت البلاد منذ يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، ولمدة 18 يوما.
وقال السعيد الذي التقى مبارك من قبل مرات قليلة، إن الحوار مع سليمان كان يجري في دهاليز غريبة، وكان يوجد أكثر من «ترس» يعمل في اتجاه مختلف بطريقة لا يمكن معها للماكينة أن تعمل، مضيفا في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» أن التكتيك في يوم تفويض الرئيس سلطاته (لعمر سليمان) كان مخيفا بما يوحي أن البعض كان يريد للأمور أن تسير في الاتجاه الذي انتهت إليه، قائلا عن الجهة التي ربما تكون وراء دفع الأمور بهذا الشكل أنه لا يريد، كمتخصص في التأريخ، أن يخمن، وأنه يترك الأمر إلى حين تظهر الوثائق.
وأضاف رئيس حزب التجمع أنه يعتقد أن الجيش كان يعلم ويعارض «الطبخة الدستورية» منذ عام 2005 لتوريث الحكم لجمال مبارك، قائلا إن الجيش ربما شعر بخطورة المحيطين بنجل الرئيس باعتبارهم «شلة فاسدة»، وإلى نص الحوار..
* انقطعت الاتصالات منذ سنوات بين الرئيس السابق حسني مبارك وممثلي أحزاب المعارضة، وأنت منهم. ما السبب؟
- أنا لم ألتق الرئيس مبارك منذ ما يقرب من عشر سنوات. منذ عشر سنوات كان يحدث أن نلتقي.. الأستاذ خالد محيي الدين وأنا مع الرئيس مبارك. بعد ذلك انقطعت المقابلات.. نحن لم نكن نطلب ذلك. لم يحدث أن طلب خالد محيي الدين أو أنا أي مقابلة. أما كيف سارت الأمور، حتى انتهت إلى ما انتهت إليه الآن، فأنا أرى أن تركيبة النظام كان بها خطأ كبير. وتوجهه كان فيه خطأ أكبر أيضا..
* مثل ماذا؟
- مثل أن برامج الخصخصة (في القطاع العام) تحولت إلى مهنة يجب أن يمتهنها وزراء بذاتهم.. وأن المستثمرين يتعين إرضاؤهم بأي شكل من الأشكال، حتى لو جاء ذلك على حساب أي شيء. كانوا يقنعون أنفسهم ويقنعون الرئيس ربما، بأن هذا هو السبيل للبناء. وأنهم يحتاجون مستثمرين ليأتوا بفرص عمل وحل مشكلة البطالة وزيادة الدخل القومي وبالتالي حل مشكلة الفقر.
* وما المشكلة في ذلك؟
- المشكلة أن القائمين على الأمر نسوا أن هؤلاء المستثمرين محدثون.. يعني ليسوا رأسمالية مدركة لخطورة وجود نظام رأسمالي متوحش.. نظام رأسمالي ليس في إمكانه إحداث التساقط الذي يعني إقامة علاقات مع المجتمع عبر بناء مؤسسات أو عبر النهوض بالتعليم المجاني أو غيره.. لكن كبار المستثمرين المصريين كانوا يزعمون أنهم يقومون بمثل هذه الأنشطة، بينما هم ينفقون على الإعلان عن هذه الأنشطة أكثر مما ينفقونه على الأنشطة ذاتها. وتم الرد على طلبي بفرض ضرائب تصاعدية، بأن العودة إلى الضرائب التصاعدية تعني الاشتراكية.
* تعني أنك طرحت هذه الرؤية خلال الاجتماع مع اللواء عمر سليمان في أيام ثورة 25 يناير؟
- حين دعينا إلى الحوار أثناء الاحتجاجات التقينا مع السيد اللواء عمر سليمان، بعد الاستجابة لطلبنا بوقف إطلاق الرصاص على المتظاهرين بميدان التحرير. في بداية الجلسة قلت في غاية الوضوح: سيادة النائب أنت تعرف أن الشعب قد فقد الثقة نهائيا في كل ما يقال.. أمضينا ثلاثين سنة نقول «رعاية محدودي الدخل»، و«أزهي عصور الديمقراطية».. قلت له إن كل هذا الكلام لم يعد يصدقه الناس.. قلت له فلنبدأ باكتساب الثقة بأن نقول الحقيقة، ولن يصدقوكم أيضا، لكن بالممارسة سيكتشفون أنكم تقولون الحقيقة.
* وكيف كان الرد؟
- بدأت المناقشة.. أنا طرحت الفكرة الجوهرية: التعديلات الدستورية يجب أن تكون أكثر انفتاحا.. شروط غير مانعة للترشح للرئاسة، وغيرها من التعديلات الواردة في برنامج حزب التجمع الذي يطالب به منذ عام 1981، وأن تكون مدة الرئاسة دورتين فقط.
* وماذا لاحظت أثناء حوار المعارضة مع اللواء سليمان حين كان الشارع في ثورة؟
- نحن دخلنا الحوار بقلوب مفتوحة وبصراحة شديدة وموجعة، وإذا بالحوار يجري في دهاليز غريبة. تتكلم عن شيء، فتفاجأ بأن أحدا آخر يرتب شيئا آخر، من داخلهم.. كان هناك أكثر من ترس يعمل في اتجاه مختلف؛ وهنا الماكينة لا يمكن أن تعمل، لأن التروس لا بد أن تُعشق مع بعضها لكي تتحرك الماكينة وتعمل.. لكن لو كل ترس يمشي خلف خلاف، فالماكينة لن تعمل. هذا ما كان يحدث، فأعلنت الانسحاب من الحوار لأنني لا أريد أن أكون شاهد زور.
* هل كنت تشعر أثناء الحوار مع سليمان أن وقت الإصلاح جاء متأخرا؟
- أقول لك كيف تعامل الرئيس مبارك مع هذه الوقائع: كان دائما يصل المحطة بعد أن يرحل القطار.. أعتقد أن الرئيس كان يجب أن يتجاوب مع شباب 25 يناير منذ البداية، لكنه استمع إلى من يقولون له إن «كل هذا كلام فارغ»، وأن «الأمر كله تحت السيطرة».. حتى في يوم تفويض الرئيس سلطاته (لعمر سليمان، مع بقائه في الحكم) كان التكتيك مخيفا بما يوحي أن البعض كان يريد للأمور أن تسير في هذا الاتجاه. يعني أن يتم الإعلان طوال ست ساعات عن أن الرئيس سيذيع بيانا مهما.. خلال هذه الساعات الست ارتفع سقف التوقعات، وأصبح النقاش: هل سيرحل ويعطي سلطاته للمؤسسة العسكرية، أم يرحل ويعطيها لعمر سليمان. وجاءت النتيجة بلا هذا ولا ذاك، فانفجر الوضع.
* من برأيك كان يريد للأمور أن تسير في اتجاه انتهى إلى هذه النهاية؟
- لا أحب أن أخمن، لأنني رجل تاريخ.. ولكن أترك هذا الموضوع إلى حين تظهر الوثائق، وليس مجرد الاعتماد على الحكايات المتداولة الآن.. الحكايات هي أسوأ عقبة أمام علم التاريخ.
* بما في ذلك الحكايات عن الفساد؟
- وجهة نظري أن المشاكل موجودة من أيام الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات، لكنها تزايدت في أيام الرئيس مبارك.. كان الفساد في السابق يدور حول شخص (مسؤول) أخذ فيلا لنفسه، أو آخر اشترى سجادتين زيادة، أو شخص سافر لموسكو فاشترى خمس فازات كريستال.. يعني كان فسادا «أهبل وأحمق»، لكن الفساد في السنوات الأخيرة كان هو «الفساد المتين». وعقب ظهور جمال مبارك (في بداية الألفية) والحديث عن التوريث، ثم تشكيل لجنة السياسات حيث أحاط بجمال كثيرون من أصحاب المصالح، فانتشر الفساد بصورة جنونية. من قبل كان الناس يتسترون. الآن لم يعد أحد يتستر. جاءت انتخابات مجلس الشورى (منتصف 2010) ثم الشعب (أواخر 2010) وكانت الأسوأ في تاريخ مصر، وتركت جرحا عميقا في قلب الأحزاب السياسية وفي قلب المجتمع المسيس. هنا كان المناخ مهيأ (لما جرى).
* لكن لماذا كان التواصل بين الرئاسة والقوى الحزبية مفقودا منذ عام 2005، سواء عن طريق مستشاري الرئيس أو حوار المعارضة مع الحزب الحاكم؟
- هذا الحوار كان مفقودا لأن المعارضة أصبحت لا تساوي شيئا عند النظام الحاكم. لو كان يحترم هذه القوى لكان قد واصل العلاقة بها. لكن (هم كانوا يقولون) من أنت حتى تنتقد وتتحدث عن وجود فساد وعن الحاجة للديمقراطية والانتخابات الحرة.. هذا الاستعلاء المتجبر كان أحد أسباب (ثورة 25 يناير). واستمر هذا الاستعلاء حتى أثناء الاحتجاجات الضخمة التي كانت تعم البلاد.. ففي الجلسة الأخيرة لمجلس الشورى، التي كانت يوم الاثنين 27 يناير، حين كانت الأمور ما زالت في حدودها، ولا أحد يتحدث عن رحيل مبارك، فوجئت بأن السيد صفوت الشريف (رئيس مجلس الشورى، الأمين العام للحزب الحاكم) يترك زعيم الأغلبية بالمجلس ليتحدث بلا وقت محدد، ثم يعطيني الكلمة بعده باعتباري رئيسا لأكبر مجموعة معارضة، لكنه قال لي إن الكلمة ثلاث دقائق فقط.. هنا بدا امتعاض النظام من أي معارضة.
* في آخر لقاء لك مع الرئيس مبارك، وكان معك خالد محيي الدين، هل رأيت في هذه المقابلة، التي جرت منذ نحو عقد من الزمان، أن الأمور ستسير إلى ما آلت إليه الآن؟
- الرئيس مبارك عندما كان يلتقي بنا كان ينصت جيدا، أما ماذا سوف ينفذ، فهذه قصة أخرى. لم يكن حتى يسألك.. في مرة تجاسرت وقلت له: يا سيادة الرئيس لا تصدقهم.
* تقصد من هم الذين قلت للرئيس أنه لا ينبغي عليه أن يصدقهم؟
- لم أقل له من أعني، فقال لي الرئيس مبارك إنهم أكثر من جهاز (إذا كذب أحدهم صدق الآخر).. فقلت له إنهم من الممكن أن يتفقوا مع بعضهم بعضا على ما سيقولونه لك.. فقال ماذا أفعل؟ هل تريدني أن أنزل مثل عمر بن الخطاب أزور الأسواق في المساء. أنا مضطر لتصديقهم. كان هذا الحديث مع الرئيس قبل أن تتشكل لجنة السياسات برئاسة جمال مبارك في عام 2002.
* نشرت صحيفة «الأهالي» الصادرة عن حزب التجمع عام 1998 أن الرئيس مبارك عين عمر سليمان نائبا له ثم تراجع. هل كان هذا خبرا أكيدا في وقته؟
- كانت مجرد أقاويل. وتلقينا في حينه مكالمة غاضبة من أحد الأجهزة بأن هذا غير صحيح، ولا تحشروا أنفسكم في هذا. لكن أنا أذكر حين التقيت بالرئيس مبارك في أيام حكمه الأولى، ضمن وفد التجمع المكون من خالد محيي الدين والدكتور يحيى الجمل وأنا، أنه طرحت على مبارك فكرة تعيين نائب له، فقال: سأرى، ولم ير. وطرحت عليه أيضا فكرة أن يترك الحزب الحاكم، فقال لو تركت رئاسة الحزب فمن أين ستكون مشروعيتي (كرئيس للدولة). أعتقد أن هذه إجابات كانت جاهزة له ليرد على أي أسئلة من هذا النوع.
* وما الذي جعل الرئيس مبارك يتخذ خطوة تعديل المادة 76 من الدستور عام 2005 طالما أنه لم يتشاور بشأنها مع الأحزاب التي كانت تتحاور مع حزبه الحاكم حينذاك؟
- الأمور كانت تسير في الاتجاه الذي وصلت إليه بالتعديل الذي تمت به المادة 76. أنا كنت أراهم (قيادات من الحزب الحاكم) وهم يجتمعون في أحد المكاتب في مجلس الشورى.. أفتح عليهم الباب وأقول لهم: هل ما زلتم تطبخون، فيضحكون ويقولون لي نعم.
* تعني أنه كان هناك توجه عام ل«طبخ» مثل هذه التشريعات.. من أجل ماذا؟ هل كان من أجل التوريث كما كان يعتقد البعض في الشارع المصري؟
- نعم. هو بالتأكيد كان يسير في هذا الاتجاه.. «يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب».. وفي أول انتخابات رئاسية متعددة وفق المادة 76 عام 2005 طلبوا مني الترشح في هذه الانتخابات، فقلت إنني لا ينفع أن أكون كومبارس في مسرحية معدومة النتائج.
* هل برأيك كان الجيش يعارض عملية «طبخ» التشريعات من أجل التوريث؟
- معلوماتي نعم (أنه كان يعارض).. وأن الرئيس حذر منها، لكنني غير متأكد.. لكن كان يتناثر كلام بأن جمال مبارك لم ينضج بعد.. وأن الشلة التي حوله فاسدة، لكن بالقطع أنا لا أعرف الحقيقة.. هذا تحليل: أعتقد أنهم (في الجيش) كانوا غير موافقين على هذا.. ربما ليس بسبب أن المؤسسة (عسكرية) و(مجموعة جمال) من المدنيين، ولكن ربما بسبب ما شعروا به (في الجيش) من خطورة المحيطين به (بجمال).
* كيف تنظر إلى السلطة التي تسيّر أمور البلاد الآن؟
- نحن طبعا نثق في القوات المسلحة، ونريد دولة مدنية حقا ديمقراطية ليبرالية حقا. لكن حين نأتي لتشكيلة اللجنة الدستورية نجد أنه أمر مثير للدهشة. أنا أتخيل أن مصر تتجه عن عمد نحو النموذج التركي (في الحكم)..
* هل بالإسلام الإخواني أم بتيار إسلامي عام؟
- ليس شرطا.. نموذج تركي فيه الجيش هو حامي الشرعية، لكن هذا مجرد تخيل سياسي الآن، لكنه ليس معرفة حقيقية (بما ستؤول إليه الأمور).
* هل تمت استشارتكم قبل تشكيل اللجنة الدستورية؟
- لا.. على الإطلاق.. أنا مفاجأ بالسرعة الشديدة (التي يجري بها عمل التعديلات الدستورية) ومفاجأ بأنهم رفضوا كل اقتراحاتنا الخاصة بقانون انتخاب جديد على أساس القائمة النسبية المفتوحة، وغيرها. ولا أعتقد أنه تمت استشارة أحزاب ائتلاف المعارضة (الوفد والناصري والجبهة إضافة للتجمع) لأن العقلية (الحاكمة) لا تعمل على هذا النحو.
* هل ترى أنه في الوقت الحالي يمكن أن تكون هناك انتقائية في التعامل مع التيارات السياسية؟
- واضح.. الانتقائية واضحة تماما.. يكفي أن تنظر إلى تشكيلة اللجنة الدستورية.. وحتى القرار الذي صدر بخصوص تشكيل اللجنة؛ قيل إنها ستضم عددا من الشخصيات السياسية، واتضح أنها تضم شخصيات سياسية بذاتها.
* هل تتوقع أن يكون للأحزاب دور كبير في المرحلة المقبلة؟
- هناك فرق بين ما يجب وبين ما تعتقد، وبين ما تتوقع. أنا يقيدني دائما أنني أشتغل بالتاريخ. لا ينفع أن تقول: «لو أن».. عندما تقع الواقعة أنت تدرس ما هو محيط بها وما هو ممكن أن تؤدي إليه.. لو أنك أنت سألتني قبل تشكيل اللجنة الدستورية: ممن ستتشكل اللجنة الدستورية؟ سأقول لك إنه سيأتي يحيى الجمل وأحمد كمال أبو المجد وفلان وعلان، ممن كان تم اختيارهم في المرة السابقة. في السياسة أنت لا تعرف ما هو داخل الصندوق المغلق.. أنت لا تعرف فيما يفكرون. وعليك أن تنتظر إلى أن يعلنوا لكي تحدد (موقفك).
* تعني أن اللجنة الأولى لتعديل الدستور، تلك التي كانت مكلفة من الرئيس السابق مبارك، كانت أكثر توازنا؟
- هذه اللجنة لم تكن مكلفة من الرئيس مبارك، ولكن كان يجري اختيارها عبر السيد اللواء عمر سليمان.. ولم نعرف من سيكون فيها، لكننا سمعنا أنه سيكون فيها الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والدكتور يحيى الجمل، وقيل إنه سيكون فيها عدد من الشخصيات السياسية..
* إذن كيف تنظرون إلى العهد الجديد؟
- دعنا نستبشر خيرا.. أكيد سيكون هناك قدر كبير من التساؤلات لأنك تتعامل مع صندوق مغلق. في السابق كان يمكن أن تفتح الباب في مجلس الشورى وتدخل على صفوت الشريف، وتسأل المجتمعين (من أقطاب النظام)» «أنتم.. ماذا تنتوون؟». لم تكن تتلقى إجابة واضحة، لكن كان في مقدورك أن تقول لهم رأيك: «لا بد أن تعملوا كذا»، ويردون عليك: «طيب لما نشوف». الوضع الآن اختلف. وسوف نتأنى ونتأمل ونرى.
* أخيرا كيف تنظر إلى الخطاب الإعلامي وأنت تتابع التطورات؟
- حين أقرأ الصحف اليوم أشعر بالدهشة والإشفاق على الكتبة.. أنت تتملق الحاكم وحين يأتيك حاكم جديد يكون أمامك خياران، إما أن تثبت على موقفك فتعرض رقبتك للخطر، أو أن تغير موقفك فتفقد احترامك لنفسك.. أذكر أنني في إحدى المرات حين كنت جالسا مع الرئيس مبارك، قبل سنوات، أنني تجاسرت، حين أخرجت ورقة من جيبي، كأنها خرجت بطريق المصادفة، مكتوب فيها جانب من قصيدة للمتنبي، قرأتها على مسامع الرئيس، وتقول: «إذا اشتبكت دموع في خدود.. تبين من بكى ممن تباكى».. واليوم اتضح أن من بكى هو الرئيس وأولاده وعائلته، والذين تباكوا كانوا هم كل الآخرين.. هذه مأساة حقيقية في المثقف العربي لأنه لا يملك حرية الاختيار، إلا إذا قرر أن يكون خارج الرؤية.. خارج الصندوق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.